-A +A
عادل بترجي
قبل شهرين تقريبا، دعيت للمساهمة في ورشة عمل أقامتها وزارة الاقتصاد والتخطيط، بالتعاون مع مجموعة الأغر للاستشارات ومعهد التنمية الكوري؛ لوضع اللمسات والتوصيات الأخيرة على استراتيجية التحول إلى المجتمع المعرفي التي سوف تقدم إلى المقام السامي لإقرارها. حضر ورشة العمل تلك عدد كبير من المختصين في المجالات التي تمس تنمية المجتمع، منها: التعليم بفروعه العام، والعالي، والمهني، والاقتصاد، والتجارة، والصناعة، والعمل، والموارد البشرية، والمنشآت المتوسطة، والصغيرة، وغير ذلك كثير، وبحكم التخصص والمهنة كنت من أعضاء لجنة التربية والتعليم.
استمع المشاركون في بداية عمل الورشة إلى تقرير عن نتائج الدراسات التي تمت حول التحول إلى المجتمع المعرفي، والتوصيات المقدمة في هذا الخصوص. اشتمل التقرير على إيضاح رؤية استراتيجية التحول إلى المجتمع المعرفي، والتي تتمثل في «أن نكون مجتمعا معرفيا منتجا ومنافسا على المستوى الدولي بحلول عام 1444هـ». أما رسالتها فتنص على «بناء مجتمع معرفي متكامل عالميا يحقق تنمية مستدامة من خلال بناء ثروة بشرية مبدعة وبيئة تقنية وبنية تحتية حديثة محفزة لتحسين مستوى المعيشة والرقي بالمجتمع السعودي». وتمضي الاستراتيجية لتؤكد على أن مجتمعنا المعرفي، يرتكز على توجيه وتطوير الثروة الفكرية مستندا إلى قيمه الإسلامية، ومسخرا الإبداع الفكري؛ لتحقيق تنمية مستدامة، ويكون الفرد محورا للتطوير من خلال روابطه الأسرية، والاجتماعية. وتدل الكلمات الرئيسة في هذه المقدمة المستقاه من مستندات الورشة المذكورة آنفا، أن التعليم بمدخلاته وإجراءاته، ومخرجاته، ولكونه المطور الرئيس لرأس المال البشري يقع في قلب استراتيجية التحول إلى المجتمع المعرفي. لذلك سوف أركز في هذه السلسلة من المقالات، على ما يخص التعليم العام، وتطوير قدرات الطلاب، من خلال مؤسساته وإجراءاته، وبالتالي مخرجاته.

في هذه الجزئية، تهتم المجموعة الأولى من التوصيات ببرامج العمل التي تتعلق بالتعليم، وقطاع رأس المال البشري. وقد خلصت نتائج الدراسات التي سبقت إعداد الاستراتيجية إلى أنه على الرغم من التوسع الكمي الملحوظ في التعليم العام في الآونة الأخيرة، تظهر نتائج أداء قطاع التعليم في المملكة العربية السعودية مشاكل هيكلية، مثل: سوء الأداء الأكاديمي للطلاب، والنقص في عدد المعلمين المؤهلين، وعدم وجود منافسة فيما بين المدارس والجامعات. حتى من حيث الكم، فإن خدمات بعض جوانب التعليم والتدريب، كالتعلم مدى الحياة للراشدين، فضلا عن التعليم قبل المدرسي، ما زالت متخلفة كثيرا. وعلى ذلك، فإن البرامج المختارة لهذا القطاع مصممة لمعالجة ليس مجرد التوسع الكمي، بل أيضا المهام الأكثر تطلبا لتحسين الجودة والكفاءة، والتوزيع المنصف بين المستفيدين. وتشمل هذه البرامج: التطوير الجذري الذي يهدف إلى رفع مستوى برامج تقييم وإعادة تدريب المعلمين، تطوير اختبارات القبول في الكليات والجامعات، تطبيق اختبارات الكفاءة لجميع الطلاب على المستوى الوطني لا سيما في الرياضيات والعلوم، تحسين وتوسيع نطاق برامج موهبة، تعزيز نظام القيادة المدرسية، عن طريق اللامركزية، والاستقلالية والمساءلة، إصلاح نظام المحاسبة في مدارس التعليم العام، تطبيق التعلم الإلكتروني بكامل إمكانياته، إنشاء هيئة مستقلة لضمان جودة التعليم، إعادة هيكلة الإدارة الداخلية لمؤسسات التعليم العالي لإعطاء مرونة واستقلالية أكبر للقيادات الجامعية، تشجيع مقدمي خدمات التعلم المستدام من القطاع الخاص، لنشر خدماتهم، وتطوير الخبرة التراكمية لكفاءة المدربين من الجنسين.
من الأهداف الرئيسة في الاستراتيجية، تنشئة جيل جديد من المواطنين، تقوده ثقافة المعرفة والتعلم، وفي هذا الصدد تدعو الاستراتيجية إلى رفع مستوى التعليم لجميع المراحل، بدءا من مرحلة ما قبل المدرسة إلى المرحلة الجامعية، وتحفيز التسابق للوصول إلى المعايير العالمية، إطلاق برامج توعية، وتحفيز المشاركة في تطبيق المعرفة في ميادين العمل، إنشاء مراكز أبحاث جديدة في المجالات ذات الأولوية الاستراتيجية للمملكة، في كل من القطاعين العام والخاص، وتشجيع إنشاء المراكز المشتركة بينهما، زيادة نسبة الطلبة المنضمين لأقسام العلوم والتكنولوجيا، وتحسين ثقافة العمل، والانضباط، والإبداع، بين شريحة القادرين على العمل من خلال الحوافز والتوعية المستمرة، وإتاحة فرص الابتعاث للتدريب في الشركات العالمية.
للموضوع بقية.