-A +A
د. طلال صالح بنان
يجتمع وزراء الخارجية العرب اليوم، في مقر الجامعة العربية بالقاهرة، بدعوة من الحكومة الفلسطينية لبحث التصعيد الإسرائيلي على جبهة قطاع غزة، الذي وصل ذروته في مذبحة بيت حانون يوم الأربعاء الماضي التي تجاوز ضحاياها 18 شهيداً و53 جريحاً من المدنيين الفلسطينيين بينهم عائلات بأكملها، بما فيها من نساء وأطفال وشيوخ وشباب، من جميع الأعمار. لما يقرب من عام والفلسطينيون مهددون في أمنهم ورزقهم ومعاشهم، لا لذنب اقترفوه، سوى تعبيرهم عن حقهم السياسي في ظل الاحتلال، بانتخابات تشريعية حرة.
تلك الانتخابات وقبل أن تُجرى، كان العالم، أيضاً، يعرف الأجندة السياسية للجماعات السياسية التي تخوضها، ولم يكن شيئاً خافياً، على أمل أن يأتي إلى المجلس التشريعي ومن ثَمّ الحكومة، من اعتاد الفلسطينيون والعالم على وجودهم في سدة السلطة الفلسطينية. ولكن جاءت نتيجة تلك الانتخابات بما لا يهوى غير الفلسطينيين من أطراف خارجية وإسرائيلية ، ليقلب الجميع ظهر المجن على الفلسطينيين، وتبدأ معاقبة الفلسطينيين على خياراتهم السياسية في مَنْ يحكمهم، من الجميع، بالمقاطعة السياسية والاقتصادية، في ما فسرته إسرائيل على أنه إذن من كل تلك القوى بتصفية القضية الفلسطينية، مرة واحدة و للأبد.

تلك هي الأسباب الحقيقة وراء التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، الذي بلغ ذروة عرونته بمذبحة بيت حانون. إذا ما اتفق وزراء الخارجية العرب على تلك الأسباب بأنها وراء التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، الذي يتفاعل من خلال تجاهل دولي، يصل لحد التواطؤ، فإن العرب يكونون أكثر اقتراباً من إنصاف الفلسطينيين..بل ومن التصدي الحقيقي الذي يمثله، كل ذلك لأمنهم القومي. ليس هناك مجال في هذا الاجتماع لأية لغة مهادنة، لأي طرف دولي كان، يخرج بها البيان الختامي لهذا الاجتماع الطارئ.
أي تردد عربي من إبداء الدعم السياسي القاطع للفلسطينيين.. والمباشرة الفورية برفع كل أشكال المقاطعة الاقتصادية للفلسطينيين.. والاعتراف الواضح بحق الفلسطينيين في المقاومة.. ودعوة الفلسطينيين الصريحة بأن يضعوا خلافاتهم السياسية جانباً وصراع فصائلهم المتعددة على السلطة والاحتكام لإرادة الشعب الفلسطيني في تحديد خياراته السياسية في مَنْ يحكمه.. ودعوة النظام الدولي، بكل فعالياته، لمراعاة مقررات الشرعية الدولية، في أية مبادرة مخلصة لإيجاد حل سلمي وعادل لأخطر أزمة يواجهها العالم ويهدد استمرارها استقرار المنطقة وأمنها، بل واستقرار العالم وأمنه، بصورة عامة. بغير هذه اللهجة غير التقليدية التي اعتادت عليها قرارات تصدر من مثل هذا التجمع الرسمي العربي، فإن لا إسرائيل ولا فعاليات النظام الدولي، سيشعرون بوطأة استمرار مثل هذه الأزمة، على أمنهم ومصالحهم.
إذا لم يكن البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب اليوم بمقر الجامعة العربية في القاهرة، بهذا الحزم والحسم والتصميم، فإن العرب لا يحق لهم أن ينتظروا اهتماماً من قبل فعاليات النظام الدولي، التي تجتمع في مجلس الأمن، لمناقشة قضية مجزرة بيت حانون، للأزمة بأسرها، مهما كان مستوى القرار الذي يصدره أو يكون قد أصدره مجلس الأمن، في هذا الخصوص. متى تعامل العرب مع الأزمة، بخطورة الدواعي التي قادت إلى اجتماع اليوم لوزراء لخارجية العرب، بخطورتها على مصالحهم العليا وأمنهم القومي، فإن استجابة النظام الدولي للمطالب العربية، لتسوية الأزمة بصورة سلمية عادلة وشاملة، تكون أقرب وأكثر توقعاً. مستوى رد الفعل العربي، الذي سيصدر من وزراء الخارجية سيتوقف عليه، إمكانية استجابة النظام الدولي لفكرة عقد مؤتمر دولي لمناقشة الأزمة والتوصل إلى حل سلمي لها.. وسيكون العرب أقرب لتحقيق قبول دولي بمبادرة السلام العربية.. وتكون إمكانية تفعيل مبادرات سلمية قائمة، مثل خارطة الطريق أقرب تصوراً لبدء العمل بها، وصولاً إلى أهدافها المبتغاة في إقامة دولة فلسطينية متصلة وقابلة في الحياة، كما جاء في مبادرة الرئيس الأمريكي في قمة العقبة، عام 2003.
أما إذا احتفظ البيان الختامي للقاء وزراء الخارجية العربي في القاهرة بالصيغة التقليدية التي اعتادت مثل هذه اللقاءات اختتام اجتماعاتها بها، فإن ما بقي من مصداقية للنظام العربي، على المستوى الإقليمي والدولي - هذا إذا كان بقي له شيء في هذا الشأن - ستشهد نهاية مأساوية لأي اعتبار للنظام العربي الرسمي، يبقى لديه عربياً وإقليمياً ودولياً.
لا أحد يطلب من وزراء الخارجية العرب إعلان التعبئة العامة من أجل مواجهة عنيفة قادمة مع إسرائيل.. ولا أحد يطلب دعوة صريحة ومفتوحة لخيار المقاومة العنيفة للاحتلال من قبل الفلسطينيين.. ولا الدعوة لفتح أقاليم الدول العربية لمعسكرات تدريب المتطوعين.
المطلوب خطاب سياسي متزن يصدر في ختام اجتماع القاهرة من قبل وزراء الخارجية العرب يحمل في طياته امتعاضا عربيا حقيقيا لما يحدث، في لهجة صارمة وصريحة، تُعزز في إجراءات عملية يأخذ بها النظام العربي، لإخراج الأزمة من حالة الركود التي تعتريها.. وفتح آفاق تحول حقيقي في مسار الأزمة، تمهيداً لإيجاد حل سلمي عادل وشامل لها. وهذا يجب أن يبدأ بتطوير موقف سياسي عربي موحد لدعم الفلسطينيين سياسياً.. والعمل، بصورة فورية على اتخاذ إجراءات فعالة لرفع حالة الحصار الاقتصادي المفروضة على الفلسطينيين.. واتخاذ مواقف حاسمة تجاه هذا التشرذم الحاصل بين الفلسطينيين.. والتأكيد على خيار المقاومة، في غياب أي تطور إيجابي دولي لتفعيل مشاريع السلام القائمة والنائمة.
إذا ما حصل ذلك، فإنه يمكن التفاؤل باستعادة العرب لزمام المبادرة لأزمة لها علاقة وثيقة بمصالحهم العليا وأمنهم القومي، سلموا قيادها ـ في الفترة الماضية ـ لفعاليات دولية وإقليمية، الذين ـ بدورهم ـ حولوا مسارها ابتعاداً عن مصالح العرب العليا، وإضراراً بأمنهم القومي.