-A +A
محمد المختار الفال
ستظل مأساة البرماويين وصمة عار في جبين حضارة حقوق الإنسان والمساواة والتسامح التي يتظاهر فنانوها ورموزها في الميادين الكبرى بالعواصم العالمية؛ احتجاجا على صيد أرنب، أو دهس وردة، أو ذبح خروف في عيد الأضحى، ولا تهتز لهم شعرة وهم يرون آلاف البشر يحرقون أحياء، وتدمر أكواخهم على رؤوسهم، ويرمون في البحر، لا لذنب اقترفوه إلا أنهم تمسكوا بدينهم. وسيبقى موقف المملكة من هؤلاء الإخوة شارة نبل يحتفي بها أصحاب الضمائر الحية..
فقد احتضنت هؤلاء الممتحنين في دينهم حين فروا من العذاب قبل أربعين عاما، بقرار تاريخي من الملك فيصل ــ رحمه الله، ووفرت لهم الأمان، وهيأت لهم أسباب الاستقرار والعيش الكريم، على أمل أن يستيقظ ضمير العالم، فيقف ضد ظلمهم ويعيدهم إلى وطنهم، لكن هذا لم يتحقق، وقد تزايدت أعدادهم حتى أصبحوا جالية يقدر عددها بربع مليون إنسان، لهم احتياجاتهم التعليمية والصحية والعملية.

وكانوا ــ مرة أخرى ــ على موعد مع موقف تاريخي، حين اتخذ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ حفظه الله ــ قرارا بتصحيح أوضاعهم، بمبادرة من أمير مكة المكرمة خالد الفيصل، وهو قرار يؤسس لمشروع حضاري يشكل نقلة تاريخية في حياة ومستقبل هذه الجالية. إن هذا القرار لا يقتصر على الأوراق الثبوتية وتجديد الإقامات بدون كفيل، كما يظن البعض، بل هو مشروع يصلح شؤون حياة هؤلاء الناس، ويفتح المجال أمام عشرات المبدعين والمتطلعين للحياة، يدعوهم إلى الاستقرار والتفاعل مع هذا المجتمع السعودي الذي فتح لهم أسباب العيش الكريم..
أمس الأول، شاهدت مع مجموعة من المهتمين بهذا المشروع إقبال شرائح المجتمع السعودي ومؤسساته الخيرية على المساهمة فيه، ورأيت وسمعت ما يؤكد وفاء البرماويين وعزمهم الأكيد على التفاعل مع هذه الخطوة التاريخية بما تستحق.
استمع الحضور إلى فتاة برماوية تنشد شعرا فصيحا ونبطيا يؤكد انصهارها في هذا المجتمع وتشبعها بثقافته.. سمعتها تقسم بأن أهلها يفدون هذا الوطن بأرواحهم. ورأيت فرحة القرار في عيون الرجال والنساء.. إنه مشروع حضاري يليق بهذه الأرض وأهلها الذين أكرمهم المولى بأن يكونوا رعاة لمقدساته.