-A +A
حوار: علي فقندش (مكة المكرمة)

لايغيب اسم أسرة الشيبي عن ذاكرة المسلمين في العالم وسيظل كذلك حتى قيام الساعة فهذه العائلة تحمل شرفا لا يعلوه شرف اختصها الله بحمل مفتاح الكعبة المشرفة حتى يوم القيامة.. أبناء بني شيبة وبني طلحة الذين يطلق عليهم سدنة الكعبة هم الذين أعاد إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة بعد فتح مكة تنفيذا لأمر الله.. وقال لهم الرسول في حديثه الشريف: «خذوها يا بني طلحة بأمانة الله واعملوا فيها بالمعروف.. خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم».. ويتوارثونها الأكبر فالأكبر سنا. كبير سدنة بيت الله الحرام وحامل مفتاح الكعبة المشرفة اليوم هو الشيخ عبدالقادر طه عبدالله الشيبي، واحد من رجالات مكة المكرمة وحامل الكثير من مفاتيحها وأسرارها.. التقيت به في بيته في مكة المكرمة وتحدثنا عن شؤون وشجون الحياة اليومية وبرنامجه الرمضاني مبتدئا بأسباب إقامته الدائمة في جدة فأجابني ضاحكا متسائلا: «إلى ماذا تريد أن تصل، هل تريد أن تعرف أن لي زوجتين إذا ما كان الأمر يتعلق ببيتين؟ دعني أوضح لك الأمر أكثر، فأنا لدي ثلاث زوجات والحمد لله وأسكن في مقرين، بيتي الأول في مكة المكرمة ولدي زوجتي هنا، وفي جدة والحمد لله (عمارتي) وتسكن فيها زوجتاي الأخريين، وبعض أبنائي المتزوجين أيضا».





• طالما أن الحوار بدأ عائليا، دعنا نتعرف عليك وعلى الأبناء؟ وكيف هي حياتك الأسرية؟ وهل هناك برنامج عائلي خاص تشرف عليه؟

ـــــ نعم لدي من الأبناء 6 أولاد أكبرهم باسم جدي عبدالله والثاني باسم والدي طه، ولدي من الإناث 10 بنات، والحمد لله نحن نضع شؤون الأسرة ورعايتها كأولوية خصوصا في الشأن التربوي والتعليمي والارتباط بالدين هو الهم الأول، ثم النجاح في الحياتين الاجتماعية والعملية، إذ لا يجب أن يتهاون الفرد منا بما للاسرتين الكبيرة والصغيرة من وأجبات عليه كذلك لما للوطن عليه من واجبات.

• إلى من يعود نسبة عائلة آل الشيبي؟.

ـــــ جميع حملة مفاتيح الكعبة الموجودين في هذا العصر من أحفاد محمد بن زين العابدين رحمه الله تعالى، وينقسمون إلى أبناء الشيخ عبدالقادر بن علي وهم عائلة عبدالله، وحسن آل الشيبي، وأبناء عبدالرحمن بن عبدالله الشيبي، وأما بالنسبة إلى نسب سدنة الكعبة المشرفة الحاليين فإنه ينتهي إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الذي عاش في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتولت عائلتنا أمر سدانة البيت منذ جدنا قصي بن كلاب الذي عاش قبل البعثة، وتوارثتها سلالته حتى وقتنا الحالي.

• أنت اليوم سادن الكعبة المشرفة وحامل مفتاحها، كيف وصلت إليك هذه المهمة؟.

ـــــ جاءت إلي السدانة بعد آخر سدنتها قبلي عمي عبدالعزيز عبدالله الشيبي رحمه الله الذي كان قد تسلمها من أبي طه عبدالله الشيبي الذي توفي أيضا رحمه الله، حيث تسلمت المفاتيح، وهذا يعني أن الأكبر سنا في أو من العائلة هو المعني بالسدانة وليست العملية وراثية داخل العائلة حيث إن الأكبر سنا من عائلة الشيبي هو من يكون المسؤول عن حمل المفاتيح، ومثال ذلك عندما توفي والدي طه الشيبي حمل ذلك عنه أخوه الأكبر في العائلة (الذي هو عمي) وعند وفاته لم يحمل ابنه المهام لأنني الأكبر سنا وهكذا.

• المفاتيح.. هل هي أكثر من واحد؟.

ـــــ نعم.. هناك ثلاثة مفاتيح، مفتاح باب الكعبة وهو الرئيسي، وهناك مفتاح باب التوبة الذي هو داخل الكعبة المشرفة ويؤدي إلى سطح الكعبة، وهناك مفتاح ثالث وهو مفتاح مقام إبراهيم عليه السلام.

• ومتى تفتحون باب الكعبة، وكم مرة تتكرر هذه العملية في العام الواحد؟.

ـــــ منذ ذلك العهد لا تفتح الكعبة إلا مرتين في العام، وذلك لغسلها في الخامس عشر من شهر الله المحرم، وفي غرة شعبان من كل عام. ويأتيني التعميد رسميا بفتحها ويكون معي من السدنة حيث يقوم بغسلها أمير منطقة مكة المكرمة وحاكمها الإداري. وعادة ما تغسل الكعبة المشرفة بمزيج من ماء زمزم وخلاصة الورد الذي يأتينا من الطائف الشهيرة بعطر ورودها إلى جانب أفخر دهون العود التي تأتينا من أقصى الشرق الآسيوي وأدناه.

• ما الذي تعنيه كلمة «سادن» تحديدا؟.

ـــــ السدانة هي القيام بجميع مستلزمات وأمور الكعبة المعظمة من فتحها وإغلاقها وتنظيفها وغسلها وكسوتها وإصلاح هذه الكسوة إذا تمزقت واستقبال زوارها وكل ما يتعلق بذلك.

• الكثير من أبناء العالم الإسلامي يتطلعون لمعرفة تفاصيل الكعبة من الداخل.. كيف تصفها؟.

ـــــ الكعبة من الداخل تقوم على ثلاثة أعمدة وسقف، ومازالت تحتفظ بنفس المفتاح السابق والقفل الذي كان في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز ــ رحمه الله ــ حينما جرى تغيير باب الكعبة المشرفة ظل القفل والمفتاح كما هما دون تغيير في شكليهما أو تجديد لهما، لا توجد أشياء كثيرة داخل الكعبة المشرفة عدا صندوق خشبي في وسطها يتم وضع هدايا الكعبة مثل دهن العود والورد وأقمشة غسيل الكعبة في داخله كما يوجد بعض الفوانيس الأثرية معلقة في سقفها بالإضافة لسلم حلزوني على يمين الداخل إليها للصعود إلى سطحها، وهي غير مضاءة ولم تصل إليها الكهرباء، ويعلق على جدرانها الداخلية ما يقارب 15 فانوسا قديما، إضافة لذلك فقد كان هناك من يقدم هدايا للكعبة لكي تستخدم للغسيل لكن هذا الأمر توقف في عهد حكومتنا الرشيدة حيث أصبحت عملية إصلاح وترميم الكعبة المشرفة تحظى باهتمام الدولة ولم تعد هناك حاجة لمثل هذه الهدايا.

• هل صحيح أن الكعبة لا تفتح أبوابها إلا بحضور أحد من أفراد أسرة الشيبي؟.

ـــــ نعم الكعبة لا يتم فتحها إلا بوجود أحد أفراد بيت الشيبي بمكة المكرمة.

• وهل لتغيير الكسوة زمان معين؟.

ـــــ تغيير كسوة الكعبة له ميعاد محدد نلتزم به وهو في يوم «عرفة» التاسع من ذي الحجة لأن من يقوم بهذه المهمة هو السادن وأفراد العائلة فقط، وتم اختيار هذا اليوم بالذات لأن المسجد الحرام يكون خاليا من الحجيج المتواجدين حينها في عرفات مما يسهل علينا أداء المهمة بيسر، وكنا نقوم بفتح الكعبة كثيرا لقلة الزحام لما يعادل الشهرين فيدخل إليها الكثير من عامة الناس، وبقي الأمر كذلك حتى عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله الذي حدد مواعيد فتح الكعبة بأوقات غسيلها وتغيير الكسوة، وأصبح لا يدخل أحد إليها إلا عن طريق دعوات توجهها الحكومة لضيوفها وبعض من ضيوف العائلة، ولا يستطيع أي شخص من عائلتي الذهاب للكعبة وقتما يشاء، رغم وجود مفتاحها معنا، فهناك أنظمة لذلك ونحن ملتزمون بها.

• كيف هي مواصفات مفتاح الكعبة؟.

ـــــ المفتاح صنع من الحديد بطول 35 سم وقد تم تغييره عدة مرات.

• وأين تحتفظون بالمفاتيح الثلاثة للكعبة؟.

ـــــ نحتفظ بها في كيس خاص تتم صناعته يدويا في مصنع كسوة الكعبة المشرفة وهو في مكان آمن.

• ما مدى صحة سرقته من قبل؟.

ـــــ الحمد لله لم يسبق لنا أن فقدناه كسدنة مسؤولين عن هذه المهمة الجليلة، ولكن كتب التاريخ تشير إلى محاولة أحد الأشخاص سرقته في أحد العصور الإسلامية ولكن تم العثور عليه.

• بمناسبة الحديث عن كسوة الكعبة المشرفة هل تعد من أملاك السدنة حاليا كما كانت من قبل؟.

ـــــ في العادة كسوة الكعبة المشرفة تسلم للسدنة ولكن منذ فترة طويلة رأت الحكومة أن تدفع لآل الشيبي مبلغا محددا مقابل الكسوة على أن توزع الكسوة إلى قطع على ضيوف الدولة.

• يتساءل الكثيرون عن أسباب غياب التصوير من داخل الكعبة.. ما تعليقك؟.

ـــــ هذا الموضوع مفروغ منه فهناك قدسية واحترام لهيبة الكعبة ولذلك لا يسمح بدخول أجهزة تصوير فوتوغرافية أو تلفزيونية لجوفها.

• بالمناسبة.. هل يدخل مقام إبراهيم في مهام السدانة؟.

ـــــ مقام إبراهيم يدخل في مهنة السدانة فمفتاح المقام وعملية تنظيفه من وظائف السادن، وكان المقام فيما مضى أكبر حجما وكان حوله سياج يشبه سياج الحجرة النبوية.

• ولماذا لا نرى عناصر نسائية تقوم بغسل الكعبة من بنات أسرة الشيبي؟.

ـــــ السدانة مخصصة لذكور العائلة فقط، ويتم تثقيف الفتيات حول الإرث التاريخي الذي تحمله العائلة، ولكن هناك أدوار أخرى تقوم بها نساء عائلة السدنة من خلال تطويف ومرافقة الضيفات من زوجات وبنات مرافقات لضيوف الدولة.

• هل يعني هذا أن دخول النساء لجوف الكعبة من الممنوعات؟.

ـــــ لم يفت أحد بهذا الأمر، ويحق لكل مسلم ومسلمة دخول الكعبة، ودخول المرأة عامة متاح، لكنه مختصر نوعا ما.

• دعنا نتطفل إلى برنامجك الرمضاني في الإفطار والسحور.. كيف هو؟ وهل تسافر إلى خارج المملكة في رمضان؟.

ـــــ لا.. دائما في رمضان أكون في بلدي وقريبا من الأجواء الإيمانية التي لا يمكن أن أجد مثيلا لها في رمضان المبارك، وبالنسبة للإفطار فهو المعتاد لدى الأسرة السعودية، إفطار خفيف بعد الصلاة مثل الشوربة والسمبوسك والفول وبعد المأكولات الخفيفة إذا تواجدت في السفرة. أما في السحور فغالبا ما يكون ثقيلا ويعتمد على أنواع الأرزاز وطبخات الأرز المعروفة في مكة المكرمة وجدة مثل البخاري والبرياني والكبسة وغير ذلك مثل السليق والعربي. وغير ذلك.

• هل أنت بعيد أو بمنأى عن أمسيات كبار رجالات مكة المكرمة، سؤالي يأتي بعد ملاحظة أن اسمكم لا يرد كثيرا في النشاطات الاجتماعية هنا وهناك وفي وسائل الإعلام؟.

ـــــ لا أبدا، أنا موجود وكل رجال آل الشيبي في كل المناسبات، ولكن الفرق أن هذه الاجتماعات والتفاعلات برمتها لم تعد كما كانت بالأمس إذ قليلا ما أصبحت هذه الاجتماعات تطفو في السطح ولم يتبق منها إلا ملتقيات الشيخ عبدالرحمن فقيه وخميسية يكون فيها وكبيرها أستاذنا وشاعرنا الكبير إبراهيم خفاجي، كذلك مصطفى فؤاد علي رضا وآل الحجازي وفنان مكة المكرمة الكبير جميل محمود وهكذا، على عكس ما كانت هذه الأمسيات تملأ المكان والزمان في سابق الأيام. لاسيما في ليالي وأمسيات هذا الشهر الكريم التي كانت ذات نكهة تراثية مرتبطة بالدين والإبداع والثقافة وكل ما يمكن أن يحسب كإضافة في حياتنا الاجتماعية، ربما تكون أسباب هذا الخفوت في الضوء في هذه الأمسيات الرمضانية هو انشغال الناس اليوم أكثر بالحياة الاقتصادية التي هيمنت على كل شيء.

• هل تلتقي بضيوف وزوار الحرم المكي من الشخصيات الرسمية؟.

ـــــ لا.. الذي يأتيني مجموعات كبيرة من المحبين الذين يعرفون آل الشيبي وسدانتهم للكعبة المشرفة، ويزوروننا هنا في منزلنا المكي وغالبا ما يطلبون منا بعض جزئيات من كسوة الكعبة التي تكون قد تغيرت بجديد، ونستقبلهم هنا أنا والسيدة زوجتي التي تحتفي بالنساء ونضيف إلى ذلك أن نقدم لهم القطعة مع إهداء المصحف الشريف، واليوم قبل زيارتكم لنا كان وفد كبير من المعتمرين في زيارتنا.

• قبل أن أختم حديثي معك، أحببت أن أصل إلى حقيقة أوقاف الأسرة التي ينفيها البعض ويؤكدها البعض الآخر بحكم نظارتكم لسدانة الكعبة.. ما قولكم؟.

ـــــ بطبيعة الحال، فإن منصب النظارة في أوقاف عائلتنا هو للسادن بحسب شرط الواقف، فالأكبر سنا في عائلتنا يجمع بين المنصبين، لكن المسؤول عن النظارة حاليا هو عثمان طلحة الشيبي حفيد الجد الكبير محمد الشيبي وذلك لتمرسه في إدارة شؤون الوقف منذ مدة طويلة عندما كان والده سادنا للكعبة. ولا تتدخل أي جهة في شؤون الوقف وإدارته، فهي شأن عائلي.

• وماذا يحدث في حالة وفاة الناظر، هل تورث لأولاده أم يتولاها كبير العائلة؟.

ـــــ في حالات كبر سن السادن أو مرضه يجتمع رجال العائلة لاختيار بديل يقوم بمهامه في نظارة الوقف نيابة عنه.

• وما هو أشهر أوقافكم؟.

ـــــ وقف الأغوات الذي أوقفه أحد أجدادي، وكان عبارة عن عدة أراض في السوق الصغير، وأزيلت مع توسعة الحرم وحصل الأغوات على تعويضات كبيرة عنها.