من بين طرقات قلعة القطيف وأصوات مدافع الإفطار تسرح الدكتورة نهاد الجشي عضو مجلس الشورى واستشارية أمراض الأطفال وحديثي الولادة بمستشفى الولادة والأطفال بالدمام، بخيالها وتسترجع رمضان زمان في كنف والدها الذي تعرفت من خلاله على شعر الشاعر محمد الجشي، كما تعود بذاكرتها إلى الوراء لتتذكر والدتها التي علمتها الحضور الاجتماعي والتنمية الاجتماعية، ليس هذا فقط بل ذاكرة نهاد لازالت تحتفظ بطقوس ليلة منتصف رمضان والمعروفة بـ«القرقيعان» أو «الكريكوشون» حيث يحتفل الأطفال بتجميع حبات «الحمص» والزبيب، ولا تنسى الجشي صوت المسحراتي المفعم بالشجن بطبلته وأدعيته توديعا لرمضان.
والدكتورة نهاد الجشي، إلى جانب كونها من الكفاءات العلمية والفكرية في منطقة القطيف، فهي ابنة الشاعر الكبير محمد سعيد الجشي (رحمه الله) وابنة اخت الشاعر والأديب الكبير عبدالله الجشي (أبو قطيف)، وبالرغم من خوضها المجالات العلمية والفكرية، فإنها تخوض كذلك غمار النشاط الاجتماعي بمشاركتها الكبيرة في جمعية القطيف الخيرية، كما تتمتع بالكثير من العضويات النسائية والأسرية ومشاركة فاعلة في الحوار الوطني كممثل للمنطقة، فضلا عن مشاركتها في الكثير من الندوات والملتقيات والمنتديات الفكرية والثقافية.
«عكاظ» غاصت في حوار خاص داخل وجدان الدكتورة الجشي لتتحدث عن طفولتها، وما علق من ذاكرتها من الطقوس الرمضانية في منطقة القطيف، وعاداتها التي تحافظ على ممارستها في الشهر الفضيل، والأطباق التي تحرص على إيجادها في السفرة الرمضانية.. وهذا نصه:
• كيف كانت طفولة الدكتورة نهاد، ومن الشخصيات الداعمة لها؟.
•• بدأ اهتمامي بالعمل المجتمعي منذ سن الحادية عشرة أنا ومجموعة من رفيقاتي بالمدرسة الابتدائية، حيث تربينا على حب العلم والخدمة المجتمعية ولأن والدي وخالي وجدي شعراء وأدباء غرسوا داخلي حب الوطن والانتماء الوطني وبما أنني جزء من النسيج المجتمعي في الوطن، كان لا بد أن أنخرط في العمل الاجتماعي، ومن هنا فقد خدمت في مركز الخدمة الاجتماعية التابعة لوزارة العمل والاجتماعية منذ سن الحادية عشرة بتقديم دروس تقوية لبقية الطالبات، وكنت أعلم الصفوف الدنيا مادة الرياضيات لأنني كنت أبدع فيها، وبعد تنامى الخدمة شيئا دعينا أنا وزميلاتي بتكوين لجنة نسائية باستماتة حتى وافقت الوزارة واخترت أنا رئيسة فرع التنمية الإنسانية، وكانت مهمة اللجنة تنمية المرأة والمهارات النسائية وتنمية الجوانب الاجتماعية كالتراث وصفوف تدريس للخياطة والعمل اليدوي.
وبعد انشغالي بدراسة الطب الطويلة عدت لأخدم منطقتي والعودة للأعمال المجتمعية، ولازلت أعمل في جمعية العطاء لخدمة الأطفال المعوقين ومسؤولة عن فعاليات البيت القطيفي.
• حديثنا عن أول يوم صيام في حياة الدكتورة نهاد وكم كان عمرك وقتها؟.
•• في العادة نعد للصيام من سن السابعة بشكل جزئي ومتدرج والكل يريد إثبات مقدرته مبكرا، وهذا الأمر كان يشكل تحديا ونوعا من إثبات الذات والتفوق، بالنسبة لي صمت رمضان بأكمله في سن الثامنة.
• ما أجمل رسالة وصلتك للتهنئة برمضان، وممن كانت وبأي وسيلة كانت؟.
•• كافة التهاني جميلة ولا يهم الوسيلة، وأجملها المفاجئة والتي تأتي من شخصية كانت غائبة عن المشهد لمدة طويلة وخاصة من صديقات الطفولة وزميلات الجامعة.
• هل تختلف بيئة رمضان في القطيف عن غيرها من مناطق المملكة من حيث العادات والتقاليد؟.
•• لشهر الصيام خصوصية اجتماعية، حيث تجتمع الجارات بعد صلاة الظهر لقراءة القرآن الكريم يوميا وترديد الأدعية بشكل جماعي في أحد البيوت وكانت هذه من عادات الوالدة (رحمها الله).
• هل اختلفت يوميات رمضان في وقتنا الحالي عن رمضان زمان؟.
•• اختلفت الصورة كثيرا، تختلف ومن العادات الجميلة التي غابت مع الزمن وتغير طبيعة الحياة، وإن كان بعضها لازال ممارسا شكليا بمظاهر مختلفة ربما أفقده الكثير من المضامين البريئة، ومن هذه العادات احتفالية ليلة النصف من رمضان المعروفة من قبل المجتمع الخليجي ككل، ما يسمى بـ«القرقيعان» أو الـ«كريكشون» فهو يوم طفولي بامتياز يجوب فيه الأطفال الحارات القريبة بملابسهم المميزة حاملين أكياسهم القماشية يطرقون الأبواب مرددين أهازيج خاصة تنتهي بالدعاء لأطفال البيت (ناصفه حلاوة كريكشون حلو الكيس واعطون واعطونا، الله يسلم وليداتكم سالمين غانمين) فيتلقون الحلوى والمكسرات من أصحاب البيت حيث يشكرونهم قائلين عطونا نخج (أي حمص) وزبيب عساكم تزوروا الحبيب ويتنافس فيه الأطفال على من يجمع أكثر من الآخر.
وأيضا اليوم الأخير من شعبان ويسمى محليا يوم القرش وتطلق فيه السوق الرمضانية اليومية في ساحة وسط حي القلعة بالقطيف تسمى «البراحة» يفد إليها الرجال والنساء من الضواحي بمنتجات الأرض الطازجة من الخضار والفاكهة الموسمية والحليب والبيض الطازج بعد العصر، فيشتري منه الناس احتياجاتهم ويلتقي فيه الأطفال والشباب وينتهي بانتهاء الشهر الفضيل.
ومن ذكريات الطفولة صوت مدفع الإفطار والذي لازلت أتذكر دويه حتى الآن، وهي عادة من الزمن العثماني استمرت زمنا ثم غابت، كذلك صوت المسحراتي بطبلته وأدعيته في وداع رمضان المفعمة بالشجن.
وفي سن الشباب المبكر كان رمضان بالنسبة لي هو شهر التاريخ تقتصر فيه قرأتي على القرآن الكريم والكثير من كتب التاريخ القديم والحديث وأهجر القراءات الأخرى كالشعر والرواية.
• هل تلبين الدعوات على الفطور أم تفضلين الأسرة والعائلة؟.
•• أحرص خلال شهر رمضان على الإفطار في منزلي وتأجيل دعوات الإفطار خارج البيت قدر الإمكان، حتى أتحكم في الوقت وأمارس عاداتي بارتياح، ونفس الوقت أحاول متابعة بعض المسلسلات الجيدة إذا سمح وقتي بذلك.
• كيف هي علاقتك بالمطبخ.. وما الأطباق الرمضانية التي تحرصين على توفرها بسفرتك؟.
•• علاقتي بالطبخ ليست ودية تماما، أدخله عند الضرورة لكنه لا يتعارض مع شغفي المعرفي بكيفية تحضير الأطباق التقليدية وإتقانها خصوصا الأطباق الرمضانية كالهريس والثريد وهو الطبق اليومي للمائدة الرمضانية إضافة للكباب والحلويات كالخبيصة والساقو والمهلبية.
• ما جدولك الرمضاني وكيف ترتبين أعمالك؟.
•• قصر ساعات العمل وتأخر بدء الدوام في رمضان يكثفان الجهد للإنجاز خصوصا بالنسبة للمرضى المنومين في المستشفى، وعلى الرغم من تقلص عدد مرضى العيادات في الشهر الكريم إلا أن وتيرة العمل تصبح أبطأ، وأتمنى أن يكون دوام العمل بالمستشفيات أبكر لإنجاز احتياجات المرضى بوتيرة أسرع وإعطاء الموظفات وقتا كافيا للعودة وإنجاز مهام البيت.
كما أنني أخصص وقتي المسائي لأعمالي الاجتماعية وخاصة فيما يتعلق برتيبات البيت القطيفي والذي يعنى بإعادة موروثات وعادات أهل المنطقة.
• من الشخص الذي غاب عنك وتتذكرينه في الشهر الفضيل؟.
•• أكثر ما أفتقده هو الوالد الشاعر الكبير محمد الجشي والذي توفي (رحمه الله) في الثلث الثاني من رمضان وكان له تأثير كبير في حبنا للشعر والأدب وحفاظنا على الموروث القطيفي.
• هناك من يرى أن عضوات مجلس الشورى بعيدات عن قضايا المرأة.. ما تعليقك؟.
•• أعتقد بأن هناك استعجالا في الحكم على تجربة المرأة في مجلس الشورى خاصة أن تجربة المرأة لا تتعدى الخمسة أشهر، وهنالك أنظمه وقواعد عمل يقتضي اتباعها وقضايا تناقش حسب جدول زمني، والعضوات معنيات بكل قضايا الوطن وشؤون المرأة من ضمنها. حقيقة هنالك أوضاع تمس المرأة بشكل مباشر والعضوات يدرسن الملفات بموضوعية وأعتقد أن الأيام القادمة ستبرهن على فاعلية وجود المرأة فهي تمثل المواطنة وأدرى بمشكلاتها وحلولها.
• هل تسعين إلى إيصال صوت منطقتك إلى منصة مجلس الشورى؟.
•• الوطن يزخر بالقدرات النسائية وهنالك الكثيرات ممن تبنين القضايا الإنسانية مبكرا وعملن عليها من خلال الانضمام للجمعيات الخيرية المتاحة وهو ما شكل البدايات للاهتمام بالشأن الاجتماعي بالنسبة لي ومنها كانت الانطلاقة.