أعادني الروائي والكاتب الكبير عبده خال ــ إلى أيام خلت ــ عند اطلاعي على الحوار الصحافي الذي أجراه معه محمد صبح في العدد 17127 من جريدة عكاظ ليوم الخميس 18 يوليو 2013م، وأنا أقرأ الحوار تذكرت سفري للقاهرة أثناء قصف الطيران لبغداد في حرب الخليج 1991م، تأخر إقلاع الطائرة من مطار الرياض لأكثر من أربع ساعات، وعند وصولنا إلى مطار القاهرة عند منتصف الليل وجدنا الكل في حالة اضطراب وارتباك فعلمنا منهم أن البث التلفزيوني قد أعيد ــ إذ كان المعتاد أن ينتهي قبيل منتصف الليل ــ وذلك بسبب بداية القوات الأجنبية بقيادة أمريكا بالهجوم الجوي على العراق.
وكان معرض الكتاب الدولي بالقاهرة قد افتتح قبل أيام، وقد جئت بمناسبته بدعوة كريمة من الصديق أحمد الفلاحي الملحق الثقافي العماني بالقاهرة ــ آنذاك ــ فصادفت الأخ عبدالسلام الوائل في ندوة بالمعرض تناقش كتاب (نكون أو لا نكون) لفرج فودة، شارك فيها الشيخ خليل عبدالكريم ــ رحمه الله ــ والاستاذ محمد عمارة وصاحب الكتاب وقد أعجبنا برأي ومنطق الشيخ خليل مما جعلنا نبحث عن عنوانه لزيارته إذ لم نتمكن من الالتقاء به بعد الندوة.
بعد لقاء قصير بالشيخ خليل في منزله استقللنا سيارة أجرة وبعد أن توسطنا فوق جسر طويل ــ أعتقد أنه في الجيزة ــ سأل الصديق عبدالسلام السائق عن عنوان دكتور في حي (الكيت كات) فأشار السائق إلى سلم طويل يفضي إلى الحارة الشعبية المقصودة فنصحنا أن ننزل هنا لأنه الأقرب، وفعلا تخللنا أزقة الحارة حتى اهتدينا إلى العنوان وإذا هو مقر (مركز الحضارة العربية للإعلام والنشر) فوجدنا ثلاثة شباب يتابعون إذاعتي لندن ومونت كارلو وهي تنقل أخبار إطلاق صواريخ (اسكود) من بغداد والموجهة إلى العدو الصهيوني في الأرض المحتلة، وكان الحماس والفرح يبدو على الجميع، وفي هذه الأثناء دخل شاب وديع لطيف مهذب فسلم والكل منشغل عنه بمتابعة ما يذاع. هدأ الحماس فتعرفنا بالشاب وإذا هو زياد بن أحمد بهاء الدين كان وقتها طالبا بالثانوية فسألناه عن صحة والده الذي كان في حالة غيبوبة أفقدته الوعي منذ مدة ــ رحمه الله ــ منذ عودته من الكويت ــ إذ كان رئيسا لتحرير مجلة العربي ــ فطمأننا .. ومرت سنوات حتى ثورة 30 يونيه حيث ظهر اسم زياد بهاء الدين مرشحا لرئاسة وزراء مصر .. أعود إلى مركز الحضارة وما بعد تناول الشاي وإهدائنا بعض مطبوعات المركز ومنها المجموعة القصصية الأولى للصديق عبده خال (لا أحد) إذ كنت على معرفة أولية بصاحب المجموعة، ومن هنا بدأ اسم عبده يحتل مكانا بارزا في الساحة الثقافية، إذ كان للتو قد أنهى دراسته في جامعة الملك عبدالعزيز وعين مدرسا في مدرسة ابتدائية بشمال المملكة (عرعر ).
اعتدت بعد هذه الزيارة على تكرارها لأرض الكنانة وأصبح معرض الكتاب الدولي موعدا سنويا منذ ذلك الوقت وحتى الآن.
وأذكر أنني في إحدى الزيارات وأعتقد أنها في حدود عام 1994م قرأت في مجلة (روز اليوسف) مقالا للكاتب والروائي المصري الراحل فتحي غانم يذكر شيئا من انطباعاته إثر عودته من الرياض بعد حضور المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) ومن ضمن ما كتبه : إنهم قدموا له شابا نحيلا أسمر إسمه عبده خال بأنه أفضل روائي وكاتب قصة في المملكة وقال عنه كلاما جميلا لا أذكر تفاصيله. وبعد عودتي للمملكة ومقابلتي لعبده خال ذكرت له ما قرأت .. فأكد لقاءه بفتحي غانم إلا أنه لم يطلع على ما كتبه فرجاني البحث عن المجلة والتي لم أجدها حتى الآن.
وهكذا استمرت علاقتي بالأستاذ عبده والذي شارك معنا ضمن وفد لشباب دول الخليج العربي للشعر والقصة بسلطنة عمان مع الشاعر عبدالمحسن يوسف وآخرين.
أعود إلى نقطة واحدة من الحوار وهي علاقته بشخوصه الروائية ومنها :
(من المهم التأكيد على أن الإنسان كائن غير محايد ... كما أن شخصيات الفن الكتابي لديها القدرة على اختطاف الكاتب داخل العمل وهو يكتب لقوة حجتها، والمتلقي قد يفسر ذلك تعاطفا من جانب الكاتب مع الشخصيات، والحقيقة أنه ليس تعاطفا وإنما سيطرة للشخصيات على الكاتب.. لذلك أردد في أوقات كثيرة بأن على الروائي أن يكون ديكتاتوريا حيال شخصياته، لأن الدكتاتورية أثناء الكتابة تمكن الـروائي من السيطرة على هذه الشخوص، وإذا لم يكن الروائي ديكتاتوريا فستتحكم فيه الشخوص وتحوله إلى مايسترو وشخص يعزف بمفرده ...).
وقال: ( ... وفي أوقات كثيرة قد تقف شخصية ضد قناعاتك وتدفعك إلى تثبيت قناعاتك أو مراجعتها ... ).
وقال : ( ... نعم أستغل شخصيات الرواية في تمريـر الأفكار التي أؤمن بها لأنني لست محايدا ). وهذا يذكرني بما سبق أن قرأته قبل سنوات على حياة الروائي الكبير عبدالرحمن منيف ــ رحمه الله ــ في حوار له مماثل مع نعمة خالد في مجلة (الجديد) 1996م، إذ قال : ( ... أما حول شخصيات رواياتي فإني أرى بعضهم في المنام، ولا أمل من الحديث معهم، ولسنا دائما على وفاق، إذ كثيرا ما يتمرد (الأبطال) ويشقون عصا الطاعة، ثم يستعلون، وتكون لهم أيضا حياتهم الخاصة، وصدف أكثر من مرة أن مد بعض (الأبطال) ألسنتهم هزءا بعد أن اختاروا طريقهم الخاص وحددوا مصائرهم بأنفسهم...). وقال في مقابلة أخرى مع ماهر جرار (عبدالرحمن منيف والعراق). ( إنه يعتبر كتابة الرواية عملية شاقة، ولولا ما فيها من المتعة لهجرها جميع الروائيين، ويشبهها بالحب الذي يعاني فيه الإنسان أحيانا، غير أنه يولد شعورا بالغبطة الداخلية، فيه الكثير من التعويض، ويـرى تعويضه في استجابة القارئ )..
تحية وتقديـر وإعجاب بأبي (وشل) والذي ختم حديثه بما اتفق معه عليه وهو هجر مواقع التواصل الاجتماعي ــ ولو إلى حين ــ وإذا كان ولابد فلا يجب أن يطول أكثر من نصف ساعة كل يوم أو يومين ... وأنا أقول إن هذا الوباء المستشري قد انتشر بين الجميع في المنزل والشارع والمكتب وحتى أثناء قيادة السيارة مما عرض الكثير للحوادث المميتة وقسم أفراد الأسرة والأصدقاء وحرمهم من متعة الحديث عند الزيارات بسبب إدمان الكل على متابعة أمور قد لا تهم.
Abo-yarob.kashami@hotmail.com
وكان معرض الكتاب الدولي بالقاهرة قد افتتح قبل أيام، وقد جئت بمناسبته بدعوة كريمة من الصديق أحمد الفلاحي الملحق الثقافي العماني بالقاهرة ــ آنذاك ــ فصادفت الأخ عبدالسلام الوائل في ندوة بالمعرض تناقش كتاب (نكون أو لا نكون) لفرج فودة، شارك فيها الشيخ خليل عبدالكريم ــ رحمه الله ــ والاستاذ محمد عمارة وصاحب الكتاب وقد أعجبنا برأي ومنطق الشيخ خليل مما جعلنا نبحث عن عنوانه لزيارته إذ لم نتمكن من الالتقاء به بعد الندوة.
بعد لقاء قصير بالشيخ خليل في منزله استقللنا سيارة أجرة وبعد أن توسطنا فوق جسر طويل ــ أعتقد أنه في الجيزة ــ سأل الصديق عبدالسلام السائق عن عنوان دكتور في حي (الكيت كات) فأشار السائق إلى سلم طويل يفضي إلى الحارة الشعبية المقصودة فنصحنا أن ننزل هنا لأنه الأقرب، وفعلا تخللنا أزقة الحارة حتى اهتدينا إلى العنوان وإذا هو مقر (مركز الحضارة العربية للإعلام والنشر) فوجدنا ثلاثة شباب يتابعون إذاعتي لندن ومونت كارلو وهي تنقل أخبار إطلاق صواريخ (اسكود) من بغداد والموجهة إلى العدو الصهيوني في الأرض المحتلة، وكان الحماس والفرح يبدو على الجميع، وفي هذه الأثناء دخل شاب وديع لطيف مهذب فسلم والكل منشغل عنه بمتابعة ما يذاع. هدأ الحماس فتعرفنا بالشاب وإذا هو زياد بن أحمد بهاء الدين كان وقتها طالبا بالثانوية فسألناه عن صحة والده الذي كان في حالة غيبوبة أفقدته الوعي منذ مدة ــ رحمه الله ــ منذ عودته من الكويت ــ إذ كان رئيسا لتحرير مجلة العربي ــ فطمأننا .. ومرت سنوات حتى ثورة 30 يونيه حيث ظهر اسم زياد بهاء الدين مرشحا لرئاسة وزراء مصر .. أعود إلى مركز الحضارة وما بعد تناول الشاي وإهدائنا بعض مطبوعات المركز ومنها المجموعة القصصية الأولى للصديق عبده خال (لا أحد) إذ كنت على معرفة أولية بصاحب المجموعة، ومن هنا بدأ اسم عبده يحتل مكانا بارزا في الساحة الثقافية، إذ كان للتو قد أنهى دراسته في جامعة الملك عبدالعزيز وعين مدرسا في مدرسة ابتدائية بشمال المملكة (عرعر ).
اعتدت بعد هذه الزيارة على تكرارها لأرض الكنانة وأصبح معرض الكتاب الدولي موعدا سنويا منذ ذلك الوقت وحتى الآن.
وأذكر أنني في إحدى الزيارات وأعتقد أنها في حدود عام 1994م قرأت في مجلة (روز اليوسف) مقالا للكاتب والروائي المصري الراحل فتحي غانم يذكر شيئا من انطباعاته إثر عودته من الرياض بعد حضور المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) ومن ضمن ما كتبه : إنهم قدموا له شابا نحيلا أسمر إسمه عبده خال بأنه أفضل روائي وكاتب قصة في المملكة وقال عنه كلاما جميلا لا أذكر تفاصيله. وبعد عودتي للمملكة ومقابلتي لعبده خال ذكرت له ما قرأت .. فأكد لقاءه بفتحي غانم إلا أنه لم يطلع على ما كتبه فرجاني البحث عن المجلة والتي لم أجدها حتى الآن.
وهكذا استمرت علاقتي بالأستاذ عبده والذي شارك معنا ضمن وفد لشباب دول الخليج العربي للشعر والقصة بسلطنة عمان مع الشاعر عبدالمحسن يوسف وآخرين.
أعود إلى نقطة واحدة من الحوار وهي علاقته بشخوصه الروائية ومنها :
(من المهم التأكيد على أن الإنسان كائن غير محايد ... كما أن شخصيات الفن الكتابي لديها القدرة على اختطاف الكاتب داخل العمل وهو يكتب لقوة حجتها، والمتلقي قد يفسر ذلك تعاطفا من جانب الكاتب مع الشخصيات، والحقيقة أنه ليس تعاطفا وإنما سيطرة للشخصيات على الكاتب.. لذلك أردد في أوقات كثيرة بأن على الروائي أن يكون ديكتاتوريا حيال شخصياته، لأن الدكتاتورية أثناء الكتابة تمكن الـروائي من السيطرة على هذه الشخوص، وإذا لم يكن الروائي ديكتاتوريا فستتحكم فيه الشخوص وتحوله إلى مايسترو وشخص يعزف بمفرده ...).
وقال: ( ... وفي أوقات كثيرة قد تقف شخصية ضد قناعاتك وتدفعك إلى تثبيت قناعاتك أو مراجعتها ... ).
وقال : ( ... نعم أستغل شخصيات الرواية في تمريـر الأفكار التي أؤمن بها لأنني لست محايدا ). وهذا يذكرني بما سبق أن قرأته قبل سنوات على حياة الروائي الكبير عبدالرحمن منيف ــ رحمه الله ــ في حوار له مماثل مع نعمة خالد في مجلة (الجديد) 1996م، إذ قال : ( ... أما حول شخصيات رواياتي فإني أرى بعضهم في المنام، ولا أمل من الحديث معهم، ولسنا دائما على وفاق، إذ كثيرا ما يتمرد (الأبطال) ويشقون عصا الطاعة، ثم يستعلون، وتكون لهم أيضا حياتهم الخاصة، وصدف أكثر من مرة أن مد بعض (الأبطال) ألسنتهم هزءا بعد أن اختاروا طريقهم الخاص وحددوا مصائرهم بأنفسهم...). وقال في مقابلة أخرى مع ماهر جرار (عبدالرحمن منيف والعراق). ( إنه يعتبر كتابة الرواية عملية شاقة، ولولا ما فيها من المتعة لهجرها جميع الروائيين، ويشبهها بالحب الذي يعاني فيه الإنسان أحيانا، غير أنه يولد شعورا بالغبطة الداخلية، فيه الكثير من التعويض، ويـرى تعويضه في استجابة القارئ )..
تحية وتقديـر وإعجاب بأبي (وشل) والذي ختم حديثه بما اتفق معه عليه وهو هجر مواقع التواصل الاجتماعي ــ ولو إلى حين ــ وإذا كان ولابد فلا يجب أن يطول أكثر من نصف ساعة كل يوم أو يومين ... وأنا أقول إن هذا الوباء المستشري قد انتشر بين الجميع في المنزل والشارع والمكتب وحتى أثناء قيادة السيارة مما عرض الكثير للحوادث المميتة وقسم أفراد الأسرة والأصدقاء وحرمهم من متعة الحديث عند الزيارات بسبب إدمان الكل على متابعة أمور قد لا تهم.
Abo-yarob.kashami@hotmail.com