-A +A
عزيزة المانع
عرفت اللواء عبدالقادر كمال أول ما عرفته من خلال مقالاته التي كان ينشرها في «عكاظ» في منتصف التسعينات من القرن الماضي، كان يشدني إليه أسلوبه الجميل وبعض الحكايات المحملة بالبساطة والطرافة التي يرويها أحيانا عن قريته، ولم أكن أعرف آنذاك أنه شاعر يغزل الألفاظ أنغاما وألحانا إلى أن التقيت به في تريم فسمعت منه شعرا عذبا، ولكن قبل ذلك رأيت فيه شخصا ودودا لطيفا بالغ التواضع، يمحو بدماثة خلقه وفرط تهذيبه ما يرسمه الخيال غالبا من صور الخشونة والقسوة والتعالي لمن يسبق اسمه لقب لواء.
لعله من الصعب أن نتخيل أن يكون العسكري شاعرا، فالشعر في أذهان الناس نوع من الترف يرتبط بالنعومة والخيال والرقة، وهو ما لا يتوقع توفره عند من كانت حياته معجونة بالصلابة والقوة وخشونة العيش، لذا كان مفاجئا لي أن تجتمع العسكرية ورقة الشعر عند اللواء عبدالقادر كمال.
(رحيل الشموس) هو عنوان ديوان جديد صدر له، وهو أول ديوان يصدره، لكن هذا لا يعني أنه جديد على الشعر، وإنما هو فرط التواضع الذي يجعله ينأى عن تسويق شعره وكثيرا ما كان يحول بينه وبين نشر ما يكتب رغم إلحاح المقربين منه وحثهم له على إخراج شعره إلى النور.
للشاعر روح ملؤها الظرف، وقد انطبع ذلك في بعض قصائده، مثل قصيدته (حسناء الفيصلية) يتحدث فيها عن فتاة جميلة دخلت سوق الفيصلية المعروف في مدينة الرياض فسباه جمالها:
دلفت لسوق الفيصلية حسناء فاتنة بهية
فتوهج الشوق الجميل وعلقت مهج حفية
رحماك يا بنت الكرام وما سألناك الدنية
فترفقي لا تقتلي رواد سوق الفيصلية.
بعد نشر هذه القصيدة أظن أرباح سوق الفيصلية ستتزايد كما تزايدت أرباح بائع الخمر السوداء إثر التغزل بالمليحة ذات الخمار الأسود.
وفي قصيدة (أشكو إلى الله) يتغزل بفتاة جميلة رآها في المطاف:
جاءت إلى الكعبة تبغي الرضا
من خالــق بــر عظيم حليم
رنــت بـعينـها فـطـــاح الفتــى
في لجة البحر وموج عظيم
يــا ربــة الـحسن ومــن مثلـكـم
يـفتـر عن ثلــج ودر نظيــم
خــافــي مـــن الله ولا تفتنــي
عبــاده عنــد المقــام الكريم.
لعل صاحبة شاعرنا هذه تمت بنسب لتلك المرأة التي قابلها أبو الحازم المدائني (من عباد الحجاز) فلما رآها تطوف بالبيت سافرة عن وجه بديع الحسن قال لها: اتقي الله، لقد شغلت الناس عن الطواف، فقالت: أما عرفتني ؟ قال: من أنت؟ قالت:
من اللائي لم يحججن يبغين حسبة
ولكن ليقتلن البريء المغفلا
فقال: أسأل الله أن لا يعذب هذا الوجه الحسن بالنار، ويقال إنه لما بلغ ذلك الخبر سعيد بن المسيب قال: «أما لو كان من عباد العراق لقال: أغربي يا عدوة الله، ولكنه ظرف عباد أهل الحجاز». وها هو شاعرنا اليوم يكرر ظرف عباد أهل الحجاز بعد قرون طويلة من تلك الحادثة !!
فاكس 4555382-11

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة