-A +A
رؤى صبري
كل عام تعاد ذات الحكاية بتفاصيل تكاد لا تتغير تميزها ازدحام الشوارع وتدافع الناس في أواخر الشهر الكريم أمام الأسواق وبالذات محلات الشوكولاته، حيث يبدأ الناس بالاستعداد للعيد بتحضير الحلويات بأشكالها المختلفة من أجل تقديمها للضيوف، والواقع أنه تقليد قائم طيلة أيام السنة حين يحضر أي زائر للمنزل، بينما تشتد التحضيرات في أجواء عيد الفطر بالذات.
وبالطبع، كل هذه التقاليد نابعة من العادات والتقاليد العربية، والتي تعرف بالكرم، لكنها لم تعرف قط بالتبذير، أو الإسراف، لكننا إذا نظرنا إلى أسعار الشوكولاتة في العيد نجد أن المبالغة فيها تبلغ حد الخيال، خصوصا لدى المحلات ذات السمعة، حيث وصل سعر أحد أطباق الشوكولاته الجاهزة في جدة إلى 9 آلاف ريال، وآخر 13 ألف ريال، والحقيقة أنني حين قرأت السعر شككت في قدراتي الحسابية واحتجت إلى من يؤكد لي الأرقام المؤهلة، فلوهلة ظننت أني في محل مجوهرات!

والأسوأ من الأسعار هو ازدحام الناس في المحل لحد قريب من التكدس، والأمر المؤكد هو أن الكل حريص على أن يشتري اسم المحل، وليس الشوكولاته ــ بحد ذاتها، فكل من في المحل يريد أن يتفاخر أنه حصل على شيء من ذاك المكان، وأن يتباهى بقدرته على دفع مبالغ ضخمة في إكرام زائريه أيام العيد، ورفع مكانته الاجتماعية أمامهم، متناسين أن المكانة لا تتأتى بمثل هذه الأفعال.
أما الشيء المؤلم هو أن الآخرين يشجعون أمثال هؤلاء على ذلك، لأنهم كلما ورد اسم ماركة الشكولاتة تبدأ الهمزات واللمزات التي ترافقها نظرات الحسد والغيظ، والغريب أن الكل نسي أن الشوكولاتة في أوقات كثيرة لا تكون حسنة المذاق، لكنه ــ وللأسف ــ ضيق الأفق.
وكل ذلك بالطبع عائد إلى أن الكل نسي أو تناسى الأصول التي يتمحور حولها العيد، وهذا ــ للأسف ــ حصل منذ وقت بعيد ولم يكن وليد الساعة، حيث أصبح التفكير في المظاهر والملابس والكماليات هوس يسيطر على العقول، إذ نجد من يصرون على تغيير أثاث المنزل بأكمله في العيد، وآخرين يغيرون السيارة، وكلما وجدوا فرصة لتغيير شيء غيروه قبل العيد، ولذلك يرحل شهر رمضان سريعا؛ لأنه لا يكفي لكل التغييرات التي يأملها الناس، فالواقع أنها تحتاج لسنة على الأقل!
قد لا يكون ما ذكرته جديدا، لكنه واقع بشع يتفاقم سنة وراء أخرى، ولا يزال الناس يغرقون في براثن السطحية دون أن يعوا خطرها، أو ما تسوقه لهم مهما ابتاع الناس من أشياء ثمينة لن تشعرهم بحلاوة العيد الحقيقية، ولن تملأ قلوبهم بالدفء؛ لأن هذا يحصل عندما يجتمع الأحبة الصادقون وليس محبي السطحية.