بعد عامين من ثورات العالم العربي ظهرت إشكاليات عديدة في فهم سياق الدولة الحديثة، الشيء الذي أفرز العديد من المشكلات الحقيقية في فهم إدارة الأزمات السياسية. ولم يكن الوضع السياسي في البلدان التي حصلت فيها الثورات العربية بأحسن حالا من الأنظمة السابقة التي ثارت على استبدادها الجماهير، بل وصل الحال إلى غياب فهم العمل الديمقراطي إلى جانب العمل الدستوري في أكثر من دولة، هذا غير أن بعض تلك الدول لم تستقر على حال سياسية معينة؛ فلا تزال تعيش في فراغ سياسي، يبدو أنه يزيد الأزمة، ويوسع الهوة بين طموحات الثورة، وبين الدولة الديمقراطية التي كان ينادي بها الثوار في الميادين، فتلاشت بعض الأحلام الرومانسية في صناعة دول عربية حديثة على المدى المنظور القريب، وبعيدا عن بعض الشخصيات، أو الدول التي كانت تحمل في مضامين سياسيتها عدائية للثورة والديمقراطية من الأساس، فإن الوضع العربي كان يسير في اتجاه غير محدد، ما أفضى إلى غياب في الرؤية العامة التي كان يجب أن تسير عليها سياسات التغيير العربي الجديدة، لكي تبني دولة حديثة، ولو بشكل انتقالي على الأقل، حتى تتمكن الشعوب العربية من هضم العملية الديمقراطية، أو «العمل العلاجي» ــ إذا جاز لنا التشبيه ــ على بعض إشكالياتها التي هي من طبيعة الإشكاليات الفكرية والاجتماعية التي توجد في كل السياقات بلا استثناء.
كان من السهل أن تثور الشعوب العربية ضد أنظمة الحكم المستبدة بحكم تضعضع الأوضاع السياسية والاقتصادية في تلك البلدان، إلا أن الإشكاليات كانت أكثر عمقا فيما بعد عملية التغيير السياسي، فقد اتضح أن الكثير من الأحزاب التي كان لها يد في قلب أنظمة الحكم، ولو جزئيا، لا تحمل في مجملها مشروعا سياسيا، ولا اجتماعيا، يمكن الوثوق به في صناعة دولة حديثة؛ إذ تمثلت تلك الأحزاب في رؤية «سلفية» لمنظوراتها الفكرية، سواء كانت دينية أو علمانية، إذ تكشفت الأوضاع عن استبدادية تتكئ على إرث سلفي طويل من تكثيف الدولة الدينية في الشعور الإسلامي الجمعي، كما تكشفت كذلك عن رؤية سلفية في الرؤى الاشتراكية التي لم تستطع أن تقدم برنامجا سياسيا اشتراكيا مقنعا للشعوب العربية؛ فلا يزال بعضها يتكئ على الرؤى القومية القديمة ذاتها، حتى أن هناك شعارات أو جماعات لا تخفي ميولها الناصرية، حتى بعد الدعوة إلى العمل الديمقراطي رغم فشل الناصرية في شعاراتها التي نادت بها من قبل، في حين كانت «الليبرالية العربية» خالية من الرؤية السياسية رغم قربها من العمل الديمقراطي، إلا أنها تكشفت عن ضعف في العمل السياسي، فلا نجد لها برنامجا سياسيا يمكن الاعتماد عليه.
لقد اكتشف الثوار ومعهم أحلام الشعوب الأخرى، بأنهم أمام واقع أكثر ثقلا مما تصوره الجميع؛ واقع كانت الأسئلة السياسية والوطنية أكبر من إجاباتهم ورومانسياتهم وأحلامهم. كان من الصعب أن تنتقل الدولة الثورية من حالتها تلك، إلى الحالة المدنية، واكتشفوا أنهم أمام خيارات محدودة كانت أمام أعينهم، لكن زخم الفعل الثوري كان أكبر بكثير من الأسئلة العميقة التي واجهوها فيما بعد، ولهذا بقيت الكثير من الإشكاليات تحت الثورة لم يرد أحد أن يجيب عليها قبل الشروع في العملية الديمقراطية التي كانوا يحلمون بها.
الواقع الذي وجدوا أنفسهم أمامه كان قد سهل عملية الثورة، لكنه لم يسهل عملية الديمقراطية، لأن أسئلة الديمقراطية هي في صميم الأسئلة الفكرية/ السياسية العميقة التي لا يمكن الإجابة عليها فقط بعمل ثوري، وإنما يحتاج إلى استكناه الرؤية الديمقراطية معرفيا وثقافيا وسياسيا، وهذه الرؤى كانت تغيب في مجملها في السياق العربي تاريخيا وحضاريا، إلى جانب أنه لا تجربة ديمقراطية حاضرة إلا ضمن السياق الحداثي، وهو سياق يصب في صالح التجارب الغربية، التي كانت، وما زالت، الشعوب العربية تقف موقفا ضديا من امتدادات حداثتها حتى هذه اللحظة.
كان من السهل أن تثور الشعوب العربية ضد أنظمة الحكم المستبدة بحكم تضعضع الأوضاع السياسية والاقتصادية في تلك البلدان، إلا أن الإشكاليات كانت أكثر عمقا فيما بعد عملية التغيير السياسي، فقد اتضح أن الكثير من الأحزاب التي كان لها يد في قلب أنظمة الحكم، ولو جزئيا، لا تحمل في مجملها مشروعا سياسيا، ولا اجتماعيا، يمكن الوثوق به في صناعة دولة حديثة؛ إذ تمثلت تلك الأحزاب في رؤية «سلفية» لمنظوراتها الفكرية، سواء كانت دينية أو علمانية، إذ تكشفت الأوضاع عن استبدادية تتكئ على إرث سلفي طويل من تكثيف الدولة الدينية في الشعور الإسلامي الجمعي، كما تكشفت كذلك عن رؤية سلفية في الرؤى الاشتراكية التي لم تستطع أن تقدم برنامجا سياسيا اشتراكيا مقنعا للشعوب العربية؛ فلا يزال بعضها يتكئ على الرؤى القومية القديمة ذاتها، حتى أن هناك شعارات أو جماعات لا تخفي ميولها الناصرية، حتى بعد الدعوة إلى العمل الديمقراطي رغم فشل الناصرية في شعاراتها التي نادت بها من قبل، في حين كانت «الليبرالية العربية» خالية من الرؤية السياسية رغم قربها من العمل الديمقراطي، إلا أنها تكشفت عن ضعف في العمل السياسي، فلا نجد لها برنامجا سياسيا يمكن الاعتماد عليه.
لقد اكتشف الثوار ومعهم أحلام الشعوب الأخرى، بأنهم أمام واقع أكثر ثقلا مما تصوره الجميع؛ واقع كانت الأسئلة السياسية والوطنية أكبر من إجاباتهم ورومانسياتهم وأحلامهم. كان من الصعب أن تنتقل الدولة الثورية من حالتها تلك، إلى الحالة المدنية، واكتشفوا أنهم أمام خيارات محدودة كانت أمام أعينهم، لكن زخم الفعل الثوري كان أكبر بكثير من الأسئلة العميقة التي واجهوها فيما بعد، ولهذا بقيت الكثير من الإشكاليات تحت الثورة لم يرد أحد أن يجيب عليها قبل الشروع في العملية الديمقراطية التي كانوا يحلمون بها.
الواقع الذي وجدوا أنفسهم أمامه كان قد سهل عملية الثورة، لكنه لم يسهل عملية الديمقراطية، لأن أسئلة الديمقراطية هي في صميم الأسئلة الفكرية/ السياسية العميقة التي لا يمكن الإجابة عليها فقط بعمل ثوري، وإنما يحتاج إلى استكناه الرؤية الديمقراطية معرفيا وثقافيا وسياسيا، وهذه الرؤى كانت تغيب في مجملها في السياق العربي تاريخيا وحضاريا، إلى جانب أنه لا تجربة ديمقراطية حاضرة إلا ضمن السياق الحداثي، وهو سياق يصب في صالح التجارب الغربية، التي كانت، وما زالت، الشعوب العربية تقف موقفا ضديا من امتدادات حداثتها حتى هذه اللحظة.