هذه المقالة ليست في رثاء الشاعر سليمان الفليح؛ لأن حزني لفقدانه أعمق من أن تعبر عنه مقالة أو قصيدة رثاء، فقد كنت في المنطقة الشرقية ألهو مع أطفالي على الشاطئ حين علمت بخبر وفاته ــ رحمه الله، فشعرت بأنني لو ذرفت أدمعا بقدر هذا البحر الذي لا نهاية له، فإنني لن أستطيع التعبير عن ذلك الشعور الذي اجتاحني لحظتها؛ لذلك سأحاول أن أحكي لكم شيئا مما تعلمته من سليمان الفليح الذي كان يمثل حالة إنسانية وثقافية نادرة تستحق التأمل العميق.
كان سليمان واحدا ممن شهدوا حالة التحول الهائلة من البداوة بكل بساطتها، إلى الحياة المدنية بكل تعقيداتها، فأدرك بفطرة الفنان أن الأساس في هذين العالمين المتناقضين (البداوة، الحداثة) هو الإنسان؛ لذلك مزج بينهما في أشعاره وفي حياته الشخصية، لم تمنعه بداوته من اقتحام عوالم لم تكن معروفة لأبناء جيله، ولم تدفعه نجاحاته الأدبية للانسلاخ من بداوته، وكان المعتاد جدا أن يخرج سليمان من معرض للفن التشكيلي، ويتجه إلى خيمة في الصحراء، حيث يتبادل الأحاديث مع رفاق ليس لهم أدنى علاقة بالعالم الذي جاء منه قبل قليل، بل كان من المعتاد أن تجده يصطحب واحدا من هؤلاء الرفاق إلى معرض للكتاب أو ندوة ثقافية، والعكس صحيح، حيث يمكن أن يصطحب شاعرا حداثيا من المغرب العربي إلى رفاقه في الصحراء، والذين لا يجيد بعضهم القراءة والكتابة، لم يكن يرى هذا الفارق الوهمي بين البشر على اختلاف مناخاتهم ومستوياتهم التعليمية أو الاقتصادية؛ لذلك كان قريبا من الجميع، وما هو أهم من ذلك كله أنه كان قريبا جدا من نفسه.
سليمان ــ أيضا ــ لم يكن يقيم أي وزن للعمر أو التجربة الثقافية، كان صديقا للشعراء والأدباء الشباب الذين هم في بداية مشوارهم أكثر من كونه صديقا للأدباء اللامعين والمخضرمين، وكان كثيرا ما يتوسط لهؤلاء الشباب لنشر نتاجاتهم الأدبية، بل إن أبناءه كانوا أصدقاءه منذ أن كانوا أطفالا، وصداقتي مع ابنه الأكبر سامي تجذرت بعد صداقتي به، وأذكر أنه عاتبني لأنني ألتقي بسامي يوميا دون أن أسأل عنه، فقلت إنه يجب أن يتعايش مع الواقع الجديد، فهو لم يعد صديقي بل (والد صديقي)، فشتمني أنا وسامي ثم مضى إلى حال سبيله وهو يتذمر من الزمان الذي أصبح فيه الأبناء يسرقون أصدقاء والدهم!.
وهو ــ أيضا ــ أديب لا يتنازل عن قناعته الأدبية إرضاء لرغبات الجمهور، فقد كتب قصيدته الحداثية في وقت لم يكن من السهل على الناس أن يتقبلوا هذا اللون من الشعر، كان يعلم أن قصائده الحديثة لا يمكن أن تجذب الكثير من الناس قبل 40 عاما، ولكنه لم يكن يهتم، فإيمانه بموهبته كان أقوى من ردود فعل الجمهور، ولأن الإبداع الحقيقي لا يمكن أن يهزم، فقد نجح في الوصول إلى الناس وفرض اسمه كواحد من أبرز شعراء جيله.
وسليمان لم يكن مؤدلجا أدبيا أو سياسيا، فقد كان يرى أن الأيديولوجيا ضد الفن، وربما لهذا السبب اختار لزاويته الصحفية اسم (هذرلوجيا )، كان شاعرا حداثيا يحب الشعر الكلاسيكي، ومثقفا يرفض أن يحبس نفسه في دائرة فكرية محددة؛ لأن ذلك يقيد حريته وهو ابن الصحراء الذي لا يطيق المساحات المحددة، أسأل الله أن يتغمد سليمان الفليح بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أسرته وكل محبيه الصبر والسلوان.
klfhrbe@gmail.com
للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ،636250
موبايلي، 737701 زين تبدأ بالرمز 211 مسافة ثم الرسالة
كان سليمان واحدا ممن شهدوا حالة التحول الهائلة من البداوة بكل بساطتها، إلى الحياة المدنية بكل تعقيداتها، فأدرك بفطرة الفنان أن الأساس في هذين العالمين المتناقضين (البداوة، الحداثة) هو الإنسان؛ لذلك مزج بينهما في أشعاره وفي حياته الشخصية، لم تمنعه بداوته من اقتحام عوالم لم تكن معروفة لأبناء جيله، ولم تدفعه نجاحاته الأدبية للانسلاخ من بداوته، وكان المعتاد جدا أن يخرج سليمان من معرض للفن التشكيلي، ويتجه إلى خيمة في الصحراء، حيث يتبادل الأحاديث مع رفاق ليس لهم أدنى علاقة بالعالم الذي جاء منه قبل قليل، بل كان من المعتاد أن تجده يصطحب واحدا من هؤلاء الرفاق إلى معرض للكتاب أو ندوة ثقافية، والعكس صحيح، حيث يمكن أن يصطحب شاعرا حداثيا من المغرب العربي إلى رفاقه في الصحراء، والذين لا يجيد بعضهم القراءة والكتابة، لم يكن يرى هذا الفارق الوهمي بين البشر على اختلاف مناخاتهم ومستوياتهم التعليمية أو الاقتصادية؛ لذلك كان قريبا من الجميع، وما هو أهم من ذلك كله أنه كان قريبا جدا من نفسه.
سليمان ــ أيضا ــ لم يكن يقيم أي وزن للعمر أو التجربة الثقافية، كان صديقا للشعراء والأدباء الشباب الذين هم في بداية مشوارهم أكثر من كونه صديقا للأدباء اللامعين والمخضرمين، وكان كثيرا ما يتوسط لهؤلاء الشباب لنشر نتاجاتهم الأدبية، بل إن أبناءه كانوا أصدقاءه منذ أن كانوا أطفالا، وصداقتي مع ابنه الأكبر سامي تجذرت بعد صداقتي به، وأذكر أنه عاتبني لأنني ألتقي بسامي يوميا دون أن أسأل عنه، فقلت إنه يجب أن يتعايش مع الواقع الجديد، فهو لم يعد صديقي بل (والد صديقي)، فشتمني أنا وسامي ثم مضى إلى حال سبيله وهو يتذمر من الزمان الذي أصبح فيه الأبناء يسرقون أصدقاء والدهم!.
وهو ــ أيضا ــ أديب لا يتنازل عن قناعته الأدبية إرضاء لرغبات الجمهور، فقد كتب قصيدته الحداثية في وقت لم يكن من السهل على الناس أن يتقبلوا هذا اللون من الشعر، كان يعلم أن قصائده الحديثة لا يمكن أن تجذب الكثير من الناس قبل 40 عاما، ولكنه لم يكن يهتم، فإيمانه بموهبته كان أقوى من ردود فعل الجمهور، ولأن الإبداع الحقيقي لا يمكن أن يهزم، فقد نجح في الوصول إلى الناس وفرض اسمه كواحد من أبرز شعراء جيله.
وسليمان لم يكن مؤدلجا أدبيا أو سياسيا، فقد كان يرى أن الأيديولوجيا ضد الفن، وربما لهذا السبب اختار لزاويته الصحفية اسم (هذرلوجيا )، كان شاعرا حداثيا يحب الشعر الكلاسيكي، ومثقفا يرفض أن يحبس نفسه في دائرة فكرية محددة؛ لأن ذلك يقيد حريته وهو ابن الصحراء الذي لا يطيق المساحات المحددة، أسأل الله أن يتغمد سليمان الفليح بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أسرته وكل محبيه الصبر والسلوان.
klfhrbe@gmail.com
للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ،636250
موبايلي، 737701 زين تبدأ بالرمز 211 مسافة ثم الرسالة