قال تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما).
في هذه الآية توجيه رباني كريـم للـبر بالوالدين ونهي عن أذاهما بأدنى تعبير لفظي. والله سبحانه وتعالى لم يربط بين عبادته والإحسان إليهما إلا لجلال مزلتهما عنده سبحانه. ولم يطلب الله سبحانه الإذعان لهما، بل الإحسان الذي يستدعي المودة والرحمة وخاصة في كبرهما.
ولعل من مقتضيات القراءة تقليب معنى الآية ومدى إمكانية التأويل في ضوء فهم طبيعة العلاقة بين الأبناء والآباء، وهي مشكلة تربوية مؤثرة. ولم تنزل هذه الآية إلا لخطورة الموقف بين الآباء والأبناء. واستخدام التعبير اللفظي في الآية دال على المدخل اللغوي في فهم طبيعة العلاقة. (فلا تقل لهما أفٍ) وهي أدنى إشارة يمكن أن يتضمنها سلوك مؤذٍ للأبوين.
استوقفني في الآية كثيرا (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما)، فالسياق يشير إلى عمر الشيخوخة، حيث تكون فيه الرحمة بالوالدين أوجب. وعليه فمراعاة العامل الزمني جزء أصيل من فهم هذا التوجيه الرباني. فالأبناء في صغرهم هم أحق بالرحمة والتوجيه والعناية، وهذه مسؤولية يضطلع بها الأبوان، اللذان يجب أن يجدا المزيد من الرحمة والبر من أبنائهما عند كبرهما. إن النص على البر بالوالدين عند سن الشيخوخة يلزم الأبوين على أن يكونا قد بذلا مثل ما يستحقان من المودة والرحمة عند كبرهما. فتربية الأبناء أمانة ومسؤولية عظمى، بها تتشكل شخصياتهم وتتحدد توجهاتهم، وتتضح منطلقاتهم المستقبلية.
سياق التربية مركب، ذلك أن فيه أطرافا متعددة تتنازعها الطبائع، وظروف المعيشة، والبيئة الاجتماعية عموما. فقوانين التربية يختلف الناس حولها، يراها البعض مادية من توفير مستلزمات الحياة وكمالياتها، ومن هم من يراها طاعة مطلقة من الأبناء للآباء دون نقاش، بل إذعان بالمطلق حتى تتوارى شخصياتهم، ومن هم من يراها حرية يتشكل الأبناء وفقا لها مع توجيهات عامة دون الدخول في التفاصيل اليومية لهم، ومن هم من يراها حماية لأبنائه وبذل مزيد من العناية بهم حتى وهم في أعمار تمكنهم من تحمل مسؤولياتهم.
التربية مسؤولية عظيمة وأمان للأبناء عند مواجهة مصاعب الحياة، وذكريات تسعد من عاشها، وتجدد فيهم رحمة تجاه الأبوين. فالطبائع لا تتشكل اعتباطا، لكنها تتشكل بسلوكيات يقدمها الأبوان بوصفها دلائل توجه دون أن تفرض. فكل سلوك يحمل معه بذور نجاحه أو فشله. من هنا يمكن القول إن سلوك القدوة مؤثر جدا فيما يمكن أن يمضي عليه الأبناء. فالقدوة الحسنة تؤتي أوكلها في حياة الأبناء في علاقتهم بالأبوين. ويصبح التوجيه الرباني برحمة الأبوين للتأكيد على استحقاق الأبوين لهذه الرحمة من قبل الأبناء. فسلوك القدوة الحسنة من قبل الأبوين جزء أساس من التربية التي توفر حسن الرعاية، وحسن التوجيه دون أوامر فجة تنفر منها النفس الإنسانية. العناية بالأبناء فن لا يحسنه الكثير، فاحترامهم مهما صغر سنهم، والحوار معهم مهما تواضعت مفاهيمهم، وتحميلهم مسؤولية بعض شؤونهم من شأنه أن يخلق شخصيات سوية، ناضجة تستطيع أن تلتزم بالتوجيه الرباني وبالوالدين إحسانا.
الإحسان للأبناء من شأنه أن يوصل للإحسان للآباء والأمهات عند كبرهم. وهو ما يغفل عنه الكثير عند النظر في فحوى هذه الآية. فإذا كان الأبوان أحوج ما يكونان لإحسان أبنائهما وقد أثقلتهما أوجاع الشيخوخة وهمومها، فإن الأبناء لا يقلون حاجة عن الإحسان لهما بتربية ترفع قدرهم وتعلي شأنهم، وتسهم في توجيههم بطريقة تحفظ إنسانيتهم..
الملاحظ في مجتمعنا شيوع ظاهرة العنف ضد الأطفال بأشكال مختلفة، منها ما وصل لتعذيبهم وقتلهم، ومنها ما أفقدهم هوياتهم بعدم الاعتراف بهم أو عدم الاكتراث بمستقبلهم. فكيف يمكن أن يحس مثل هؤلاء الأبناء لمن عذبهم، لمن سلب منهم كرامتهم، لمن أضاع مستقبلهم. المشكلة تكمن في غياب التشريعات القانونية التي تحفظ حقوق الأطفال الذين يتعرضون للعنف والمماطلة في تسجيل هوياتهم، وسن قانون الحضانة وفقا لدراسة حالة، دراسة اجتماعية نفسية نزيهة للوالدين حتى يتم الحكم بالحضانة لأكثرهما استعدادا. الإحسان للأبناء مفهوم يتجاوز الأبوين إلى مؤسسات المجتمع وجهاته الرقابية والتنفيذية التي يجب أن تسن القوانين وتتابع تنفيذها بما يكفل مستقبل الأبناء الذين ينبغي عليهم الإحسان للأبوين عند كبرهما.
halnemi@gmail.com
في هذه الآية توجيه رباني كريـم للـبر بالوالدين ونهي عن أذاهما بأدنى تعبير لفظي. والله سبحانه وتعالى لم يربط بين عبادته والإحسان إليهما إلا لجلال مزلتهما عنده سبحانه. ولم يطلب الله سبحانه الإذعان لهما، بل الإحسان الذي يستدعي المودة والرحمة وخاصة في كبرهما.
ولعل من مقتضيات القراءة تقليب معنى الآية ومدى إمكانية التأويل في ضوء فهم طبيعة العلاقة بين الأبناء والآباء، وهي مشكلة تربوية مؤثرة. ولم تنزل هذه الآية إلا لخطورة الموقف بين الآباء والأبناء. واستخدام التعبير اللفظي في الآية دال على المدخل اللغوي في فهم طبيعة العلاقة. (فلا تقل لهما أفٍ) وهي أدنى إشارة يمكن أن يتضمنها سلوك مؤذٍ للأبوين.
استوقفني في الآية كثيرا (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما)، فالسياق يشير إلى عمر الشيخوخة، حيث تكون فيه الرحمة بالوالدين أوجب. وعليه فمراعاة العامل الزمني جزء أصيل من فهم هذا التوجيه الرباني. فالأبناء في صغرهم هم أحق بالرحمة والتوجيه والعناية، وهذه مسؤولية يضطلع بها الأبوان، اللذان يجب أن يجدا المزيد من الرحمة والبر من أبنائهما عند كبرهما. إن النص على البر بالوالدين عند سن الشيخوخة يلزم الأبوين على أن يكونا قد بذلا مثل ما يستحقان من المودة والرحمة عند كبرهما. فتربية الأبناء أمانة ومسؤولية عظمى، بها تتشكل شخصياتهم وتتحدد توجهاتهم، وتتضح منطلقاتهم المستقبلية.
سياق التربية مركب، ذلك أن فيه أطرافا متعددة تتنازعها الطبائع، وظروف المعيشة، والبيئة الاجتماعية عموما. فقوانين التربية يختلف الناس حولها، يراها البعض مادية من توفير مستلزمات الحياة وكمالياتها، ومن هم من يراها طاعة مطلقة من الأبناء للآباء دون نقاش، بل إذعان بالمطلق حتى تتوارى شخصياتهم، ومن هم من يراها حرية يتشكل الأبناء وفقا لها مع توجيهات عامة دون الدخول في التفاصيل اليومية لهم، ومن هم من يراها حماية لأبنائه وبذل مزيد من العناية بهم حتى وهم في أعمار تمكنهم من تحمل مسؤولياتهم.
التربية مسؤولية عظيمة وأمان للأبناء عند مواجهة مصاعب الحياة، وذكريات تسعد من عاشها، وتجدد فيهم رحمة تجاه الأبوين. فالطبائع لا تتشكل اعتباطا، لكنها تتشكل بسلوكيات يقدمها الأبوان بوصفها دلائل توجه دون أن تفرض. فكل سلوك يحمل معه بذور نجاحه أو فشله. من هنا يمكن القول إن سلوك القدوة مؤثر جدا فيما يمكن أن يمضي عليه الأبناء. فالقدوة الحسنة تؤتي أوكلها في حياة الأبناء في علاقتهم بالأبوين. ويصبح التوجيه الرباني برحمة الأبوين للتأكيد على استحقاق الأبوين لهذه الرحمة من قبل الأبناء. فسلوك القدوة الحسنة من قبل الأبوين جزء أساس من التربية التي توفر حسن الرعاية، وحسن التوجيه دون أوامر فجة تنفر منها النفس الإنسانية. العناية بالأبناء فن لا يحسنه الكثير، فاحترامهم مهما صغر سنهم، والحوار معهم مهما تواضعت مفاهيمهم، وتحميلهم مسؤولية بعض شؤونهم من شأنه أن يخلق شخصيات سوية، ناضجة تستطيع أن تلتزم بالتوجيه الرباني وبالوالدين إحسانا.
الإحسان للأبناء من شأنه أن يوصل للإحسان للآباء والأمهات عند كبرهم. وهو ما يغفل عنه الكثير عند النظر في فحوى هذه الآية. فإذا كان الأبوان أحوج ما يكونان لإحسان أبنائهما وقد أثقلتهما أوجاع الشيخوخة وهمومها، فإن الأبناء لا يقلون حاجة عن الإحسان لهما بتربية ترفع قدرهم وتعلي شأنهم، وتسهم في توجيههم بطريقة تحفظ إنسانيتهم..
الملاحظ في مجتمعنا شيوع ظاهرة العنف ضد الأطفال بأشكال مختلفة، منها ما وصل لتعذيبهم وقتلهم، ومنها ما أفقدهم هوياتهم بعدم الاعتراف بهم أو عدم الاكتراث بمستقبلهم. فكيف يمكن أن يحس مثل هؤلاء الأبناء لمن عذبهم، لمن سلب منهم كرامتهم، لمن أضاع مستقبلهم. المشكلة تكمن في غياب التشريعات القانونية التي تحفظ حقوق الأطفال الذين يتعرضون للعنف والمماطلة في تسجيل هوياتهم، وسن قانون الحضانة وفقا لدراسة حالة، دراسة اجتماعية نفسية نزيهة للوالدين حتى يتم الحكم بالحضانة لأكثرهما استعدادا. الإحسان للأبناء مفهوم يتجاوز الأبوين إلى مؤسسات المجتمع وجهاته الرقابية والتنفيذية التي يجب أن تسن القوانين وتتابع تنفيذها بما يكفل مستقبل الأبناء الذين ينبغي عليهم الإحسان للأبوين عند كبرهما.
halnemi@gmail.com