-A +A
احمد عائل فقيهي
يأخذ العنف أشكالا وألوانا مختلفة، وتتوزع وتتفاوت القضايا والمسائل التي تتصل بالعنف سواء أكان منها ما يتعلق منها بالعنف الجسدي والعائلي أو الاجتماعي وصولا إلى العنف السياسي.. إن السائد في الحياة العربية العامة كل أشكال وألوان العنف فأنت كمواطن عربي تتجسد أمامك يوميا حالات العنف في أعلى قساوتها وظروفها وفي أبـرز معانيها وتجلياتها بإجبار الفرد على الرضوخ للأوامر وتعزيـز لغة العنف ضد هذا الفرد عبر الخطاب السياسي والاجتماعي والديني والإعلامي، فذلك عنف اللغة وهو واحد من أشد الأمور وضوحا في الواقع اليومي المعاش.
في دراسة أعدها الدكتور حسنين توفيق إبراهيم وصدرت في سلسلة «أوراق عربية» عن «مركز دراسات الوحدة العربية» والتي جاءت تحت عنوان: «العنف السياسي في الوطن العربي»، ثمة قراءة متبصرة عنه وراصدة لمفهوم العنف ومساراته المختلفة من التظاهرات العنيفة وأحداث الشغب إلى الإضرابات العمالية والتمردات المسلحة والعنف الطائفي إلى الاغتيالات والانقلابات العسكرية واستخدام الأجهزة بكل أدواتها القامعة والمانعة لأي فرد يعبر عن رأيه أو تلك الجهات القضائية الرسمية التي تقف حائلا أمام أي صوت يحلم بالتغيير.. وتلك حالة عربية عامة.

كل أشكال وألوان العنف يتفحصها الباحث ويـربطها بعدة أسباب جوهريـة وجذريـة من أبـرزها أزمة بناء الدولة الوطنية الحديثة في الدول التي تشكلت منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين والمتمثلة في الصومال والسودان والعراق واليمن وهي الدول التي يـرى ويعبر الباحث أنها «الأكثر تجسيدا» لمعضلة بناء الدولة الوطنية الحديثة في الوطن العربي.. وهناك أسباب أخرى منها تفاقم حدة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وأبرزها أزمة التنمية ثم غياب العدالة الاجتماعية واسشراء الفساد الإداري والاجتماعي ثم غياب الديقوقراطية وتجذر ثقافة التسلط وانتهاك حقوق الإنسان العربي.
ومن هنا فإن العنف ليس عنفا واحدا بل هو متعدد وليس شكلا ولكنه أشكال، ومن هنا فإن العنف حالة تراتيبية فيه من العنف العائلي والاجتماعي والجسدي إلى العنف السياسي.. ونجد المواطن العربي محاصرا في دوائر العنف عبر التاريخ وليس اليوم..
إنه عنف مبرمج، ولا حل إلا بإعادة الاعتبار لمفهوم الدولة والانحياز لاحترام المواطن بوصفه إنسانا من حقه أن يعيش بكرامة وشرف يعرف ماله وما عليه، وذلك خروجا من إشاعة ثقافة العنف التي تسود الحياة العربية حيث يتبدى ذلك جليا ويتجسد في الحالة السوريـة.. فمتى يخرج العرب من الموت المجاني والعنف المبرمج.