-A +A
أميرة كشغري
بعد سنوات من الدراسة والتمحيص والانتظار، سعدنا بصدور نظام الحماية من الإيذاء، والذي يشمل حماية المرأة والطفل والعامل وكافة فئات المجتمع، ويحدد العقوبات لكل من يتسبب في إيذاء الآخرين. ولا يقف النظام عند ذلك، بل يوضح أيضا آليات تقديم المساعدة والمعالجة والعمل على توفير الإيواء والرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية والمساعدة اللازمة لكل من يتعرض للإيذاء.
وقد صدر هذا النظام بعد دمج مشروعي نظام حماية الطفل ونظام الحد من العنف، ليكون مظلة عامة تسهم في رصد متكامل ودقيق لمتابعة وعلاج جميع حالات الإيذاء. كما أن النظام الجديد يوفر الحماية لكل من يبلغ عن حالة إيذاء اطلع عليها، ويحثه على الإبلاغ الفوري عنها. ولعل هذا الجانب هو من أهم مميزات النظام الجديد، إذ طالما وقف تخوف البعض من التصدي للعنف أو الإيذاء عائقا دون اكتشاف حالات العنف الأسري أو الإيذاء بالاغتصاب أو التحرش أو الضرب أو حتى التضييق وتقييد الحرية في العمل.
لم أجد تفاصيل النظام على الموقع الإلكتروني لوزارة الشؤون الاجتماعية، فعدت إلى أوراقي ومسودات النظام يوم كانت مشروعا تتم مناقشته في مجلس الشورى قبل عدة سنوات. وقد يكون السبب في عدم وضعه على موقع الوزارة أن الوزارة لم تتسلم النظام بعد، كما صرح مسؤول الحماية بالوزارة بأن «الكتيب الخاص بقانون الحماية من الإيذاء واللائحة التنفيذية سيسلم في مدة لا تتجاوز 90 يوما». وحتى يتم الاطلاع على تفاصيل النظام ولائحته التنفيذية أعرض بعض ردود الأفعال والتساؤلات المطروحة حوله من قبل الإعلام المحلي. معظم هذه التساؤلات مشروعة ومنطقية، إلا أن بعض ردود الوزارة عليها كان مفاجئا، خصوصا ما اتخذ منها موقفا دفاعيا كذلك الذي ورد في تصريح مدير إدارة الحماية الاجتماعية بالوزارة بأن «إقرار النظام لا يعني ارتفاع مؤشر العنف في السعودية»، إذ لا أجد سببا مقنعا لهذا التصريح. فإقرار النظام ــ في حد ذاته ــ لا يحتاج إلى تبرير أو دفاع لكونه خطوة إيجابية في الطريق الصحيح نحو حفظ الحقوق الإنسانية وعلاج حالات انتهاكها، بغض النظر عن عدد الحالات في المجتمع.
تتلخص الملاحظات المثارة حول النظام في التالي:
• لم يحدد النظام بعد جهة مختصة محددة بوضع آليات التعامل مع حالات العنف والإيذاء، ما قد يخلق تضاربا في آليات العمل بين الجهات المختلفة، أو في آليات الاستجابة لحالات الإيذاء.
• تعددت أهداف النظام لتشمل طيفا من القضايا تشمل توفير الحماية للضحايا وتلبية احتياجاتهم ومساءلة المتسببين في التعنيف ونشر التوعية بالإيذاء ومعالجة «الظواهر السلوكية». إلا أن النظام أو لائحته التنفيذية ينبغي أن يعالج أيضا كيفية ضمان الحماية من الإيذاء، وكيفية معالجة «الظواهر السلوكية»، والتعرض لجوانب العنف المؤسساتي وإصلاح الأنظمة والتشريعات التي تخلق «بيئة مناسبة لحدوث حالات إيذاء» ــ كما عرفها النظام في المادة الثانية الفقرة الخامسة، مثل قانون الولاية على النساء الراشدات ومنع النساء من خدمات معينة كاللجوء للقضاء أحيانا بلا محرم ونظام كفالة العمالة وغيرها من الأنظمة.
• لم يضع النظام أي آليات للتعامل مع حالات الإيذاء في حال فشلت استجابة «الجهات المختصة» في حماية الضحايا، ولم يرشد «الجهة المختصة» إلى كيفية وشروط رفع الأمر إلى الحاكم الإداري مثلا أو تحديد جهة رقابية للتظلمات في حال التقصير من الجهة المختصة.
• ترك النظام تقدير درجة الاستجابة المقررة لحالة الإيذاء رهنا بالجهات المختصة كالشرطة أو الصحة أو التعليم مثلا، ولم يشترط تفعيل شروط معينة لتحديد معايير الاستجابة المطلوبة، كما انحاز النظام إلى أولوية «الإجراءات الإرشادية والوقائية» في الاستجابة، بينما مرحلة التوعية هي مرحلة تسبق مرحلة التعرض الفعلي للإيذاء، ولا يفترض أن يترك الأمر لتقدير أي جهة بالنظر لطبيعة الثقافة المحلية التي تفضل الإبقاء على الروابط العائلية وسمعة العائلات بأي طريقة وعلى حساب الإيذاء أحيانا كثيرة.
• ذكر النظام في المادة السابعة والفقرة الرابعة إحدى آليات الاستجابة بعد توثيق البلاغ بأن يتم استدعاء أطراف الحالة لأخذ التعهدات، وهو ما يتبع حاليا، وكان من الأجدى توفير بدائل أفضل من الوسائل التقليدية التي لم تنجح في توفير الحماية حتى الآن للضحايا وحيث تعاد الضحية للجاني، خصوصا إذا كانت امرأة أو طفلا.
• نص النظام على دعم الأبحاث وبرامج الحماية من العنف والإيذاء، وهو خطوة مميزة بالنظر لما يعاني منه المجتمع المدني من تقييد في ممارسة هذا الدور وتقديم الدعم اللازم للضحايا وخلق بيئة تستجيب لاحتياجاتهم، وليس بعيدا ما حدث من هجوم ضد حملة الشريط الأبيض الهادفة لنشر وعي الرجال بمسألة العنف ضد النساء.
وحتى يتم تطبيق النظام على أرض الواقع بشكل ناجح ينبغي أن تدعمه مؤسسات مجتمع مدني خاصة تتكون من نقابات مهنية وجمعيات أهلية صغيرة ذات صلة بالعنف والإيذاء، سواء في المدن أو القرى، يمكن اللجوء إليها بيسر وسهولة من قبل كل من يتعرض للأذى، وهي من يتكفل بمتابعة موضوعه وإيصاله للجهة المسؤولة كالشرطة والوزارة. وننتظر أن تهتم الجهات المسؤولة عن تنفيذ النظام بهذا الأمر لكي تتصدى بحزم للعنف ضد الفئات الأضعف، وتضع آليات المتابعة والتنفيذ الكافية.


akashgary@gmail.com