-A +A
محمد أبو داود
نحن مع المستهلك ضد كل أعدائه لأنه مظلوم ومستغل. المستهلك دوما في نهاية قائمة المستفيدين في السلم الاقتصادي في كل دول العالم، وإن كان له حقوق أكبر في الدول الديموقراطية. والذي يقول غير ذلك، فهو إما مستفيد أو مستغل أو بائع أو مالك لصنف معين. في حالات واضحة، هنالك احتكار واضح مثل قضية مايكروسوفت وإن أنكرت. فحينما تملك نظاما تشغيليا ولا تستطيع أن تتواصل مع الآخرين إلا به، ولا يوجد بديل حقيقي مماثل، فهذا احتكار حاولت أوروبا مقاومته ولم تستطع، أما العالم الثالث فيدفع راغما وباستمرار رخصة الاستعمال أو الاستعمال غير القانوني بدون الدفع أو النسخ المزورة المنسوخة.
حينما تكذب شركات تلبس ثياب الخادم الاجتماعي والإنساني، وهي ترهق المستهلك كل يوم بالتدليس والكذب والغش وإعطائه أقل وبسعر أعلى فقط لزيادة أرباحها وهو ليس لديه حيلة. السيارة اليوم أقل مواد من السيارات قبل خمسين عاما. طغى عليها البلاستيك والمواد الرخيصة بدلا من المعادن. وأصبح وزنها أقل بكثير بنسبة خمسين في المائة، وارتفع سعر السيارة عشرة أضعاف خلال ثلاثة عقود بادعاء التضخم، وهذا كذب وافتراء، فالحقيقة أن العقدين الماضيين شهدا ما يسمى بالديفلاشين أو انخفاض الأسعار وهو عكس التضخم. ولكن رفعت أسعار السيارات بادعاء ارتفاع قيمة المواد الخام، وكأن القيمة الحقيقية للسيارة هي في التقنية، وهذه لم تتحسن كثيرا. وأكثر الشركات لصوصية متعددة الجنسيات، ومن يقول غير ذلك لا يعرفها حقا، فهي تعتبر أسواق العالم الثالث بقرة حلوبا تعصرها وتتمتع بضرائب منخفضة وتعطى الأفضلية لجهل من يتعامل معها أو من يتفاوض لحماية حقوق الدول بادعاء تشجيع الاستثمار، وكأن هذه الدول لا تعرف كيف تستثمر وبادعاء إيجاد وظائف، وهذه الشركات تجعجع ولا تطحن إلا «الغلابه» المحليين، سواء أكانوا موزعين جياعا لخدمتها أو موردين لمصانعها، بينما الاقتصاد الحقيقي يكون ببناء شركات محلية قوية ومدعومة. ونحن لا نريد نظاما بيروقراطيا ومنفرا للاستثمار، ولكن هنالك حاجة لعمليات جديدة ومبدعة لحماية الاقتصاد المحلي. ونظام الضريبة على الاستثمار الأجنبي بحاجة لإعادة نظر وتغيير جذري. وأخلاقيات الشركات الأجنبية بحاجة إلى إرشاد وتعديل حتى لا تستغل المستهلك المحلى بالكذب والغش التجاري بمنتجات لا تؤدى الغرض الذي تدعيه وتستغل جهل المستهلك وغياب الجهات القادرة على الرقابة. أتذكرون قيمة الطبق والريسيفر أو اللاقط عام 1990 م كان مائة ألف ريال لثلاث قنوات، وبعد عشرين عاما أصبح لديك قنوات لا تحصى ولا تريدها. وما ينطبق على اللاقط ينطبق على الهاتف الجوال، والذي بدأ في السيارات، وكان سعره تقريبا ستين ألف ريال، وسعر الكمبيوتر في الثمانينات حجم أربعة وستين بايت وليس جيجا بايت كان بسعر خيالي وللأعمال الخطيرة المهمة، والآن يستعمله كل الناس. كل هذا أسبابه الاحتكار والندرة والنوفلتي، أو أنها جديدة على السوق والمستهلك، وعندما فتحت السوق للمنافسة ومنع الاحتكار هبط الجوال إلى سعر رخيص والريسيفر اللاقط يباع في كل مكان في المناطق الريفية.

أما المستهلك وحمايته، فهذه رغبة أكيدة عند الجميع، لكن الشق أكبر من الراقع. وتعود إلى مدى الرغبة في إعطائه حقوقه، والتي عادة يحصل عليها بنفسه بلوى الذراع وحسب قدراته. الناحية السلبية في المعادلة هي حينما لا يعرف المستهلك صدق المعلومات تطبيقيا عن المنتج وكذب المصنع (بشد النون) ولعبه على أحاسيس المستهلك وجهله بأساسيات القطاع. فمثلا، هنالك منتجات تداعب أحاسيس الجمال أو الانتعاش أو الشباب، مثل الشامبوهات أو القهوة أو المكياج. ولا توجد جهات حقيقية يهمها أو لديها القدرة على تحليل المنتجات ونشر وقائع عادلة للمستهلك. والجهات الحالية غمرت بمسؤوليات أكبر منها، ولا تستطيع اللحاق بتنظيم إجرامي حر على المستهلك. واستراتيجيات متغيرة تهدف إلى الربح الوفير وإعطاء المستهلك عطاءها تناقصيا وزيادة الأرباح طرديا. وكلما كبرت الشركات وتحالفت ونمت وتوسعت جغرافيا وعبر القارات زادت قوتها وسلبها للمستهلك. حتى شركات الأدوية، والتي يجب أن تكون أكثر إنسانية، لا ترحم بدعوى عمل بحوث أكثر ومنتجات تنقذ الإنسانية، وهى تربح بشكل منفر ومنتجاتها أسعارها جدا مرتفعة وغير إنسانية. ولكن يقومون بين الفينة والأخرى بإرسال أدوية منخفضة للدول الفقيرة من باب ذر الرماد في العين. ولكن الأرقام والأسواق تفضح المستور. وكل هذا وهنالك من ما زال يتعامل مع أسلوب رالف نادر المشهور في حربه ضد شركات السيارات الرأسمالية، والتي لو نظرت اليوم في تاريخ السيارات وأسعارها تعتبره خاسرا من الدرجة الأولى. وهنالك من يعتقد أن جمعية حماية المستهلك هي الحل، والحقيقة أكبر، وهى مثل حروب الدول ضد المخدرات.. الحروب تكبر، والعصابات تكبر، والكميات تزيد، والمدمنون يتكاثرون، والمستهلك يدفع ويدفع، ولا من منقذ.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.