«الإنسان محكوم عليه بالحياة».. هكذا قال الروائي عبدالرحمن منيف ــ يرحمه الله، وهو يعيش غربة المبدع ولوعة الغياب، لكن الإنسان أيضا محكوم عليه بالموت والحياة معا، فهي سنة الحياة والوجود.
ولعلي أسوق هذه العبارات المستفزة وأنا اقرأ رواية «دم يترقرق بين العمائم واللحى» للروائي ماجد سليمان، وهي التي جاءت في بنية سردية متماسكة، وتتسلسل أحداثها التي كتبت بدم قانٍ في استمرارية جاذبة، وحيث الموت يعلن حضوره المتناهي بكل قسوة، فالمكان «مينار» قرية متخيلة ولدت في أحضان الكاتب وتجذرت في وعيه حتى قبض على تحولاتها لتستقي عوالمها من الواقع من جهة، ومن المتخيل المبني على الرؤيا من جهة أخرى.
لن أقدم هنا قراءة نقدية لهذا العمل المتجاوز والمختلف ــ إن صح التعبير، ولكنني اقرأ العمل من زوايا كثيرة، فماجد سليمان كان مغامرا باتجاهات فنية، محققا النضج الفني بلغة شعرية سردية، وتستجلب كل مآسي الدماء المنثورة في الأصقاع العربية هنا وهناك، وتحتضنها الطرقات والمدن والأزمنة العربية، كل الأزمنة، ولا يتناول زمنا بعينه، إنها رواية مفتوحة على الزمن العربي المثقل بالوجع وبرائحة الموت وأعراس الدماء.
تأتي الرواية في ثمانية وعشرين فصلا لا تبرز شخوصا تستحوذ على البطولة المطلقة، بل إن ثمة شخصيات تلعب أدوار البطولة ثم تأتي أخرى، وهكذا في تصاعد مدهش، وتبرز سطوة الظلم وغياب العدل عن المشهد في قرية «مينار» التي تتداخل فيها الأزمنة وتختلف، لكنها تتفق على الدموية المشتهاة، ويختصر التاريخ العربي في حقب كثيرة ليقدم للقارئ العربي فصولا تفوح بالدماء والأشلاء عبر رحلة طويلة من الوجع الممتد في جسد الوطن العربي.
حين تحدثت مع الروائي ماجد سليمان اكتشفت مدى ما يحمله من عمق الفنان المسكون بالهم الثقافي، ومضى وهو يحدثني عن روايته المثيرة بقوله: «ما أود إيصاله من خلال هذا العمل هو أن يقرأ الفرد واقعه العربي، أو بشكل أدق أن يشاهد نفسه في مرآة الأدب، ناقلا له أن لا دوام للألم، وإن طالت أيامه، كما أنها محاولة لقراءة الواقع العربي بعين الكتابة الأدبية المحضة، بعيدا عن الكتابات التي جوهرها الأدلجة، كالكتابة السياسية، ويقول في مقطع في الرواية: «دك الباب عليه مرة ومرتين، وفي الثالثة كانت الأصوات الجماعية تحرض الأفواج الثائرة على بذل المزيد من القوة لكسره، فكانت دكة خلعته لتتزاحم البشر منه وتهوي بما حملته أيديها عليه في غرفة طالما ذاق فيها المتع والملذات..
هشموا عظامه وملأوا جسده بالطعون والكسور، وتنازعوه كما تتنازع السباع الفريسة، كل يقسم بحز رأسه حتى انفصل من بين الفرقتين، فلا يعلم أي الأنصال نال من عنقه، ليسحبوه بعدها ويلقوه في بركته جثة تسبح في الدم، دافعا ثمن مكيدة شهوة الظلم، ثم توزعوا بعدها يكسبون من قصره كل غال وثمين».
وعلى رأس كل فصل من فصول الرواية يقدم عناوين بلغة شعرية خلاقة، لكن مفردة الدم واشتقاقاتها لا تنفك من لغته المتوثبة، ومنها ــ على سبيل المثال لا الحصر: الموتى ينسجون الأكفان، موت يسبح في الطرقات، دم بطعم الماء، أجساد تتدثر بالدم، أرض تتمزق هما، نهد يتأبط الموت، وقع خطوات الموت، مجد أحمر، دم يقطر من سوط الماضي، بأي شيء إلا الموت، جنائز تمزق الأكفان... إلخ.
ولعل هذه المساحة لا تمنحني الحديث أكثر عن الروائي ماجد سليمان، وهو الذي سكب لي وجعا قانيا، وهو يختزل سيرة دموية في صفحات التاريخ العربي بلغة الروائي الفنان وليس بلغة المؤرخ، لأن الفنان ليس دوره كتابة التأريخ، وبرغم كمية الوجع التي تتوزع في كل فصول الرواية، إلا أن لغة السرد الشعرية، جعلتني أهرول بين فصول الرواية حتى دلفت إلى خاتمتها الأخيرة في رحلة مثيرة مع روائي جاد ورصين.
ولعلي أسوق هذه العبارات المستفزة وأنا اقرأ رواية «دم يترقرق بين العمائم واللحى» للروائي ماجد سليمان، وهي التي جاءت في بنية سردية متماسكة، وتتسلسل أحداثها التي كتبت بدم قانٍ في استمرارية جاذبة، وحيث الموت يعلن حضوره المتناهي بكل قسوة، فالمكان «مينار» قرية متخيلة ولدت في أحضان الكاتب وتجذرت في وعيه حتى قبض على تحولاتها لتستقي عوالمها من الواقع من جهة، ومن المتخيل المبني على الرؤيا من جهة أخرى.
لن أقدم هنا قراءة نقدية لهذا العمل المتجاوز والمختلف ــ إن صح التعبير، ولكنني اقرأ العمل من زوايا كثيرة، فماجد سليمان كان مغامرا باتجاهات فنية، محققا النضج الفني بلغة شعرية سردية، وتستجلب كل مآسي الدماء المنثورة في الأصقاع العربية هنا وهناك، وتحتضنها الطرقات والمدن والأزمنة العربية، كل الأزمنة، ولا يتناول زمنا بعينه، إنها رواية مفتوحة على الزمن العربي المثقل بالوجع وبرائحة الموت وأعراس الدماء.
تأتي الرواية في ثمانية وعشرين فصلا لا تبرز شخوصا تستحوذ على البطولة المطلقة، بل إن ثمة شخصيات تلعب أدوار البطولة ثم تأتي أخرى، وهكذا في تصاعد مدهش، وتبرز سطوة الظلم وغياب العدل عن المشهد في قرية «مينار» التي تتداخل فيها الأزمنة وتختلف، لكنها تتفق على الدموية المشتهاة، ويختصر التاريخ العربي في حقب كثيرة ليقدم للقارئ العربي فصولا تفوح بالدماء والأشلاء عبر رحلة طويلة من الوجع الممتد في جسد الوطن العربي.
حين تحدثت مع الروائي ماجد سليمان اكتشفت مدى ما يحمله من عمق الفنان المسكون بالهم الثقافي، ومضى وهو يحدثني عن روايته المثيرة بقوله: «ما أود إيصاله من خلال هذا العمل هو أن يقرأ الفرد واقعه العربي، أو بشكل أدق أن يشاهد نفسه في مرآة الأدب، ناقلا له أن لا دوام للألم، وإن طالت أيامه، كما أنها محاولة لقراءة الواقع العربي بعين الكتابة الأدبية المحضة، بعيدا عن الكتابات التي جوهرها الأدلجة، كالكتابة السياسية، ويقول في مقطع في الرواية: «دك الباب عليه مرة ومرتين، وفي الثالثة كانت الأصوات الجماعية تحرض الأفواج الثائرة على بذل المزيد من القوة لكسره، فكانت دكة خلعته لتتزاحم البشر منه وتهوي بما حملته أيديها عليه في غرفة طالما ذاق فيها المتع والملذات..
هشموا عظامه وملأوا جسده بالطعون والكسور، وتنازعوه كما تتنازع السباع الفريسة، كل يقسم بحز رأسه حتى انفصل من بين الفرقتين، فلا يعلم أي الأنصال نال من عنقه، ليسحبوه بعدها ويلقوه في بركته جثة تسبح في الدم، دافعا ثمن مكيدة شهوة الظلم، ثم توزعوا بعدها يكسبون من قصره كل غال وثمين».
وعلى رأس كل فصل من فصول الرواية يقدم عناوين بلغة شعرية خلاقة، لكن مفردة الدم واشتقاقاتها لا تنفك من لغته المتوثبة، ومنها ــ على سبيل المثال لا الحصر: الموتى ينسجون الأكفان، موت يسبح في الطرقات، دم بطعم الماء، أجساد تتدثر بالدم، أرض تتمزق هما، نهد يتأبط الموت، وقع خطوات الموت، مجد أحمر، دم يقطر من سوط الماضي، بأي شيء إلا الموت، جنائز تمزق الأكفان... إلخ.
ولعل هذه المساحة لا تمنحني الحديث أكثر عن الروائي ماجد سليمان، وهو الذي سكب لي وجعا قانيا، وهو يختزل سيرة دموية في صفحات التاريخ العربي بلغة الروائي الفنان وليس بلغة المؤرخ، لأن الفنان ليس دوره كتابة التأريخ، وبرغم كمية الوجع التي تتوزع في كل فصول الرواية، إلا أن لغة السرد الشعرية، جعلتني أهرول بين فصول الرواية حتى دلفت إلى خاتمتها الأخيرة في رحلة مثيرة مع روائي جاد ورصين.