-A +A
ياسر المطيري «الرياض»

يعد حي المناخ أو «الجبس» كما هي التسمية الحديثة، والذي يقع جنوب الرياض على طريق الخرج، من أقدم أحياء العاصمة ومع هذا تنعدم فيه مقومات الحياة ومعظم الخدمات فيه غائبة، منازله شعبية قديمة حاضنة لعشرات من العمالة الوافدة من جنسيات مختلفة بينهم مجهولو الهوية، متعاطو المخدرات ومخالفو نظام الإقامة، الذين يتخذون من بيوته المهجورة أوكارا للسكن والتخفي من عيون الجهات الأمنية، مستفيدين من الأسوار التي تحيط بمنازل الحي الذي يئن من وطأة العشوائية، فيما تغمر شوارعه الضيقة «المياه الآسنة» الناتجة عن الأمطار، إضافة إلى مخلفات البناء والنفايات.



ومن يزر الحي للوهلة الأولى، لا يتبادر إلى ذهنه أن هناك حيا «سكنيا» يقع خلف مجموعة كبيرة من المصانع والمعدات والآلات ومركبات النقل الثقيل، في الوقت الذي يشكو فيه الأهالي من انتشار السرقات والمخالفات بفعل العمالة الوافدة، وطالبوا بتكثيف التواجد الأمني خاصة في فترات المساء.

الحي المنسي

«عكاظ الأسبوعية» نفذت جولة ميدانية داخل الحي برفقة مجموعة من سكان الحي، رصدت خلالها غياب العديد من الخدمات من مدارس ومركز صحي وهاتف وصيانة طرق وغيرها من الخدمات الضرورية، ما جعل السكان يطلقون عليه «الحي المنسي»، كما رصدت خلال الجولة انتشار عدد كبير من المنازل المهجورة الآيلة للسقوط، حيث تحولت إلى أوكار لتجمع العمالة الوافدة وهواة الجريمة، وملاذ آمن المسروقات والممنوعات، فيما تلوث الانبعاثات الصادرة عن المصانع الهواء وتنذر بانتشار أمراض الصدر والرئتين.

وأوضح لـ«عكاظ» المواطن سالم القحطاني، أن سكان الحي يعيشون حالة قلق وخوفا مستمرين على أسرهم من مجهولي الهوية ومتعاطي المخدرات الذين ينتشرون في أرجاء الحي ويستغلون المنازل المهجورة وبعد الحي عن الأنظار لارتكاب المحظورات، وقال: «أناشد الجهات المعنية بالعمل بشكل عاجل على إزالة المنازل المهجورة التي تزداد يوما بعد آخر، والاستفادة من مواقعها في توفير احتياجات الحي من مشاريع خدمية كإنشاء جوامع أو حدائق عامة».

تواجد أمني

بدوره يشكو ناصر القحطاني، من انتشار العمالة الوافدة المخالفة من مجهولي الهوية من مختلف الجنسيات داخل الحي، وطالب دوريات الأمن والجوازات بالتواجد المكثف داخل الحي خاصة في الأوقات المتأخرة من الليل، فيما أوضح محمد العنزي، أن العديد من الوافدين، خاصة من الجنسيات الآسيوية، عمدوا إلى ترميم المنازل المهجورة واتخذوها مساكن لهم بشكل مخالف.

وأكد نافع العنزي أن الشوارع الداخلية للحي بحاجة ماسة إلى السفلتة والصيانة، خاصة في ظل انتشار الحفريات التي تهملها بعض الجهات المنفذة للمشاريع، مندهشا من تبعية الحي لبلدية السلي الفرعية الواقعة شرقي الرياض والتي تبعد مسافة كبيرة عنه، في حين تتوفر بلدية فرعية في حي العزيزية الملاصق مباشرة للحي، مناشدا المسؤولين بنقل تبعية الحي إلى العزيزية. واعتبر فارس محمد أن طفح مياه الصرف الصحي مصدر الخطر الحقيقي على سكان الحي، خاصة أنها تلوث البيئة بشكل كبير وتساهم في انتشار الحشرات والقوارض الضارة في الطرقات والشوارع الغارقة بالمياه الآسنة.

انعدام الخدمات

وتتضاعف معاناة سكان الحي عند هطول الأمطار، حيث تظل الشوارع والمنازل المهجورة غارقة في المياه لأيام عدة، مناشدا الجهات المعنية بالعمل على تنفيذ مشروع لتصريف مياه الصرف الصحي والأمطار لخطورتها على الصحة العامة.

وهنا تساءل نواف العنزي عن أسباب تجاهل الجهات المعنية لإزالة السيارات الخربة القديمة المنتشرة في الحي، ويضيف: «نخشى أن تكون هذه السيارات مسروقة وألقيت في الحي بعد أن نفذت بها جرائم عدة، خاصة وأن الحي غير معروف للكثيرين ولا يقصده إلا سكانه»، مبديا تخوفه من اشتعال هذه السيارات في أي لحظة، بالإضافة إلى تشويهها للمنظر الجمالي للحي، في حين طالب سعيد العنزي الجهات المختصة بتوفير مختلف الخدمات العامة أسوة بالأحياء المجاورة، وبناء مدارس جديدة للبنين والبنات، حيث إنهم ملتحقون بمدارس حي العزيزية القريب.

مقبرة وحيدة

من جهته، انتقد علي البيشي غياب مركز للهلال الأحمر والدفاع المدني عن الحي، خاصة أنه محاط من مختلف الجهات بمصانع عدة قابلة لاندلاع الحرائق في أي وقت، مؤكدا أن أقرب مركز للدفاع المدني يقع في حي الدار البيضاء، بينما طالب محمد القحطاني بتوفير قطعة أرض داخل الحي وتخصيصها كمقبرة للسكان، خاصة وأن المقبرة الوحيدة مهجورة منذ 40 عاما تقريبا، مؤكدا أن سكان الحي يدفنون موتاهم في المقابر المجاورة لا سيما مقبرة جنوبي الرياض.

ووفق الأهالي، فإن معاناتهم لا تتوقف عند هذا الحد، بل إن الطرق داخل الحي تحولت من وسيلة لتسهيل سير المركبات إلى أداة إتلاف الطبقة الإسفلتية بسبب انتشار الحفريات الناتجة عن مرور الشاحنات الثقيلة، في ظل غياب الصيانة الدورية، وبينوا أن الحفر والمطبات أتلفت مركباتهم وأنهكت جيوبهم بعد أن ساهم مشروع الصرف الصحي المتعثر منذ أشهر في شق بعض الشوارع، ومع مرور الوقت تحولت هذه الحفر على مصائد للمركبات، وقالوا: «أصبحنا زبائن دائمين لدى ورش السيارات بسبب الحفريات».

انتشار العشوائيات

وانتقد عدد من المواطنين، منظر المركبات المخالفة التي تقل عشرات العمال إلى مقار سكنهم وباتت المشهد مألوفا يوميا، وقالوا إن هذه المركبات مخالفة ولا تحمل لوحات وتستخدم داخل الحي فقط، فيما انتقد آخرون كثرة مخلفات المصانع والحفريات، وانتشار العشوائيات، إلى الحد الذي أصبحوا معه جزءا من هذه المخلفات، على حد تعبيرهم.

وذكروا، إن العمالة الوافدة تشكل خطرا كبيرا على السكان وخاصة «العائلات»، موضحين أن أحد العمالة الوافدة تسلل قبل مدة وجيزة إلى منزل سيدة «مسنة» وحاول التحرش بها لولا تدخل بعض الجيران، حيث لاذ بالفرار من المكان، وهناك قصة أخرى لوافد قفز من على سور أحد المنازل في أثناء النهار محاولا السرقة، حيث استنجدت المرأة بجيرانها.

وأضافوا: «ليس هذا فحسب بل نسمع بين الحين والآخر أصوات طلقات نارية في فترات المساء ولا نعلم مصدرها»، لافتين إلى أنهم أصبحوا يخافون على نسائهم وأطفالهم من خطر العمالة المنتشر داخل الحي المكتظ بالعائلات، وطالبوا بتكثيف التواجد الأمني خاصة فترات المساء للحد من خطورة العمالة وانتشار السرقات والتحرشات.

ويقول آخرون إنه يوجد عدد كبير من المنازل المهجورة داخل الحي منهارة أجزاء منها، حيث تستخدمها العمالة الوافدة للسكن وإخفاء ما لديهم من مسروقات من حديد وخردوات وغيرها وتستخدم أيضا كأوكار لتصنيع المسكر والتستر فيها على وافدين من بني جلدتهم بعيدا عن الأنظار.

وهذه المنازل تحولت أيضا إلى بيئة خصبة لتجمع الزواحف الخطرة والعقارب والحيوانات الضالة وبعض المنازل المهجورة والآيلة للسقوط ملاصقة تماما لمنازل تسكنها العائلات مما يشكل خطرا جسيما عليهم، بل إن هناك سكن عمال لا يبعدون عن مدرسة البنات سوى أمتار وهنا تكمن الخطورة.

حملة أمنية

إلى ذلك، أوضح مصدر أمني لـ«عكاظ»، أن الحي شهد في وقت سابق حملة أمنية نفذتها شرطة منطقة الرياض وقوة المهمات الخاصة ودوريات الجوازات وشعبة التحريات والبحث الجنائي بشرطة منطقة الرياض وأمانة مدينة الرياض، نتج عنها القبض على عدد من المطلوبين في قضايا أمنية وعدد مماثل من تجار المخدرات ومجموعة من المشتبه بهم وعمالة مخالفة لنظام الإقامة والعمل.

وبين المصدر أن الحملة والتي جاءت بتوجيه من أمير منطقة الرياض الأمير خالد بن بندر بن عبدالعزيز استمرت لمدة ثلاثة أيام.