-A +A
محمد الأحمد
يقول سبحانه وتعالى (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب) {الرعد: 28}.
ذكر الله من أفضل الطاعات وأجل القربات بل أفضلها لأن المقصود بالطاعات ذكر الله تعالى قال تعالى (ولذكر الله أكبر) {العنكبوت: 45}.

والذاكرون الله تعالى هم أهل الانتفاع بآياته وهم أولو الألباب والعقول قال تعالى (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لأيات لأولى الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعود وعلى جنوبهم) {آل عمران: 190-191}.
جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (علمني كلاما أقوله: قال قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا، سبحان الله رب العالمين لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، قال فهؤلاء لربي فمالي؟ قال قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني). مسلم برقم 2696 وزاد ابو داود برقم 832: (فلما ولى الاعرابي قال النبي صلى الله عليه وسلم لقد ملأ يده من الخير).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أفضل الدعاء الحمد لله وأفضل الذكر لا إله إلا الله). رواه الترمذي.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب).
عرفنا أن القلب الصحيح هو الذي يقوم بعمله من معرفة الله ومحبته والإنس به والشوق إليه، وأن القلب المريض الذي يتعذر ذلك عليه ولا يصدر منه أو قد يصدر منه بعض ذلك مع نوع من الاضطراب أو التشويش وحينئذ تظهر علامات المرض:
ومن علامات مرض القلب، بل من دلائل موته أنه لا تؤلمه جراحات القبائح، ولا توجعه المعاصي، ولا تحرقه الآثام؛ بل يفعل المعصية دون أن يشعر بتحرج أو ندم أو أرق.
فإن القلب قد يمرض ويشتد مرضه، ولا يعرف به صاحبه، لاشتغاله وانصرافه عن معرفه صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، لا تؤلمه الذنوب، ولا يوجعه جهله بالحق، وعقائده الباطلة، فإن القلب إذا كان فيه حياة تألم بورود القبيح عليه، وتألم بجهله بالحق.
أما من كان قلبه صحيحا عرف الله، ومن عرف الله أحبه وأخلص له العبادة ولم يؤثر عليه شيئا من الشهوات فمن آثر عليه شيئا من ذلك فقلبه مريض فاقد للتذوق كما أن النفس إذا اعتادت أكل الخبيث وآثرته على الطيب سقطت عنها شهوة الطيب وفقدتها، وتعوضت بمحبه الخبيث غير الطيب.
ودواء القلب إخراجه من ظلمات الشهوات والمعاصي إلى بحر انوار الأذكار كي يعود إلى خلقته الاولى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه. فإن تاب ونزع واستغفر صقل منها، وإن زاد زادت حتى يغلف بها قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه: {كلا بل ران على قلوبهم}) رواه الترمذي.
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير، عودا عودا. فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على قلب أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه) رواه الإمامان أحمد ومسلم، وقد فسر أحد رواة هذا الحديث معنى (أسود مربادا) قال: شدة البياض في سواد، و(الكوز مجخيا) قال: منكوسا.
قال ابن القيم رحمه الله:
إن في القلب شعثا: لا يلمه إلا الإقبال على الله.
وعليه وحشة: لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته.
وفيه حزن: لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته.
وفيه قلق: لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه.
أسأل الله لي ولكم أن يجعلنا من اهل القلوب المطمئنة في الدنيا والآخرة.