-A +A
د. حسن النعمي
اطلعت على القائمة التي نشرتها مجلة ميوزي الإنجليزية لأفضل 100 رواية في تاريخ الكتابة الروائية. ولم يذكر الخبر ما هي المعايير التي اعتمدتها المجلة، كما لم يذكر الخبر هل التقييم عبر استفتاء مفتوح من قبل قراء عاديين، أو استفتاء مطروح للنقاد ومختصين في الفن الروائي، أم لجنة تحكيم منتخبة لهذا الأمر؟ وبأي معنى مما سبق، هل هناك نظرة جغرافية في اختيار الأعمال أو من قام بالاختيار، أو في اختيار العينة التي وقع عليها الاستفتاء، ومدى تمثيلها للثقافات المختلفة؟ فنحن نتحدث عن أفضل 100 رواية في العالم، وليس في بلد بعينه.
صيغة التفضيل دائما حكم غير دقيق، وغير علمي. ذلك أن التفاوت في التجارب وسنوات النشر يجعل المفاضلة في غير محلها. والمفاضلة لا تتم إلا بين شيئن متقاربين في الظروف مع ما يكتنف ذلك من محاذير، فكيف يكون الحال والمفاضلة بين 100 رواية مختلفة في التوزيع الجغرافي، ومختلفة في سنوات النشر، مختلفة في المرجعيات الثقافية؟! لا شك أن المفاضلة غير دقيقة، وربما الهدف منها مجرد الإعلام. فالتقييم الفني لكل رواية يختلف بالضرورة عن الأعمال الأخرى، فسنجد من يبحث عن روايات لم يجد لها مكانا في القائمة رغم أفضليتها بالنسبة له.

ورغم جودة معظم الروايات المشار إليها في هذه القائمة، فإن هناك أعمالا لا تقل أهمية، سواء في ريادتها أو في تشكيلها لمسارات استثنائية في صناعة الرواية لم يقع عليها الاختيار، مثل رواية العجوز والبحر لإرنست همنجواي، وقصة مدينتين لتشارلز دكنز، وثلاثية نيويورك، غيرها من الروايات.
أما اختيار الروايات العربية، فهو أيضا يحمل علامات استفهام كبيرة، فإذا كان معظم القراء يتفقون على استحقاق ثلاثية نجيب محفوظ لجودتها وللتحول الذي صنعه في مسيرة الرواية العربية التي أوصلت كاتبها إلى جائزة نوبل مع أعمال أخرى، فإن الروايات العربية الأخرى تجد ما ينافسها من حيث الجودة وربما تتفوق عليها. فرواية الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال من روائع الرواية العربية، وروايات عبدالرحمن منيف، وخصوصا مدن الملح، وروايات الطاهر بن جلون، وروايات إبراهيم الكوني التي تحتفي بالصحراء إنسانا وثقافة، ورواية ليون أفريقيا لأمين معلوف التي تبحث عن فكرة التعايش بين الشعوب، كل هذه الأعمال على جودتها غابت عن هذا التصنيف والاختيار.
كما أن غياب الرواية في دول الجزيرة العربية ودول المغرب العربي يشكل نقطة تساؤل، وبخاصة أن المعايير تبدو غير فنية. ففي اليمن رواية الرهينة لمطيع دماج، وفي السعودية رواية خاتم لرجاء عالم، وفي الكويت رواية إسماعيل فهد إسماعيل عندما كانت السماء زرقاء. المفارقة أن روايات البوكر لم تكن من ضمن مختارات هذه القائمة.
المفارقة الأخيرة تم اختيار (أعمدة الحكمة السبعة) لتوماس لورانس أو لورانس العرب على أنها رواية، بينما هي سيرة ذاتية للقائد البريطاني الذي وضع فيها خلاصة تجربته السياسية في إدارة أنظمة دول الشرق الأوسط بعد سقوط الدولة العثمانية، وساهم في قيام الثورة العربية الكبرى. فقد صنف هذا الكتاب على أنه رواية دون أدنى مسؤولية أدبية أو علمية.
حقيقة، لا أرى جدوى هذه التصنيف، فالجودة بطبيعتها نسبية، وليس بالضرورة ما يناسب ذائقة يناسب غيرها، وما يناسب جيلا يناسب غيره. الفن مرتبط في وجودة بالمتحرك، ويكره الثابت. وهذه التصنيفات تصادر لحظات التطور التي مر بها الفن الروائي ويختزل في أعمال رغم جوتها إلا أنها تبقى نسبية. كما أن معايير الحكم والاختيار لا يمكن تطبيقها لاختلافات الذائقة، واختلافات المنطلقات، وعدم وضوح غايات الاختيار.