-A +A
حمود أبو طالب
المرة الأخيرة التي شاهدت فيها الرئيس عمر البشير عندما كان - كعادته - يتحدى ويهدد ويتوعد بأنه ذاهب لحضور اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة وأن لا أحد يستطيع منعه من عبور المحيط الأطلسي إلى أمريكا التي لا تملك صلاحية منعه أو مساءلته، فضلا عن القبض عليه، كما قال «وأكد في حديثه ذلك أنه قد حجز الفنادق وأنهى كل الترتيبات، وموعدنا معه في نيويورك».
كان الخطاب غير مختلف عن خطاباته السابقة من حيث المضمون والصيغة ونبرة الصوت ورفع العصا، غير أنه لم يقل هذه المرة إن أمريكا تحت جزمته، ربما تذكر في اللحظة الأخيرة أنها أمريكا التي تستطيع أن تفعل به ما تشاء دون سبب، فكيف لو تطاول عليها.
المهم، كنت أنتظر هل سيفعلها البشير ويسافر، وهل سيحاول السفر سرا كما فعل مؤخرا أم سيغادر أجواء السودان جهارا نهارا ويقتحم المجال الجوي الأمريكي فاتحا منتصرا، لكن هذا الاحتمال - أي احتمال السفر - لم يتحقق - رغم أنه غير وارد أساسا - بسبب إحدى تجليات سياسته العبقرية التي اختار لها أسوأ الأوقات، فقد قام برفع الدعم عن سعر الوقود وبعض المواد الاستهلاكية الأساسية فاشتعل السودان بالغضب، ونزل العسكر لحصد المدنيين المحتجين بالرصاص، لكن الأمور هذه المرة يبدو أنها ستكون مختلفة عن الانتفاضة المؤقتة التي حدثت قبل أشهر وانطفأت بالقمع والنار والحديد..
السودان بلد الثروة الطبيعية المتميزة ووطن العقول المبدعة تعرض لأسوأ الأوضاع والظروف الاقتصادية بسبب فانتازيا السياسة التي أبعدت عنه الصديق وجعلته مستباحا لقوى الشر وأطماعها في الدخول من خلاله لتنفيذ مخططاتها. رعونة السياسة هي التي جعلت السودان يفقد نصفه الجنوبي ويستمر في حروب ونزاعات من غربه إلى شرقه ومن شماله إلى جنوبه، وهي التي عزلته عن محيطه العربي وخلقت التوتر مع إقليمه الأفريقي وجعلته محاصرا من المجتمع الدولي..
الإنسان السوداني يكافح من أجل لقمة العيش الكريمة في أسوأ الظروف، بينما النظام يعيش حياة البذخ ويورط السودان في أزمة بعد أخرى يدفع ثمنها ذلك الإنسان المقهور المتعب، ويهدد العالم بأن من يقول للنظام أنت على خطأ سيضعه النظام تحت الجزمة!!
يا لها من أقدار حين يدار بلد عظيم كالسودان وشعب عبقري كالشعب السوداني بمثل هذه السياسات التي أضاعت الأرض وقهرت الإنسان الذي يبدو أن صبره قد نفد وقرر أن يستعيد الحياة اللائقة به.


habutalib@hotmail.com




للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250
موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة