-A +A
غازي عبداللطيف جمجوم
العنوان يمثـل الرسالة التي تنقلها أمانة جدة إلى مرتادي الكورنيش، حتى لو لـم تقلها صراحة، عندما تعود إلى تكديس المطاعـم في الناحية الغربـية الملاصقة للبحر والتي كان من المفترض أن تخصص فقط للتنزه والمشي. حمدنا الله على الانتهاء من عمليات تطويـر أجزاء مختلفة من الكورنيش وشكرنا للأمانة ما قامت به من جهود تشمل إنشاء مسارات للمشي بعرض (10) أمتار في الكورنيش الأوسط مثلا الممتد من حرس الحدود جنوبا حتى ميدان النورس شمالا. هذا الكورنيش لايزال من أهم وأجمل مناطق جدة رغم الاكتساح العمراني الهائل الذي شهده على مر السنين. للأسف الأمانة أعطتنا باليمين ثـم بدأت تأخذ باليسار. بالأمس أحصيت (10) مطاعم جديدة تحت الإنشاء على مواقع مميزة على البحر تزاحم المتنزهين على كل شبر يسعون للوصول إليه لرؤية البحر والاستمتاع بنسيمه العليل. لا أقصد هنا الأكشاك الصغيرة التي كانت موجودة عند الافتتاح الرسمي للكورنيش قبل بضعة أشهـر فهذه لا تشغل مساحة كبيرة، وتؤدي خدمات يطلبها زوار الكورنيش «على الماشي» حين يشتاقون إلى قارورة من الماء البارد أو كأس من الشاي أو القهوة أو حتى بعض المأكولات الخفيفة والآيس كريـم أو المكسرات. ما أقصده هو المطاعم الجديدة ذات الأسماء الكبيرة التي خصصت لها مساحات أكبر فبنت عليها صالات مكيفة مغلقة للجلوس بالداخل كما بسطت يدها على مساحات إضافية مظللة حولها تنشر عليها طاولاتها وكراسيها المحجوزة فقط لمرتاديها. لا شك أن هذه المطاعم بأسمائها الكبيرة وأكلها اللذيذ سوف تجذب الكثير من الزبائن بسبب المواقع المتميزة التي أعطتها لها الأمانة على البحر مما لا تحلم بمثله في مدن أخرى، ولذلك ستتحول النزهة البحرية للكثيرين في جدة إلى الجلوس في مطعم مكيف وتناول مختلف الوجبات الدسمة الشهية. وبدلا من المشي وحرق السعرات في الممشى الجميل سينتهي بهـم الأمر إلى اكتساب سعرات إضافية كثيرة.. أنا لا أعترض أبدا على المطاعم التي تقع على الناحية الشرقية من الكورنيش والتي لازال يمكن منها أيضا رؤية البحر بل كثيرا ما أرتادها مع الضيوف والأصدقاء لأن منظر البحر «يفتح النفس» في أي مكان وأي مناسبة. وفي الواقع إن الكورنيش الأوسط مثل غيره يكتظ على جانبه الشرقي الذي لا يبعد إلا أمتارا قليلة عن البحر بكافة أنواع المطاعم التي يمكن تخيلها، وقد أحصيت منها على الأقل 52 مطعما على مسافة (4 و 3) كيلو متر فقط، تشمل الفنادق ومنتزهات الألعاب التي يحتوي كل منها على العديد من المطاعم المختلفة بما في ذلك كافة الأسماء الكبيرة. لذا لا يوجد هناك مشكلة أمام أي شخص في أن يجد المطعم الذي يفضله وأن يقصده عندما تكون له الرغبة في تناول وجبة كاملة.. ما لا أستسيغه ولا أقبله هو هذا الاستغلال المجحف للأماكن المخصصة للنزهة على الجانب الغربي من الواجهة البحريـة والتي لا تكفي مساحتها بتاتا للأعداد الكبيرة من المتنزهين الذين يأتون إليها أساسا لرؤية البحر و «شـم الهـواء» فتجعلهـم هذه المطاعم التي تفرضها الأمانة عليهم يقعون فريسة لإغراء الأكل الذي يصعب تفاديه. لقد أصبحت السمنة مشكلة عالمية تحتـل دول الخليج العربي منها مراتب الصدارة بين الأمم. طبعا أنا لا أحـمـل الأمانة مسؤولية هذه المشكلة، فكل منا مسؤول عن المحافظة على وزنه وصحته، ولكن مسؤوليات الأمانات تشمل الكثير من الأمور الصحية مثل نظافة المطاعـم وسلامة الوجبات التي تقدمها. وفي الزمن الحالي تتنافس أمانات المدن المتقدمة على تبني أمور كثيرة ذات مردود صحي جيد مثـل خفض ملوثات الهـواء وتوفير الأرصفة الواسعة والمسارات المخصصة للمشي وركوب الدراجات لتشجيـع المواطنين على ممارسة الرياضة بانتظام. وعندما تمنـع الكثير من الدول بيـع المشروبات الغازية ذات السعرات المرتفعة في المدارس فإن ذلك يأتي من باب الحرص على حمايـة النشء من التعود على عادات غذائية سيئة.. باختصار ، الكورنيش لا شك هو أفضل مكان للمشي في المدن الساحلية لما يوفره البحر من منظر خلاب ونسيم خال من الأتربة ودخان السيارات مما لا يتوفر في أغلب الشوارع الأخرى. ومن المؤسف أن تحيـل أمانة جدة كورنيش جدة الجميـل إلى أحد أكـبر مجمعات الأكل في العالم.