-A +A
محمد بن علي الهرفي
هناك مسلمات لا بد من الاعتراف بوجودها، ومن هذه المسلمات أن كل جهاز من الأجهزة، سواء أكان حكوميا أم أهليا، لا يمكن أن يخلو من الأخطاء. صحيح أن هذه الأخطاء قد تتفاوت ما بين جهاز وآخر كثرة أو قلة، وصحيح أنني مع مقولة: إن الذي لا يعمل هو الذي لا يخطئ، وبالتالي أن الذي يعمل ربما يخطئ، ولكن المطلوب أن لا يتعمد أحد الخطأ، والمطلوب أيضا أن لا نسكت عن الأخطاء، سواء الشعب أم الجهات المسؤولة عن المراقبة والمحاسبة، والمطلوب أيضا أن لا نضخم الأخطاء إذا قام بها البعض، ونتغاضى عنها إذا قام بعض آخر، ليعرف الجميع أن العدالة ستطبق على الجميع، وهذه كما نعرف هي إرادة خادم الحرمين الشريفين التي عبر عنها مباشرة وهو يوجه تعليماته لرئيس هيئة مكافحة الفساد (نزاهة)؛ لأنه يعرف أهمية العدالة ومدى تأثيرها على جميع المواطنين.
هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هيئة حكومية لها نظامها الذي قررته الحكومة، فهي ــ بالتالي ــ ليست نشازا في هذا البلد، ولم تفرض عليه بالقوة، شأنها شأن أي وزارة أخرى في بلادنا، ومن هنا يجب أن يتم التعامل معها مثل التعامل مع أي جهاز آخر؛ نحمد لها محاسنها وننتقد مساوئها بعدل واتزان وموضوعية، لا يهمنا هنا أكنا ممن يرضى عن عملها من حيث المبدأ أو يختلف معها جملة وتفصيلا، فالعدل ليس مرتبطا بالرضى أو الغضب، ونحن ينبغي أن نلتزم بقوله تعالى (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).
الذي تابع ما كتب عن الهيئة في الأيام القليلة الماضية، بعد الحادث الذي تعرض له شابان وأدى إلى وفاتهما، يصاب بكثير من العجب حول طريقة تناول الإعلام لهذا الحدث؛ فالغالبية العظمى من الذين كتبوا عن الحدث أدانوا رجال الهيئة مباشرة وطالبوا بإيقاع أقصى العقوبات عليهم!! وهذا ــ كما أعتقد ــ ليس له ما يبرره وهو يجافي أبسط قواعد القانون والشريعة التي تطبقها بلادنا، وهي: أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، فكيف نستسيغ المطالبة بمعاقبة أشخاص لم تثبت إدانتهم حتى الآن، بل إنني أعتقد أن التحقيق معهم لم ينته حتى الآن؟! ألم يكن بالإمكان الانتظار حتى يقول القضاء كلمته، ثم يقول الإعلاميون وغيرهم كلماتهم؟! ماذا سنقول لهؤلاء الذين اتهموا وشوهت سمعتهم إذا ثبتت براءتهم؟! كل كلمات الاعتذار لن تكون كافية لتبييض سمعتهم التي سودتها تلك الكتابات!!
ومن غرائب هذه الحادثة ما نسب للرئيس وما قيل عنه بعد ذلك مما يستحيل تصديقه!! كتبت بعض الصحف وفي صفحتها الأولى: أن رئيس الهيئة ذهب معزيا أهل الميت وصرح في هذا العزاء ــ بحسب الصحيفة ــ أنه لن يقبل أي شفاعة في رجال الهيئة ولو على رقبته!! ثم نسب إليه تصريح آخر أشد غرابة من الأول وهو أنه لن يسمح للمحامين بالدفاع عن المتهمين وتوعد من يفعل ذلك!! رئيس الهيئة نفى الخبر، ونفى الخبر الآخر وهو أشد سوءا من سابقه، وهو أن هناك محاولة لاغتياله ولكنها فشلت!!، والذي أورد الخبر توسع فيه بأريحية لا أدري من أين جاء بها، مع أن الخبر مكذوب من أساسه، فقال: إن الذي قام بهذه المحاولة الإخوان السروريون!! مرة أخرى وعلى فرض صحة الخبر ــ وهو غير صحيح ــ كيف عرف أن مرتكب المحاولة هو من الإخوان؟، ثم كيف استطاع أن يجمع بين الإخوان والسروريين؟! هذا الجمع مثل أن يقال: أن هذا شيوعي رأسمالي!!
الخبر مكذوب من أساسه، وهذا ما أكده الناطق الإعلامي للهيئة، والخبر الآخر نفاه رئيس الهيئة، وهنا لا بد من إثارة سؤال مهم: ما هي مصلحة أي كاتب أو صحفي في إيراد معلومات كاذبة وفي غاية الأهمية، ولها انعكاسات خطيرة على المجتمع؟! هل الإثارة الصحفية كافية لمثل هذا العمل؟ هل السبق الصحفي مبرر للأكاذيب؟ أسئلة كثيرة تثار في مثل هذه الحالات، وهنا لا بد من التدخل لإيقاف هذه الأخطاء التي لا تخدم بلادنا، بل تسبب إشكالات نحن في غنى عنها.
قلت، في بداية مقالي، إن العدالة والشفافية هي التي تكسب احترام الناس، أما المبالغات والأكاذيب فهي تحط من مكانة الكاتب ومن مكانة الوسيلة التي كتب فيها هذا الكلام، والهيئة ارتكبت أخطاء، وكنت واحدا ممن كتب عنها أكثر من مرة، ولكن هناك فرق بين النقد المبني على الحقائق وبين اختلاق الأكاذيب، وهذا ما أتمنى أن نبتعد عنه لكي نبني معا إعلاما قويا له مكانته واحترامه.
نطالب الهيئة بتحسين أدائها وتدريب كوادرها بشكل يحقق لهم القيام بعملهم بصورة جيدة، وأن تمد جهازها بأشخاص ذوي خبرة عالية وثقافية جيدة في العمل الاحتسابي، هذا سيحقق لهم القبول في قطاعات كبيرة ويجعل عملهم مرحبا به إلى حد كبير.

malharfi@hotmail.com