-A +A
غازي عبداللطيف جمجوم
التقريـر الخامس الذي صدر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) قبل أسبوعين في ستوكهولم ، وكل تقريـر سابق أو لاحق صادر عن هذه الهيئة، يستوجب منا الانتباه والفهم والمناقشة والاقتناع وأهم من هذا كله، المشاركة بدورنا فيما يخص المشكلات الكونية الناتجة عن التغير المناخي والتي لا تستثني أحدا في العالم. هذه الهيئة تشمل أكبر المختصين في علوم المناخ وتمثل دول العالم كلها وهي المكلفة بإصدار تقاريـر دورية كل بضع سنوات ولذا فهي تعتبر المرجعية الأولى فيما يخص أمور المناخ. وهذا التقريـر بالذات سيكون الأساس الذي تستند عليه قرارات مهمة وملزمة ينتظر أن تـتمخض عن الاجتماع الدولي المقـرر عقده في باريس في 2015م. التقرير الكامل معد للمختصين ولكن الهيئة نشرت على موقعها مختصرا له في 36 صفحة لصناع القـرار وغيرهم. يفرق هذا التقريـر بوضوح بين التغيرات التي حدثت فعلا حتى الوقت الراهن وبين ما هو متوقع حدوثه مستقبلا، كما يصنف درجة احتمال وقوع التغيرات المستقبلية إلى عالية أو متوسطة أو منخفضة. التغيرات التي حدثت بالفعل حتى الآن قد تبدو للكثيرين طفيفة ولكن ما هو متوقـع من قبل هيئة المختصين سيؤدي في أحسن التوقعات إلى نتائج خطيرة أما في أسوئها فإلى نهايات كارثية. التقريـر يؤكد على ربط هذه التغيرات بالانبعاثات التي تسببها الأنشطة البشرية المتـمثـلة في حرق الوقود الأحفوري المؤدي إلى تزايد الغازات الدفيئة في الجو. هذه الغازات تزايدت بشكل كبير. ثاني أكسيد الكربون، وهو أهم هذه الغازات، زاد تركيزه منذ عام 1750م بنسبة 40%. هذه الزيـادة أدت إلى ارتفاع أكيد في درجة حرارة الأرض ما بين 1880 و2010م بلغ 0.85 درجة مئوية. أي أن ازديـاد سخونة الأرض لم تعد احتمالا نظريـا بل حقيقة ملموسة. يشمل ذلك المحيطات التي زادت درجة حرارتـها أيضا مما يمثـل عاملا مهما في تشكيل الأعاصير. ووفق أسوأ التوقعات قد ترتفـع درجة حرارة الأرض 4.8 درجات مع نهاية القرن الحالي. سخونة الأرض أدت إلى ذوبان وتقلص الجليد بصورة واضحة في عدد من المناطق التي تعتبر مخازن رئيسة للجليد في العالم مثـل جرينلاند والقطب الشمالي وأنتارتيكا. مقدار تقلص الجليد بين 1971م و2009م كان حوالى 226 ألف مليون طن في العام. المشكلة لا تتوقف هنا فذوبان الجليد مع ارتفاع درجة حرارة المحيطات أديـا إلى ارتفاع سطح البحر فعلا بمقدار 19 سم بين عامي 1901 و2010م . هذا الارتفاع يشكل بداية كارثية للعديد من المدن الساحلية التي قد يختفي الكثير منها قبل نهاية القـرن لو تحقق، لا قدر الله، أسوأ الاحتمالات في النماذج التي طرحها التقريـر، حين ترتفـع مياه البحر ما بين 36 ــ 82 سنتيمتر. زيـادة حدة الأعاصير في بعض المناطق والجفاف في مناطق أخرى تشكلان نتيجتين أخريين من النتائج الكارثية للتغيرات المناخية المتوقعة. وعندما ضرب إعصار كاترينا مدينة نيو أورلينز وإعصار ساندي مدينة نيويورك الأمريكيتين مخلفين دمارا هائلا تـم ربط هاذين الإعصارين بالتغيرات المناخية وبدأ الكثير من الأمريكيين يغيرون مواقفهـم المتشككة من صحة المعلومات المتعلقة بالتغيرات المناخية ودقة توقعاتها، كما بدأت عدة مدن أمريكية في اتخاذ إجراءات كبيرة ومحسوسة لخفض التلوث. التقريـر مليء بالإحصائيات ويمكن الاطلاع على مختصر له في 36 صفحة على موقع الهيئة. وأهم نتائجه هو إلقاء المسؤولية على حكومات العالم لاتخاذ إجراءات فاعلة لخفض تلوث الجو بالانبعاثات الناتجة عن الوقود الأحفوري..
ماذا بالنسبة لنا ؟ نحن جزء من العالم وتقع علينا مسؤولية المشاركة في كافة الجهود التي لا بد أن تبذل لإنقاذ كوكب الأرض من مستقبل مليء بالكوارث الطبيعية. يمكننا أن نبدأ بخفض استهلاكنا المحلي من النفط الذي يشكل مصدر دخلنا الأساسي، وهو أمر ضروري لاقتصادنا حتى بغض النظر عن الأمور البيئية. أيضا ينبغي لنا تطويـر مصادر الطاقة النظيفة خاصة الطاقة الشمسية التي من الله علينا بالكثير منها وطاقة الرياح. ومن المهم ألا ننظر إلى جهود العالم لتقليل حرق النفط وكأنها موجهة ضدنا. فالطلب على النفط سيبقى لا شك لفترة طويلة، كما هي الحال الآن، حيث لم يشهد تراجعا يذكر في الأعوام الماضية رغم كل الجهود المبذولة لتطوير بدائل أخرى. كما أن النفط مصدر غني لمشتقات صناعية كثيرة لن يستغني عنها العالم أبدا وأي ترشيد في استهلاكه سيساعدنا على الاحتفاظ بثروة مستمرة للأجيال القادمة. لقد حان الوقت لاستيعاب حقيقة وخطورة التغيرات المناخية المتوقعة والعمل جماعيا للحد منها.