-A +A
عبدالله آل هتيلة (جدة)
اقرار مجلس الوزراء الاثنين الماضي تحديد القيمة الاسمية للسهم بـ10 ريالات والموافقة على تأسيس مصرف «الانماء السعودي» برأسمال 15 مليارا وطرح 70% من اسهمه للاكتتاب العام للمواطنين قبل نهاية العام الحالي وقبل ذلك السماح للمقيمين بالتداول في الاسهم كلها اجراءات لإنقاذ سوق الاسهم من الانهيار ما يعجل بطرح السؤال: من هم المتلاعبون بسوق الاسهم وما هي وسائلهم في هذا التلاعب؟ كيف يمكن قطع الطريق امامهم بما يحفظ لسوق الاسهم توازنه واعادة الثقة للمتعاملين فيه؟

هذه التساؤلات وغيرها طرحناها على نخبة من الاقتصاديين والمختصين ورجال وسيدات الاعمال المتداولين في سوق الاسهم الذين كشفوا بعض اوجه التلاعب التي يقوم بها مسؤولون واعضاء في مجالس ادارات شركات مساهمة وصحفيون ومحللون ماليون يديرون محافظ معينة او يروجون لحساب عملاء معينين لهم لافتين الى ان اكثرمن 70% من المتعاملين في سوق الاسهم لم يكلفوا انفسهم عناء قراءة لائحة سلوكيات السوق مما اسهم في التلاعب على صغار المستثمرين الذين يشكلون القاعدة العريضة للسوق، داعين في الوقت ذاته الى توفير آليات متكاملة لاستثمار السيولة المتوفرة في السوق وزيادة عدد شركات الاكتتاب العام وهو ما تحقق جانب منه في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة بالموافقة على تأسيس مصرف الانماء السعودي.



من هم المتلاعبون



المتلاعبون في سوق المال كلمة شاملة ومطاطة من وجهة نظر تركي فدعق يمكن ايراد اكثر من تصنيف تحتها. فهناك بشكل رئيسي الاطراف المشاركة في سوق المال بفعالية متعددة الجوانب منهم المستثمرون والمساهمون في السوق والشركات او بعض اعضاء مجالس اداراتها والوسطاء الذين يشكلون حلقة الوصل بين البائع والمشتري.

وبصفة عامة يجمل المتلاعبون في المخالفين للائحة سلوكيات السوق وفيما لو اجريت دراسة على عدد الذين يقرأون لائحة سلوكيات السوق من المتعاملين لوجدنا ان اكثر من 70% لم يقرأوها.

ومن امثلة المتلاعبين يشير الى اننا نجد احيانا احد رجال الاعمال عضو مجلس ادارة في احدى الشركات المساهمة في السوق يملك محفظة كبيرة ويعتبر من كبار المساهمين يقوم بالاتصال بالبنك في الصباح قبل افتتاح السوق فيوجه بوضع او امر شراء بكميات كبيرة على سهم معين وعلى اثر ذلك ينتشر الخبر وبعد مرور عشر دقائق يقبل المساهمون باعداد كبيرة على شراء هذا السهم، في نفس الوقت يلغي رجل الاعمال اوامر الشراء وبمجرد ارتفاع قيمة السهم الى مستويات عالية تجري عملية البيع.

هذا الشخص كعضو مجلس ادارة ومستثمر كبير في السوق يصنفه فدعق بأنه متلاعب.

د.سالم باعجاجه يعتقد ان معظم المتلاعبين في السوق افراد من كبار الهوامير اصحاب المحافظ الكبيرة وبالتالي يستطيعون التحكم في مسار السوق بالاتفاق مع آخرين اما صناديق الاستثمار في البنوك فتخضع لتحديات بين هذه البنوك واقرب مثال على ذلك قيام بنكين كبيرين يملكان حصصا كبيرة في احدى الشركات بالتحكم في سعر السهم ما يعتبر تلاعبا.

من نفس الآلية التي ينفذ منها المتلاعبون لممارسة ألاعبيهم في سوق الاسهم يسوق تركي فدعق المثال التالي:

احد المستثمرين لديه محفظتان الاولى في بنك والاخرى في بنك آخر او في نفس البنك ولكن باسم زوجته او احد اقاربه.. في المحفظتين ارقام كبيرة من الاسهم: الاولى يتم عرضها للبيع والثانية يتم شراؤها ثم تشتري الاولى من الثانية بسعر اعلى.

المتعاملون عندما يرون حجم الكميات والعرض والطلب على السهم يجدون ان كمية كبيرة كانت معروضة للشراء تم شراؤها ثم شراؤها مرة اخرى اعلى وهكذا فإن مسافة معينة ولتكن خمسة ريالات كفيلة بادخال كميات اخرى من مستثمرين آخرين او من صغار المستثمرين لانه تولد لديهم انطباعاً بأن هذا السهم تم عرضه بكميات كبيرة وتم شراؤها اذاً هناك حافز قادم فيقبلون عليه.. وهنا يكون للوسيط الذي يتعامل مع المستثمر دور في هذا التلاعب.

وهناك اسلوب آخر من التلاعب يعتمد على تسريب معلومات مغالطة للواقع بحيث يقوم عضو في احد مجالس الادارات باعطاء معلومات لأحد المتعاملين بغرض التأثير على الاسعار بشكل غير قانوني ومخالف للواقع وهو تلاعب يعتقد تركي فدعق بأنه امر طبيعي لا بد ان يحدث في اي سوق يتجه نحو التنظيم.

مضاوي الحسون تشير في هذا السياق الى اختبارات تجري للوسيط في دول اوروبا وامريكا قبل ان يمارس مهامه في السوق المالي مثلما يجري اختبار مماثل لاي متعامل في سوق الاوراق المالية داعية الى تطبيق ذلك لدينا حيث لا يوجد اختبار موحد لموظفي البنوك المكلفين بادارة الاسهم او للوسطاء حتى تكون لديهم دراية كافية بالقوانين وحتى يكونوا مدركين لاي تلاعب قد يحدث في السوق.. وتتساءل مضاوي: كيف اراجع اي وسيط وعلى اي اساس اذا لم تكن هناك قوانين تحدد مسؤولياتهم.

تركي فدعق يقر من ناحيته ان السوق الآن ليس نموذجيا ولكنه يتجه الى ذلك وحتى استكملت اللوائح التنفيذية من قبل هيئة سوق المال ستتم مراقبة الوسطاء واعمالهم على ارض الواقع مؤكدا مرة اخرى ان التلاعب يتم في اي سوق مالي يتجه نحو التنظيم واستكمال آلياته بشكل يتفق مع المعايير العالمية ولكن تبقى المسألة نسبية ويبقى الدور الرقابي من قبل الجهات المشرفة على السوق امرا في غاية الاهمية.

كما ان عمليات الضبط وعدم تجاوز النظام واللوائح من قبل أي شخصي مع فرض العقوبات المناسبة امر هو الآخر في غاية الاهمية.



تلاعب صناع السوق



وفيما يرى د.سالم باعجاجه ان التلاعب قد يتم من قبل صناع السوق بالاتفاق فيما بينهم على رفع قيمة سهم معين مستغلين في ذلك الاشاعات ما يجل صغار المستثمرين يقبلون على شرائه.

ويتفق كل من د.زياد القرشي ود.نايف الشريف على ان المادة 49 من لائحة سلوكيات السوق قد حددت الاشخاص المتلاعبين وتطبيق العقوبات بحقهم، فهذه المادة توضح ان اي اجراء لصفقات تداول وهمية في سوق الاسهم يعتبر من انواع التلاعب في سوق الاسهم وحددت المادة ايضا ان ادخال الاوامر للبيع او الشراء مع العلم المسبق بأنه سيتم شراء هذه الاسهم من محفظة الى اخرى يعتبر ايضا نوعا من انواع التلاعب.



انطباعات مضللة.. وصفقات وهمية



كما حددت المادة 49 من لائحة سلوكيات السوق الاشخاص المتلاعبين بسوق الاوراق المالية فأي شخص يوجه انطباعا غير صحيح او مضلل يكون متلاعبا وأي شخص يقوم بعقد صفقات في اوراق مالية ولا تنطوي على انتقال حقيقي لملكية هذه الاوراق يعتبر متلاعبا.. فلو افترضنا جدلا ان شركة من شركات المساهمة طرحت اسهمها للاكتتاب فالذي يحدث دائما انه خلال فترة التأسيس يقوم الشركاء المؤسسون ببيع حصصهم التي كانوا اقترضوها من البنوك وبالتالي يعتبر سلوكهم هذا نوعا من التضليل لانهم يلجأون الى بيع الحصص على اساس عدم استفادة البنك من الفوائد فيصبح السوق غير مستقر.. اذاً الشركاء المؤسسون غير حقيقيين وانما شركاء وهميون وهذا يعتبر تلاعبا.

ويتفق د.سالم باعجاجه مع كل من د.زياد القرشي ود.نايف الشريف في ان المادة 49 من نظام هيئة سوق المال حددت من هم المتلاعبون ويرى ان معظمهم من المساهمين الاساسيين في الشركات الذين يملكون واقاربهم اسهما بكميات كبيرة وبالتالي يستطيعون التحكم في السوق.

وحول ما اذا كان هؤلاء المتلاعبون افراداً ام جماعات او شركات ومؤسسات يعزو د.زياد القرشي ارتفاع السوق وانخفاضه الى مستويات قياسية الى صناديق الاستثمار الخاصة بالبنوك او مجموعة هوامير يتلاعبون بسوق الاسهم من خلال عقد صفقات وهمية باتفاق فيما بينهم مما يؤدي الى الاضرار بالسوق فيما يرى د.نايف الشريف ان الاشكالية تتمثل في الشفافية، فلا توجد معلومات واضحة عن المتلاعبين بالسوق ولا عن من يتحكمون فيه او لماذا يرتفع وفجأة يهبط وما هي العوامل المحركة له؟.. كل هذه الاسئلة وغيرها تظل لغزا محيرا حيث لا احد يعرف بالضبط لماذا يحدث ذلك في غياب المعلومات؟.. غير ان تركي فدعق يرى ان اي سوق مالي في العالم هو وسيلة لتوجيه المدخرات بادواته وآلياته من المدخرين الى المقترضين، وان الهيئات المشرفة على الاسواق المالية في مختلف انحاء العالم ليس من مهامها الدفاع عن الاسعار العادلة ايا كانت.



سوق غير نموذجي



وحيث ان سوق الاسهم ليس نموذجيا بالكامل، فإن ما يحدث فيه من تلاعبات يعد امرا طبيعيا لأي سوق يتجه نحو التنظيم او الترتيب او التهيئة لان يكون نموذجيا.والى ان تكتمل حلقاته ودوائره وصدور لوائحه التنفيذية والوسطاء وادارات المحافظ نستطيع وقتها ان نقول له ان السوق اصبح نموذجيا.