بعد غد نودع عاما هجريا انطوى بأحداثه وأحزانه وآلامه.. ونطوي صفحة من العمر هجرتنا دون أن تلتفت إلى مكنون قلوبنا أو ترحم رقيق مشاعرنا.. ونستجمع بقايا من روحنا التي ظلت منذ بدايات تشكلنا في الوجود تحن إلى حضن أمنا الدافئ، وإلى حبها الخالص والمجرد واللامتناهي، ليكون معينا للحب المنزرع فينا والمتخلق امتدادا لأرواح أمهاتنا الطاهرة وهي تشدو في عقولنا: أنتم أبناء اليوم. وإذا كنا أبناء اليوم.. فالموت هو الحقيقة الأبدية، وإذا كنا أبناء اليوم.. فالتحول هو الحقيقة الأزلية. لا شيء يبقى على حاله، فكل شيء فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
ونحن نستقبل عاما هجريا جديدا.. نعود رويدا رويدا إلى دوامة الحياة.. عملا وعبادة.. فعلا وتفاعلا.. عطاء وتقبلا. فمشيئة الرحمن وعدله قضيا بأنه يأخذ ويعطي. يأخذ ودائعه، ولكنه في الوقت نفسه يمنحنا الرضا والسلوان، بل ويمنحنا ما يفرح وما يبهج أيضا. فالحمد لله على ما أخذ. والحمد لله على ما أعطى.
في هذا اليوم أسترجع كذلك صباحات كنت أنتظر فيها جريدة ورقية تصل بيتي فتصلني بالعالم فكرا أو خبرا. ولكن التاريخ طوى أو كاد تلك الطقوس، وأحالنا مرغمين إلى شاشة الهاتف وهي تستعرض أخبار العالم، أو تنقل ما تجود به قريحة كاتب، أو تلقي علينا تحية أخ أو صديق، أو تربكنا بتذكير عن التزام عمل. وكما كانت الأوراق تحمل العميق والأقل عمقا، تحمل الشاشة لنا ذلك كله بشيء من السرعة، ولكن بشيء من المكر أيضا. وكما كنا نتخير من بين الصفحات، لزاما علينا أيضا أن نتخير من بين «الشاشات». ولكن هناك فرق! فبين الصحيفة الورقية وعينيك أمن وسلام وخصوصية جمة. أما بين عينيك والشاشة فهناك رقيب خفي لا تكاد تشعر به. بل لا تشعر به البتة.. (تحية صباحية لك يا سيد أوباما بهذه المناسبة، ولا تنس أن تبلغ سلامي للسيدة أنجيلا ميركل). هذا الرقيب اللامنظور يحرمنا حقا من حقوقنا الأساسية: حق الإنسان في الخصوصية. ولعلنا ودعنا ذلك أيضا إلى الأبد.
وفي هذا اليوم أسترجع حقوقا إنسانية أخرى تضيع أو تغيب تحت ذرائع شتى، خاصة فيما يتعلق بالمرأة. فلا أنت تمارس ذلك الحق، ولا أنت تمارس حقك في مناقشة ذلك الحق. ولكن حين تمعن التأمل في سنن الحياة، وفي جوهر الحق والعدل، فسوف تطمئن روحك يوما إلى أن التحول آت، وأن الحق آت، وأن العدل آت، وأن الرضا آت، وأن الجنة كذلك هي المثوى.
عام ملؤه السعادة والرضا لكل إنسان سعى في هذه الأرض خيرا، وعام ملؤه الأجر والمثوبة لكل من بر بوالديه دعاء وذكرا.
akashgary@gmail.com
ونحن نستقبل عاما هجريا جديدا.. نعود رويدا رويدا إلى دوامة الحياة.. عملا وعبادة.. فعلا وتفاعلا.. عطاء وتقبلا. فمشيئة الرحمن وعدله قضيا بأنه يأخذ ويعطي. يأخذ ودائعه، ولكنه في الوقت نفسه يمنحنا الرضا والسلوان، بل ويمنحنا ما يفرح وما يبهج أيضا. فالحمد لله على ما أخذ. والحمد لله على ما أعطى.
في هذا اليوم أسترجع كذلك صباحات كنت أنتظر فيها جريدة ورقية تصل بيتي فتصلني بالعالم فكرا أو خبرا. ولكن التاريخ طوى أو كاد تلك الطقوس، وأحالنا مرغمين إلى شاشة الهاتف وهي تستعرض أخبار العالم، أو تنقل ما تجود به قريحة كاتب، أو تلقي علينا تحية أخ أو صديق، أو تربكنا بتذكير عن التزام عمل. وكما كانت الأوراق تحمل العميق والأقل عمقا، تحمل الشاشة لنا ذلك كله بشيء من السرعة، ولكن بشيء من المكر أيضا. وكما كنا نتخير من بين الصفحات، لزاما علينا أيضا أن نتخير من بين «الشاشات». ولكن هناك فرق! فبين الصحيفة الورقية وعينيك أمن وسلام وخصوصية جمة. أما بين عينيك والشاشة فهناك رقيب خفي لا تكاد تشعر به. بل لا تشعر به البتة.. (تحية صباحية لك يا سيد أوباما بهذه المناسبة، ولا تنس أن تبلغ سلامي للسيدة أنجيلا ميركل). هذا الرقيب اللامنظور يحرمنا حقا من حقوقنا الأساسية: حق الإنسان في الخصوصية. ولعلنا ودعنا ذلك أيضا إلى الأبد.
وفي هذا اليوم أسترجع حقوقا إنسانية أخرى تضيع أو تغيب تحت ذرائع شتى، خاصة فيما يتعلق بالمرأة. فلا أنت تمارس ذلك الحق، ولا أنت تمارس حقك في مناقشة ذلك الحق. ولكن حين تمعن التأمل في سنن الحياة، وفي جوهر الحق والعدل، فسوف تطمئن روحك يوما إلى أن التحول آت، وأن الحق آت، وأن العدل آت، وأن الرضا آت، وأن الجنة كذلك هي المثوى.
عام ملؤه السعادة والرضا لكل إنسان سعى في هذه الأرض خيرا، وعام ملؤه الأجر والمثوبة لكل من بر بوالديه دعاء وذكرا.
akashgary@gmail.com