-A +A
علي فقندش
عرف عن الفنان محمد عبده تعلمه من جيل أساتذته، مثل طارق عبدالحكيم وعبدالله محمد وعمر كدرس، الفراسة والنباهة في جس النبض ومحاولة معرفة ما الذي يريد جمهور الغناء الذي يتخذ في الحفل أو في جلسة الغناء أمامه متكأ للاستماع والاستمتاع بالغناء، وذلك من خلال إجادة التمهيد للغناء «وذلك بالطبع بالموال أو المجس»، حيث يستطيع الفنان التعرف على ماذا يريد هذا الجمهور، والعكس ــ في نفس الوقت ــ صحيح، أي أن المستمع الجيد الملم بالمقامات الموسيقية يستطيع التعرف على ما الذي سيقدمه الفنان أمامه.
أحيانا، تغيب عن الفنان بعض النقاط التي تسبب له حرجاً في التمهيد أو في عدم اهتمامه بالتعرف على الجمهور أمامه، والذي سيتعامل معه في الأمسية أو ظروف المشاركة فرحا هي أم ترحا، أم أن هناك مشكلا ما يصاحب هذه المناسبة، أو غير ذلك من المسببات التي قد تحيل الأمسية من مساء فن إلى مساء مليء بالمشكلات.. وهكذا. ومما كان يحكيه طلال مداح ــ رحمه الله ــ ومحمد عبده أنه في ذات مساء جمع بعض كبار فنانينا في مناسبة إحياء فرح زواج ثانٍ لأحد أثرياء حارة اليمن أو الشام في جدة الذي قرر أن يتزوج ثانية، وبطبيعة الحال كانت في الكواليس تدور مشكلات بين أسرة الزوجة الأولى والعروس الجديدة القادمة إلى نفس البيت، ولم يكن الراحل الفنان فوزي محسون يعرف أن الزواج هو لعروس جديدة تأتي «طبينة» لزوجة العريس الأولى، وأن في الأسرة من يتقبل ذلك ومن لم يتقبله.

وما إن بدأ فوزي محسون الغناء حتى بدأ الاعتراك والقتال وتحول الحفل إلى معركة بين العائلتين، فقط لمجرد أن اختيار فوزي ــ رحمه الله ــ كان غير متناسب مع الحالة، حيث بدأ يغني أغنية جديدة سعيد هو بها، إلا أن نصها لم يتناسب مع الأمسية «قديمك نديمك.. لو الجديد أغناك»، وكأنه كان يعني وقوفه إلى جانب الزوجة الأولى رافضا الجديدة، ويومها لم يتم الفرح الذي انتهى بمعركة دون أن يغني الآخرون.
وفي حالة أخرى، كان طلال مداح ــ رحمه الله ــ يغني أمام كبار الوفود الرياضية في إحدى دورات الخليج، بحضور مستضيفهم الأمير فيصل بن فهد ــ رحمهما الله، وقدم أغنية جديدة كان نصها يقول «فينا واحد يلعب.. وفينا واحد يعاني.. وأعتقد فينا واحد ما يستاهل الثاني»، وكان النص كويتيا، ومن المصادفات يومها أن منتخبنا السعودي كان فائزا على الكويت لأول مرة في دورات الخليج وغيرها، بعد فوز لنا وحيد وتاريخي على الكويت في دورة عربية في المغرب ربما كان في الخمسينيات أو الستينيات لا أذكر، يومها كان الحرج باديا على الوفد الكويتي وعلى المستضيف، وكأن الأغنية كانت رسالة ساخرة!! وقد يحدث مثل ذلك الكثير. فالاختيار عنصر هام في اكتمال نجاح العمل الفني وانتظار عنصر المفاجأة والمصادفة وارد وارد.