-A +A
نجيب الخنيزي
في غمرة معارك أكتوبر 1973 المجيدة وتداعياتها العسكرية والوطنية والقومية، توقف قلب عميد الأدب العربي ورائد التنوير والعقلانية طه حسين عن الخفقان في 28 أكتوبر 1973، بعد حياة حافلة وغنية في أبعادها الشخصية والفكرية والإبداعية، وطال تأثيره مجايليه وتلامذته، محبيه ومبغضيه على حد سواء، وذلك على مدى أكثر من نصف القرن العشرين المنصرم. غير أن نتاج طه حسين الفكري ظل بعيدا عن التأثير الملموس بالنسبة لأجيال متعلمة متعاقبة نظرا لغلبة الاتجاهات التقليدية والمحافظة المسيطرة على مدخلات التعليم والثقافة، حيث صنفت أعماله بأنها تغريبية تدعو إلى التشكيك في المسلمات وطرائق البحث والتفكير السائدة. حرم طه حسين من البصر وهو في السادسة من العمر، غير أنه استبدلها ببصيرة ناقدة ومنهجية علمية صارمة خلخلت مسلمات قارة ووعي نقلي سائد في التعامل مع الموروث والتراث، الأمر الذي جعله يتمرد على تكوينه الأزهري التقليدي وينفتح على المناهج الفكرية والنقدية الحديثة، ودون أن يتخلى عن مكونه اللغوي والثقافي الكلاسيكي المتين. سيرته الذاتية جسدها في كتابه «الأيام» بأجزائه المتعددة والتي حوت مراحل مفصلة في حياته منذ طفولته في عزبة «الكيلو» بمحافظة ألمنيا بالصعيد الأوسط، حيث ولد في عام 1889 م مرورا بمرحلته الأزهرية ثم التحاقه للدراسة في الجامعة المصرية القديمة في سنة 1908 م. في عام 1914 نال إجازة الدكتوراه من الجامعة المصرية وكان موضوع دراسته «ذكرى أبي العلاء»، غير أن مرحلة التحول الكبير في حياة طه حسين والتي صاغت بعمق شخصيته الذاتية والثقافية والفكرية الجديدة، ارتبطت بفترة دراسته في فرنسا حيث نال شهادة الدكتوراه بدرجة ممتاز من جامعة السوربون في عام 1919 وكانت أطروحته عن ابن خلدون كما تزوج هناك من السيدة سوزان التي كان لها تأثير عميق في حياته. تقلد طه حسين عدة مناصب رفيعة، أستاذا في الجامعة، وعميدا لكلية الآداب، ووزيرا للمعارف، ونظرا لنزعته الليبرالية الواضحة انتمى لفترة إلى حزب الأحرار الدستوريين. أصدر العشرات من المؤلفات في شتى صنوف المعرفة والإبداع، من بينها كتابه المهم والخطير «في الشعر الجاهلي» الذي أصدره في عام 1926 مستخدما المنهج الشكي /العقلاني الديكارتي في قراءة الموروث الشعري والأدبي القديم، وقد أحدث الكتاب ضجة واسعة في الوسط الثقافي كما لاقى معارضة شديدة من قبل الاتجاهات والقوى المحافظة التي نجحت في منعه من التداول.