-A +A
حسن النعمي
من يتأمل واقع الأندية الرياضية بعين متجردة من الميول سيصل إلى نتيجة أنها أندية عاجزة عن المنافسة عربيا وقاريا وعالميا، والسبب في هذا الاستنتاج هو بنية الأندية التي لم تعد تصلح في عصر الاستثمار الرياضي. وسأطرح عدة نقاط لبيان هذا الرأي الذي قد يبدو صادما للكثير من المتابعين للرياضة.
أولا: الرياضة التي أعنيها هي كرة القدم مالئة الدنيا وشاغلة الناس. أنا ممن تمتعه المباريات الكبيرة، وأحرص على مشاهدة النهائيات الكبرى محليا وعالميا بوصفها أحداثا ثقيلة الوزن والمستوى اقتصاديا واجتماعيا أكبر منها مجرد كرة قدم. واقع كرة القدم في بلادنا واقع يعاني من فوضى إدارية ومهنية واقتصادية. فمن حيث الإدارة لم يتم الاعتراف بالمهن الرياضية وظيفيا حتى الآن. وهذا يؤكد النظرة السلبية لرياضة كرة القدم رغم الاحتفالية التي تلقاها، فمازال النظر إليها أنها مجرد هواية غير مجدية، وفيها من إضاعة الوقت الشيء الكثير، وهناك عشرات الأدبيات التي تقارن بين العقل والقدم. ما زلت أذكر أحد المعلقين المشاهير في الرياضة السعودية يصرخ عندما سجل أحد لاعبي المنتخب هدفا بضربة رأسية قوية (رأسه مثل قدمه). هذا الارتباك بين حب اللعبة والنفور منها يعد موقفا غير مرحب في الأصل.
ثانياً: بنية الأندية الرياضية غير سليمة من الناحية الاقتصادية. عند نشأة الأندية الرياضية كان الأمر مقبولا، حيث كانت الأندية تندرج تحت مسمى رعاية الشباب من مطلق تنمية الشباب والاهتمام بهم. من هنا كانت الأندية تحمل توصيف (اجتماعية، ثقافية، رياضية). مع تطور التجربة الاجتماعية وتعدد قنوات الثقافة تخلت الأندية عن هذه الأدوار، ولم يعد هناك من سياق آخر للأندية غير الاهتمام بالكرة. فلم تعد اجتماعية بالمفهوم الإنساني للكلمة، فلا تشارك الأندية في نشاطات اجتماعية أو في الأحداث التي تصيب المجتمع مثل سيول جدة على سبيل المثال، أما الدور الثقافي للأندية الرياضية فقد أطلقت وزارة الثقافة الإعلام رصاصة الرحمة على هذا الدور إذ أسندته الوزارة للأندية الأدبية على أن تنسق مع الأندية الرياضة لإقامة أنشطة مشتركة. ومن تجربتي في المجال الثقافي قام نادي جدة الأدبي بمخاطبة ناديي الاتحاد والأهلي بشأن التعاون الثقافي ولم يتم الرد مطلقاً.
من هنا تفرغت الأندية للرياضة ولكرة القدم خاصة، ومع هذا التغير لم يطرأ أي تطور خارق رغم بعض البطولات التي حققها المنتخب أو بعض الأندية، إلا أنها تظل استثنائية إذ تفتقر لتطور بنيوي متماسك. ويصبح الفوز مجرد حماس، أو بدعوات عجائزنا البريئة.
الرياضة فكر واقتصاد وهما أبعد ما يكون عن الأندية الرياضية. ففي حالة الفكر، لا يكفي الميول أو حب اللعبة لأصبح إداريا، ولا تكفي المهارة لأصبح لاعبا، ولا يكفي المال لأصبح مسؤولا رياضيا. لا بد من فكر يقوم على دراسة وتجربة. اللاعب صاحب الفكر يعطيك ما لا يعطيك غيره، والإداري الدارس لفنون الإدارة يقدم عملا احترافيا. والمسؤول الواعي يقدم عملا استراتيجيا أكثر من مجرد الفوز على المنافس التقليدي.
أما المسألة الاقتصادية، فهي عصب التجربة الرياضية الحديثة. فالانتصارات لا تأتي بالنوايا الطيبة، بل بالاستقلالية الاقتصادية إضافة للعوامل الأخرى. واقع البنية الاقتصادية للأندية الرياضية بنية هشة قوامها الإعانات الحكومية السنوية المحدودة، وبعض العقود المالية وعوائد النقل التلفزيوني، وهبات أعضاء الشرف التي تزيد إن رضوا، وتقل أو تنعدم إن اختلفوا فيما بينهم. والشواهد كثيرة ومؤلمة. فكيف تنهض رياضة تقوم على شرهات أعضاء الشرف من متقلبي المزاج؟
للمنافسات الرياضية شروط من أهمها الاستقلالية. استقلالية في المال يتبعها استقلالية في القرار. بهذه الاستقلالية يمكن التخطيط دون تدخل. ولتحقيق هذه الاستقلالية لا بد من تحديد الهدف من الأندية الرياضية، هل هو مجرد نشاط يفرغ فيه الشباب بعض طاقتهم سواء باللعب أو بالمتابعة المحمومة مما يشغلهم عن التفكير في أمور أخرى؟ أم أنه جزء من نهضة تقدم فيها البلاد نفسها للعالم عندما تأتي مواسم المشاركات العالمية؟ واقع الحال ينبئ أننا نتصارع داخليا لنخسر خارجيا، فالرياضة أصبحت وقودا تشعله الخصومات والنزعات العنصرية، تغذيها وسائل إعلام غير مسؤولة.
إن كان هناك من تصور لمسيرة رياضية إيجابية فلا بد من تحديد الهدف، لا بد من استقطاب الكوادر الإدارية، ولا بد من بنية اقتصادية تقوم على خصخصة الأندية الرياضة بما يمنحها الاستقلال المالي الذي يحمي قرارها ويمنحها الفرصة للتخطيط والتنفيذ.

halnemi@gmail.com


للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 109 مسافة ثم الرسالة