-A +A
أميرة كشغري
أقيم، الأسبوع الماضي، مؤتمر اللغويات في شبه الجزيرة العربية، والذي نظمه قسم اللغات الأوروبية بجامعة الملك عبدالعزيز. وقد كان المؤتمر من المناسبات النادرة التي يجتمع فيها المتخصصون والباحثون في اللغات من أنحاء العالم لاكتشاف المزيد من خباياها وتطوراتها وتحدياتها. وكان لوجود المتخصصين في علم اللغة من الباحثين غير العرب دور كبير في فتح آفاق جديدة لرؤية لغتنا من منظور علمي/ أنثروبولوجي وتاريخي.
تعددت المواضيع والدراسات في جلسات المؤتمر التي استمرت لمدة يومين، وكان من بين أهمها ــ بالنسبة لي ــ موضوع اللغة العربية ودراساتها المقارنة لاكتشاف كل ما يتعلق بنظام اللغة وفروعها وتركيباتها واستخداماتها. كما برزت اللسانيات الأنثروبولوجية باعتبارها فرعا منسيا لم نكن نوليه الأهمية الكافية في دراساتنا للغة. واكتشفنا من خلال البحث القيم الذي قدمته الدكتورة منيرة الأزرقي من جامعة الدمام، وأبحاث الدكتورة جانيت واتسون من جامعة ليدز البريطانية أن هناك لغة لم يكن الكثير منا يعلم أنها لغة لمواطنين سعوديين في أطراف الجنوب بمحاذاة الربع الخالي في شرورة والخرخير، وكذلك في بعض أجزاء المنطقة الشرقية. إنها اللغة المهرية، وهي لغة قديمة يعود تاريخها إلى 4000 سنة قبل الميلاد تنتشر في قبيل المهرة في شرق اليمن وعمان والكويت والإمارات والسعودية. والمهرية هي أحد أقسام اللغة العربية الجنوبية الحديثة. ورغم أن اسمها يوحي بأنها متطورة أو منبثقة من اللغة العربية الجنوبية القديمة، إذ أن هناك اعتقادا شائعا أن لغتهم حميرية، إلا أن ذلك غير موثق تاريخيا ولغويا. تقول المصادر التاريخية أن قبائل الشحرة والمهرة تسكن أرض ظفار والمهرة في عمان واليمن، وهم يتكلمون لغة سامية تعد أقرب إلى عائلة لغات سامية شرقية الـ(الأكادية) من عائلة لغات سامية جنوبية. واليوم تندرج اللغة المهرية ضمن عائلة لغات سامية شرقية (الأكادية والإيبلاوية)، أو حتى كمجموعة مستقلة، بسبب أن اللغة الأكادية والإيبلاوية منقرضة. ومن اعتبرها لغة سامية جنوبية جعلها جنوبية شرقية في مقابل جنوبية غربية، والتي تشمل اللغة العربية الجنوبية القديمة. ويقول الخبراء إن اللغة «المهرية» تنتمي إلى مجموعة اللغات السامية إلى جانب اللغات الثمودية، واللحيانية، والقتبانية، والسبئية.
ما يثير الاهتمام في موضوع اللغة المهرية أن هناك ما يزيد على 20 ألف مواطن سعودي يسكنون الجنوب والمنطقة الشرقية لغتهم الأم هي المهرية، وقد لا يتحدثون العربية أو أنها لغة ثانية بالنسبة لهم. وتشير التقارير الإخبارية عن المهرة السعوديين أن هؤلاء المواطنين يمثلون أقلية ويعانون من العديد من العقبات في التعليم، حيث أن معظمهم توقفوا عن إكمال الدراسة، وقد يكون لعامل اللغة دور في ذلك. وهم كذلك يعانون من عقبات في استخراج أوراقهم الثبوتية.. وبينما نجد الاهتمام الواسع من قبل الأوربيين باللغة المهرية ونزعتهم للبحث فيها وفك رموزها عبر البحث الميداني، يكاد اهتمامنا نحن بتلك اللغات المحلية يكون منعدما، سواء من حيث البحث العلمي أو تعليمها كلغة إضافية، وذلك على الرغم من كونها لغة سامية عربية عريقة، حيث تشتمل على جميع الحروف العربية الأبجدية، بالإضافة إلى ثلاثة حروف أخرى لا توجد في العربية. على هامش هذا المؤتمر سعدت وفوجئت عندما سألت جانيت واتسون الباحثة المتخصصة في اللغات العربية الجنوبية: هل تتحدثين العربية؟ فأجابت بلغة عربية راقية وبلهجة مميزة: نعم أنا أتحدث الصنعانية والحميرية.

akashgary@gmail.com