-A +A
محمد المختار الفال
تنعقد القمة الخليجية الرابعة والثلاثون، في الكويت، الثلاثاء المقبل، في أجواء وظروف إقليمية ودولية غير عادية، من أبرز نتائجها آثار الاتفاق بين إيران والدول الكبرى حول الملف النووي وما يتصل به من اتفاقيات معلنة وخفية يمكن استنتاجها من واقع المنطقة وتعارض المصالح فيها، ثم تداعيات ما عرف بالربيع العربي وما تخلق في رحمه من أوضاع هزت استقرار دول عربية لها ثقلها وتأثيرها في موازين القوة الإقليمية، إلى جانب مأساة الشعب السوري وقضية بلاده التي تحولت من حق شعب في رفض الظلم إلى ساحة لمعركة «كسر العظم» بين متنافسين إقليميين ودوليين، ومختبر لقوة الإرادة وصلابة المواقف والمهارة في استخدام القوة والنفوذ لتحقيق الأهداف.
في هذه الأجواء المتأزمة تنعقد القمة، وفي مرآتها تنعكس تطلعات شعوب المنطقة وأملها في صدور قرارات تاريخية قابلة للتطبيق تحمي المكتسبات وتواجه الأخطار. ولعله من المفيد أن نذكر بأن مجلس التعاون، منذ قيامه، ارتبط بالكثير من الأزمات وتمكن من التفاعل مع لحظاتها الحرجة والخروج منها بما يزيد أعضاءه قناعة بأهمية المبادئ التي قام عليها والأهداف التي تأسس من أجلها، رغم اختلاف وجهات النظر في بعض القضايا المحلية والإقليمية، ليس هذا فحسب، بل إن ولادة المجلس، منذ أربعة وثلاثين عاما، كانت في ظروف وأجواء أزمة الحرب الإيرانية العراقية والتحولات السياسية التي تلت اتفاقية كامب ديفيد وخروج مصر، المؤقت، من السرب العربي.. إذا تجربة المجلس ليست غريبة على التعامل مع الأزمات، ومن هنا تكبر الآمال في نفوس أبناء المنطقة واطمئنانهم لقدرة القمة على قراءة الظرف والخروج بقرارات تتناسب مع التحديات.

وقراءة الحاضر لم تعد معقدة كثيرا بعد أن كشفت الأحداث أبرز تضاريس خريطتها، وحددت مواقف دول المنطقة منها، وظهرت إشارات لتحالفات جديدة قد تحرك مواقع بعض الأحجار القديمة، لكن هذا لا يكفي، فستظل هناك خفايا وخبايا تستدعي قراءة ترصد حركة الواقع وتبحث في ثناياه عن مآلات الأحداث الجارية وتأثيرها على المستقبل، وهذا يعتمد على «المعلومات» التي ليست متاحة للأفراد. وبكلام أوضح نقول: إن «الاسترخاء» الغربي، إن لم نقل الاتفاق، في مواجهة المشروع الإيراني، بكل طموحاته وتبعاته، يوجب على أهل هذه المنطقة استثمار قدراتهم وتوحيد جهودهم والتنسيق مع حلفائهم الحقيقيين من أجل حماية مكتسبات أوطانهم. نقول هذا، وبهذا القدر من الوضوح والصراحة، لكن نؤكد أننا لسنا من دعاة توتير العلاقة مع الجارة إيران، فهذا لا يقول به من يعرف أثر «الجغرافيا السياسية» ومستلزماتها وتأثيرها على العلاقات وأهمية حسن الجوار، لكن من الحكمة والمنطق أن نعرف ما يحيط بنا، ومن الحقائق المعروفة أن إيران دولة لها «مشروع» طموح ضحت من أجله، وتحملت في سبيل بلوغ غايته الكثير من المعاناة، وليس من السهل التفريط فيه أو التخلي عنه، بعد أن نجحت في توقيع اتفاقية مع الدول الكبرى تخفف الأضرار الناتجة عن المقاطعة الاقتصادية عليها وتمنحها فرصة لالتقاط الأنفاس.
وفي كل الأحوال، فإن المواطن في منطقة الخليج يريد أمنا واستقرارا وقوة تحمي مكتسباته من أي أطماع، وليس شغوفا بعداوة أحد، وبالأخص جيرانه.