-A +A
حسن النعمي
واقع الثقافة اليوم مرتبك، ولعل هذه الفترة من أسوأ حقب الأدب والثقافة في بلادنا من حيث العمل المؤسساتي. كنا قد استبشرنا خيرا بإنشاء وكالة للشؤون الثقافية تجمع شتات الثقافة المتفرق بين القبائل تحت مظلة ترعاها وتعيد صياغة مشروع ثقافي واضح يسمح بالتجديد في الخطاب عبر وسائل أكثر مواكبة للحياة الاجتماعية، لكن الحال الذي بدا ممكنا في بداية الأمر ما لبث أن تغير. وإذا كنا نحمل وكالة الوزارة للشؤون الثقافية قدرا من مسؤولية تعثر المشروع الثقافي، فإن النخب الثقافية تتحمل جزءا من الفشل.
بداية المشكلة، الصراع على هوية العمل الثقافي. هل هو أدبي، أم ثقافي مقيد، أم ثقافي بالمطلق؟ ولأن معظم الآراء مرتبكة، وغير موضوعية، وارتجالية في أحيان أخرى وقع العمل الثقافي في دائرة الضياع. أصر المثقفون دون قراءة واعية بالسياق الواقعي من حولنا على الانتقال من التعيين إلى الانتخاب. والدعوة لانتخاب مجالس الأندية الأدبية حلم كل مثقف يود أن يكسر الجمود وتغيير الوجوه، ولكن ليس بالصورة التي تمت بها الانتخابات، ولا بالنتائج التي أفرزتها.

عرفت الأندية الأدبية منذ تأسيسها أنها مرجع الأدباء، والمشتغلين بالأدب: شعرا وقصة ونقدا، دون أن تقصي الأندية أنشطة لها علاقة بالمجال الثقافي، واجتهد كل ناد في تقديم ما يعزز صورته الأدبية التي من أجلها أنشئ. وطوال مسيرة الأندية الأدبية كان هناك صوت ينادي بتفكيك الأندية الأدبية وتحويلها إلى مراكز ثقافية، وربما لو أخذ بهذا المبدأ منذ زمن لكانت الصورة مختلفة، وعلى أساس من تنسيق الجهود بين المؤسسات الثقافية، بحيث تتعدد شعب العمل الثقافي تحت مظلة هذه المراكز الثقافية. تجربة مثل هذه كان يمكن أن تنجح. فتدمج الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة تحت مظلة مراكز ثقافية، وينتسب لها كل من له صلة حقيقية بالعمل الثقافي، وتدار بمجلس يمثل كافة أطياف العمل الثقافي من أدب وتشكيل ومسرح وخلافه. غير أن الخطوة لم تتخذ، واتخذ بدلا منها تفتيت الحدود الفاصلة بين الثقافة الأدب والانتخابات الأخيرة للأندية الأدبية خير دليل على ذلك. إذ دخل للأندية الأدبية من ليس أديبا أو من هو مشتغل بالثقافة بالمعنى المهني. إذ لا قيمة للقول الرائج (أن الثقافة تتسع لكل شيء). هذا تفتت للحدود الفاصلة بين المجالات المختلفة أضر بالعمل الثقافي والأدبي. فالحدود تعني أن تحترم الجهود، ويقدر الفكر، وتكرس المهنية الثقافية دون الخروج لما هو طارئ وانفعالي.
التطور الآخر للمشكلة هي اللائحة التي أفرزت أسماء غير معروفة بالاشتغال بالأدب لا من قبل ولا من بعد، بل جاءت من مرجعيات مختلفة يدفعها غير هاجس ليس من بينها خدمة الأدب والأدباء. بعضهم لهم مرجعيات دينية، وآخرون مرجعيات إعلامية، وفريق ثالث لهم مرجعيات أكاديمية لم يعرف عنهم أي تواصل مع الأندية الأدبية إلا عندما حانت فرصة الانتخابات. وقد لا نلومهم إذ سمحت لهم اللائحة ذات الملامح الباهتة الدخول والتكتل في لعبة انتخابية وضح أن الأدباء بعيدون عنها. فلا عزاء للأدباء إذ يخسرون أهم معاقلهم، حتى لو كان في الأندية الأدبية ما فيها من المثالب فهي تقليديا قدمت خطاب التنوير في المملكة وحافظت عليه، وأسهمت على تفاوت فيما بينها في استقطاب جيل من الأدباء هم الآن يشغلون حيزا كبيرا في السياق الأدبي والثقافي محليا وعربيا.
ولعل ما كان مفرحا في البدء هي فكرة الجمعيات العمومية التي كان التصور حولها أنها المرجع للعمل الأدبي والثقافي داخل الأندية، لكنها لم تكن كذلك على الإطلاق، بل كانت مجرد جوقة في مسرحية هزلية، يحضرون بدعوة من الوزارة ربما مرة في العام، ويديرها رئيس النادي، والتصويت فيها يتم برفع الأيدي التي تعنى مشي حالك. أما الأصوات التي تناقش فتحاصر وتهمش، ويمرر القرار المعد سلفا بطريقة الفزعة لإدارة النادي.
واستدراكا لهذا الخلل، ورغبة في معالجة ما فسد، أعادت وكالة الوزارة مناقشة اللائحة، وطرحتها للمثقفين لإبداء الرأي وهي بادرة تذكر فتشكر لوكالة الوزارة، ورجاء الأدباء أن ينظر في مفهوم العضوية بعناية كبيرة، وأن يعاد للجمعية العمومية دورها المفترض المتمثل في إقرار البرامج، ومراقبة تنفيذها ومحاسبة مجالس الإدارة برئاسة أحد أعضاء الجمعية وليس رئيس النادي كما هو معمول به الآن.