-A +A
حمود البدر
هذا مثل شعبي يصف من تراجع عن قرار غير موزون بأنه عاد من هروبه غير الموزون إلى قرار أكثر حكمة وأكثر منفعة.
نحن الآن نعيش في مدن كبرى مزدحمة بالسكان من جراء الهجرة إلى تلك المدن بسبب تركيز الوزارات والمرافق الحكومية، والمرافق الأخرى كالجامعات ومعاهد التدريب والمستشفيات. فمثلا، كانت الرياض تحتوى على خمسين ألف ساكن منذ أربعين عاماً والآن يفوق عدد سكانها خمسة ملايين ونصف المليون أو أكثر، ومثلها جدة، ومثلهما الدمام وما اندمج بها (الخبر والثقبة والظهران)، والنتيجة في هذه وتلك زحام في الطرق، وعدم نظافة، وتلوث في البيئة.
ولو كان الله هدانا من قبل إلى توزيع الجامعات والمعاهد والمستشفيات في المدن التي يمكن أن تخدم المواطنين لما هاجروا إلى العواصم ولا تحولت تلك العواصم إلى عوادم وازدحام وإزعاج وانزعاج.
لكن ذلك لا يعني أن لا نجرب حتى لا تتضاعف المشكلة إلى ما هو أكثر تعقيداً. فبالأمس قرأت عن قرار ملكي بالموافقة على إنشاء 33 كلية في المدن والمحافظات الأخرى على أن تدار بواسطة الجامعات القائمة.
كما قرأت في ذات المصدر (صحيفة الجزيرة 23 محرم) عن الاتجاه نحو افتتاح مستشفيات في المدن والمحافظات تكون طاقتها مجتمعة 800 سرير، تديرها كليات الطب، راجياً أن يكون هذا نقطة بداية تتبعها قرارات أخرى.
إن هذين القرارين يلمسان المشكلة التي نعاني منها حتى وإن جاءا متأخرين، فتأخرهما أقل ضراراً من الاستمرار بالمركزية في المدن التي تتسابق في الازدحام مع أهلها الذين ابتلوا بذلك.
عندما كنا ندرس في الولايات المتحدة كنا نرى الجامعات في مدن صغيرة يتحرك فيها الطلاب ومعلموهم بسهولة ويسر وبجو نقي وممتع، فمثلا كانت أكبر جامعتين في مشيجان (مثلا) تقعان في (أف آربر) والأخرى في (إيست لانسنج) وهما مدينتان صغيرتان، وقريبت منهما مدينة كبرى تعج بالسكان والمتاجر والمرافق الترفيهية هي (ديترويت).. وبذلك كان الطلاب يعيشون في مدن صغيرة نسبيا وعندما يرغبون في ما هو موجود في المدن الكبرى فهو قريب منهم ولا حاجة لهم بالسكن في مدينة يصعب العيش فيها. وكان من الممكن أن نستفيد من تجارب الآخرين من الدول المتقدمة لكننا قلدنا جيراننا في الشام وشمال أفريقيا، فصرنا نعاني من الزحام والتلوث والأسعار الغالية في الإيجارات والخدمات.
أما وقد بدأنا توزيع المرافق الملحة (الكليات والمستشفيات) فإن ذلك (كما أرجو) سوف يخفف من دواعي الهجرة من القرى إلى المدن لعدم وجود متطلبات الحياة العصرية في قرانا ومدننا الصغيرة.
فلو كانت الخرج (مثلا) وحريملا وأمثالهما مكانا لجامعات وكليات ومرافق أخرى لأدى ذلك إلى بقاء الكثير منا في تلك المدن فأرحنا واسترحنا من الزحام.
إذن إن الزحام في الرياض أصبح ظاهرة غير طبيعية ولو أراد أحدنا الذهاب من شرق الرياض إلى غربها. أو من شمالها إلى جنوبها لضاع عليه وقت يفوق كثيراً الانتقال إلى المدن الأصغر حجماً وأقل ازدحاما وتلوثا.أرجو أن تكون هذه التجربة مثالا مناسباً لتوزيع الخدمات في المناطق فنريح أنفسنا من الزحام. ونريح إخواننا الذين اضطروا للهجرة إلى المدن الكبرى لوجود المرافق العامة فيها وإعطاء الآخرين ممن لم يهاجروا بعد إلى صرف النظر عن الهجرة والعيش في منازلهم والتمتع بأجوائهم النظيفة المريحة.
أكرر الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الذي قادت سياسته الحكيمة إلى توزيع المرافق والخدمات بدلا من تجميعها في المدن والعواصم.
كما أكرر الشكر لوزارة التعليم العالي على هذا الاتجاه وأرجو الإسراع في تنفيذه وأن لا يكون حبراً على ورق.

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 143 مسافة ثم الرسالة