الموظف الأنموذج

دخلت المبنى بخطى مترددة والناس من حولي، بين موظفين يحضرون المعاملات والبريد، وبين مراجعين حملوا خطاباتهم وبعض الأوراق الثبوتية، وجلسوا ينتظرون في صالة الانتظار، كدت أصطدم برجلين، وقف أحدهما ــ سمعتهم فيما بعد ينادونه ناصر ــ ليسأل زميله: الأستاذ نايف لم يصل بعد؟ فرد عليه الآخر: لا. باب مكتبه لا يزال مغلقا. ابتسمت وتحدث متغابية، مستغلة جهلهم بشخصيتي، وقلت «عفوا على المقاطعة، ولكن قد يكون الأستاذ في مكتبه»، ابتسم ناصر، وقال: ربما أنت تتحدثين عن أي شخص آخر وليس عن الأستاذ نايف.. فأدركت أنه فعلا ملاك، وأنه من القلائل الذين فتحوا أبواب مكاتبهم منذ بداية الدوام وحتى نهايته.. تأملت وجوه الرجال قبل أن يقابلوه، وفجأة مر بجواري رجل سلم على جميع الموجودين، أخرج مفتاحا من حزمة مفاتيح، وفتح الباب، فتبعه بعض الموظفين، بعضهم ألقى السلام وانصرف لعمله، ودخل موظف أنزل كاسة من الشاي وخرج، ثم بدأ المراجعون بالدخول متتالين، كان من بينهم رجل خط الشيب لحيته، وتشعبت أخاديد الزمن على وجنتيه، سمعته سلم على الأستاذ، فاسترقت النظر ورأيت الأستاذ يقول له: تفضل بالجلوس.. من أين أنت؟ من الشمال.. أتيتم يا أهل الشمال وجاء البرد معكم وضحك، هكذا قالها مازحا، طلب منه الرجل أن يساعده، فأخذ المعلومات، وقال: إن شاء الله خير.. كن مطمئنا، وقع على المعاملة، ونادى أحد الموظفين وطلب منه إنهاءها، وفي خروج الموظف دخل شاب صغير تخرج توا من الثانوية أتى للبحث عن عمل، فقال له: نسبتك ممتازة قد تحصل على عمل الآن، ولكن قد تحصل على مميزات أفضل إن تخرجت من الجامعة، وحينها سوف تبحث الشركات عنك، ولست أنت من يبحث عنها.
رن الهاتف، فرد على الاتصال، كانت فتاة تقول بأنهم يحتاجون إلى العلاج، فسألها عن معلوماتهم، وسجل بياناتهم على هامش ورقة كانت بالقرب منه، وأعطاها رقم الفاكس وطلب إرسال بعض الأوراق لإكمال المعاملة.. أغلق الهاتف، فرن الهاتف الآخر.. لم أكن أصغي لمن يتحدث حين رأيت كاسة الشاي التي وضعت بجواره، قد تلاشى البخار الصاعد منها، ولم يتسن له تحت عامل الوقت أن يشربها.
Mok.555@hotmail.com


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 الاتصالات أو الرقم 636250 موبايلي أو الرقم 737701 زين تبدأ بالرمز 263 مسـافة ثم الرسـالة