كشفت جولة «عكاظ» في المدن الصناعية عن أوجه قصور كثيرة اختلفت من منطقة لأخرى.
ووعد المسؤولون بإيجاد حلول عاجلة وأخرى آجلة لبعض المشكلات، في حين لم يذكروا أي معالجات للمشكلات الأخرى، ولا شك أن أوجاع المدن الصناعية تحتاج إلى علاج سريع وناجع لدفع التنمية الصناعية في كافة مناطق المملكة.
المسؤولون في المدن الصناعية أكدوا أنهم بصدد دراسة المقترحات التي وردت في حلقات جولات «عكاظ» على المدن الصناعية، سواء كانت على لسان مشاركين فيها بالرأي أو كانت مقترحات «عكاظ». واتفقوا على أن المدن الصناعية بحاجة إلى تطوير وتحسين الخدمات الأساسية فيها، لتلبي تطلعات المواطنين والمستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب. وأشاروا إلى أن المعوقات التي تعوق تقدم الصناعة السعودية سيتم تلافيها خلال فترة زمنية، ووعدوا ببذل قصارى جهدهم لتحقيق ذلك.
وفيما يلي ما كانت قد رصدته «عكاظ» خلال جولاتها في المدن الصناعية التي زارتها في مختلف مناطق المملكة من مشكلات وأوجاع، والحلول المقترحة، ووعود المسؤولين عن تلك المدن.
تركزت شكاوى الصناعيين في مكة في عدم توافر مساحات تمكنهم من إنشاء صناعات كبيرة في المدينة الحالية الواقعة في منطقة العمرة، وهو الأمر الذي انعكس على الضعف الشديد للصناعة في مكة، خصوصا أن هناك ميزة نسبية هي التسويق الجيد من خلال الأعداد الكبيرة للحجاج والمعتمرين الذين لا ينقطعون طوال العام، فما إن ينتهي موسم الحج إلا وتبدأ الاستعدادات لموسم العمرة، وينتهي موسم العمرة ببدء موسم الحج، وبمقايسة بسيطة فإن التسويق طوال العام يكون في أوجه.
وبحسب مقترح الصناعيين، فإن أمانة العاصمة المقدسة سلمت أرضا في بحرة بمساحة 45 مليون متر مربع، وبالتالي فإن التسريع في إنشاء مدينة صناعية في بحرة تكون مشتركة بين مكة وجدة يمكن أن يكون حلا مثاليا، خصوصا إذا تم استغلال هذه المدينة من خلال تخصيص جزء من مساحة المدينة المقترحة للحرف اليدوية والصناعات المكاوية القديمة وإحيائها وتطويرها وتدريب الأجيال عليها، ويمكن أن تنتج تلك الصناعات هدايا قيمة للحجاج والمعتمرين وتطبق شعار «صنع في مكة» الذي يجد دعما كبيرا من أمير المنطقة.
كذلك يمكن إنشاء صناعات تلبي متطلبات الحجاج والمعتمرين والتركيز عليها، مثل الإحرامات والنعال والمظلات والسبح والحقائب وما شابه ذلك من متطلبات شخصية للحجاج، وتصديرها للدول الإسلامية من خلال مؤسسات الطوافة، بدلا من تصنيعها في الصين. كذلك يمكن استغلال هذه المدينة في التركيز على صناعات متقدمة من هواتف وساعات وإلكترونيات تصطبغ بالصبغة الإسلامية، وإنشاء صناعات متقدمة وعقد اتفاقات مع عدد من الدول الإسلامية لتصديرها لها، كونها صنعت في مكان مقدس للمسلمين.
وبطرح هذه المطالبة على مدير هيئة المدن الصناعية ومراكز التقنية، أكد أن الهيئة مستعدة للبدء في تطوير الأرض وتسليمها للصناعيين فور تسلمها من أمانة جدة.
صناعية خميس مشيط
شكا معظم الصناعيين في خميس مشيط من الإهمال الكبير في المدينة، وغياب الأسوار التي تحمي المدينة وانعدام النظافة فيها، والمعاناة من الطرق الموصلة إليها، وكثرة الشاحنات، وخطورة قرب شركة الغاز من المدينة، إضافة إلى وجود كميات كبيرة من الأخشاب والنفايات وخطورة اشتعالها في لحظة، خصوصا أن هناك عددا من مصانع الدهانات والمواد البتروكيمائية في المدينة، وعدم وجود مركز للدفاع المدني في المدينة يبث الطمأنينة في نفوس الصناعيين.
وبالاتصال على مدير الدفاع المدني في منطقة عسير اللواء عبد الواحد عويض الثبيتي، أوضح أن هناك تنسيقا مع هيئة المدن الصناعية لإنشاء مركز دفاع مدني في المدينة، وأن هناك مكاتبات بهذا الخصوص، لكن الدفاع المدني إلى الآن لم يتسلم هذه الأرض، وحاليا تتم تغطية المدينة الصناعية من قبل وحدة الدفاع المدني في غرب مدينة خميس مشيط.
صناعية جازان
وفي المدينة الصناعية في جازان، تركزت معظم الشكاوى في أن المدينة الصناعية في جازان تقع في قلب واد هو مجرى للسيل وتجمع المياه، مذكرين بكارثة سيول حدثت في الأزمنة الماضية، مطالبين هيئة المدن الصناعية ومراكز التقنية أن تراعي هذا الجانب، خصوصا أنها ما زالت في طور وضع البنية التحتية، وذلك من خلال مراعاة حجم عبارات السيول بحجم كبير وليست العبارات المستخدمة حاليا التي هي صغيرة جدا ولا يمكن أن تعمل بكفاءة عالية.
وبالاستفسار من الدكتور توفيق الربيعة مدير هيئة المدن الصناعية ومراكز التقنية، أفاد أن الجهة التي تحدد موقع المدينة وتمنح الأرض هي أمانات المناطق وليست هيئة المدن، وأن دور الهيئة ينحصر في تسلم الأرض بعد تحديدها من قبل الأمانة والعمل على تطويرها وإنشاء البنية التحتية فيها، ومن ثم تخصيصها للمصانع الراغبة في العمل هناك.
صناعية المدينة المنورة
وفي المدينة الصناعية في المدينة المنورة، تركزت معظم شكاوى الصناعيين في المدينة المنورة في عدد من المحاور، بعضها يتعلق بالمدينة الصناعية كعدم توافر الخدمات، عدم وجود المياه، غياب الصرف الصناعي والصحي، الطرق المتهالكة، عدم ربط المدينة بالطرق السريعة، وقنوات تصريف السيول غير المبطنة بالخرسانة ما يجعل المياه تتجمع فيها وتشكل خطورة.
أما ما يختص بالصناعة ككل، فأجمعوا على المطالبة بفصل التجارة عن الصناعة، وإنشاء وزارة خاصة تعنى بالصناعة من حيث تقديم الدعم الفني والتسويقي والتخطيط والاستراتيجيات، وكذلك المطالبة بإنشاء غرفة صناعية تهتم بالصناعة من حيث تقديم الدراسات والتنسيق بين الصناعيين، مشبهين دمج وزارة التجارة بالصناعة كمن يضع العربة أمام الحصان ويطالبه بالسير، إلا أن وزير التجارة والصناعة عبد الله زينل كان قد استبق هذه المطالبات برده الشهير على الداعين إلى فصل وزارتي التجارة والصناعة بالقول: إنهم لا يفقهون شيئا لا في التجارة ولا الصناعة، مضيفا أن دمج الوزارتين أفاد كثيرا في التفاعل مع القضايا والمستجدات التي تهم المواطن، ووضع الحلول لها بالسرعة المطلوبة.
صناعية تبوك
وفي منطقة تبوك، اتفق الصناعيون على أن المنطقة تحظى بثروات كبيرة غير مستغلة، أولها الثروة المعدنية الهائلة الموجود التي تبحث عن مستثمرين جادين يملكون رؤوس الأموال الكبيرة، ولعل من أبرزها خام الحديد المتوافر في المنطقة بكميات كبيرة ويمكن استخراجه واستخلاصه من خلال المناجم المفتوحة.
ويجمع الصناعيون على أن منطقة تبوك يمكن أن تكون بوابة التصدير إلى أوروبا من خلال منافذها البرية والبحرية، ويمكن أن تنشأ فيها صناعة تخدم هذه التوجهات، لكنهم ألقوا باللائمة على قلة الدعم من صندوق التنمية الصناعية، الذي تحول من دوره كداعم للتنمية إلى أشبه ما يكون ببنك تجاري، إذ إنه يطلب الكثير من الضمانات والاشتراطات التعجيزية التي لا يستطيع المستثمر المتوسط أو الصغير توفيرها.
وطالب مستثمرو تبوك بحزمة من التسهيلات تساعد في توجه عدد من الصناعيين الكبار إلى المنطقة، لإحداث نقلة تنموية تشجع مستثمري المنطقة الذين يخافون كثيرا من دخول مشاريع برؤوس أموال كبيرة.
وفي ما يتعلق بالبنية التحتية للمدينة، يؤكد الصناعيون أنها ما زالت تحتاج الكثير، فضعف الخدمات المقدمة يعتبر عائقا كبيرا لإنشاء مصانع هناك، ورغم أن الإيجار رمزي بريال واحد للمتر، إلا أن الخدمات منعدمة فالموجود فقط هو الكهرباء، والطرق الأسفلتية مكسرة وفيها الكثير من الحفر والمطبات، والكهرباء تكلفة إيصالها للمصانع مرتفعة، والماء معدوم، وكذلك الهاتف الذي لا يصل إلا عن طريق الإسقاط.
الحدود الشمالية «عرعر»
ورغم اتفاق الصناعيين القليلين في الحدود الشمالية على أنه لا توجد مشكلات في البنية التحتية، لأن المدينة الصناعية هناك ما زالت في طور الإنشاء ولم يكتمل بعد إنشاؤها، إلا أنهم اتفقوا على أن هموم الصناعة في عرعر كثيرة أولها؛ عدم استغلال المزايا النسبية في المنطقة للحد من البطالة التي وصلت أرقاما مخيفة، مشيرين إلى أن ذلك لن يتأتى إلا بتحفيز المستثمرين من خارج المنطقة للقدوم إليها وتقديم حزمة من التسهيلات والمحفزات، مقترحين أن تشتمل تلك الحزمة على تقديم الأراضي مجانا للصناعيين الجادين الراغبين في إنشاء مصانع توظف الشباب السعودي، وكذلك إعطاؤهم أولوية في قروض صندوق التنمية الصناعية، والسماح باستقدام العمالة بشرط مغادرتها فور إحلال خريجي المعاهد الفنية والكليات التقنية محلهم.
وأشار عدد من أعضاء المنطقة إلى إمكانية الاستفادة من الثروة الحيوانية الكبيرة في المنطقة والاستفادة منها في غزل الصوف، خصوصا أن المنطقة تعد من أكثر المناطق استهلاكا للملابس الشتوية، ويمكن أن تكون موفرا لهذه السلعة المهمة وتصديرها، أو إقامة صناعة ملابس شتوية تعتمد على الصوف المستخرج من المنطقة.
صناعية حائل
وفي حائل، اتفق معظم من التقيناهم هناك على أن الصناعة في حائل يجب أن تتركز على الصناعات الغذائية التي تعتمد في موادها الخام على المنتج الزراعي بالدرجة الأولى، إذ إن المنطقة توجد فيها مساحات زراعية شاسعة لم تستغل الاستغلال الأمثل بعد إيقاف زراعة الشعير وخفض زراعة القمح بنسبة 12.5 في المائة، إلى أن يصل الخفض إلى 100 في المائة بعد خمس سنوات، ويمكن تحويل هذه المساحات إلى أنواع أخرى من الزراعة، وإنشاء مصانع لتصنيع الفائض عن الاستهلاك الموسمي للحفاظ على مستوى معين من الأسعار، بدلا من إهدار كميات كبيرة من المنتجات أو تترك في الحقول بغرض التسميد، ويمكن كذلك التوسع في زراعة البطاطس التي يمكن أن تقام عليها أنواع عديدة من الصناعات التي يمكن أن تنشأ على تغيير الثقافة الغذائية لدى المجتمع بالتحول عن استهلاك الأرز إلى البطاطس.
وشدد الصناعيون على وجوب أن يلعب صندوق التنمية الصناعية دورا أكبر من دوره الحالي في منطقة حائل، مطالبين بفتح وحدة صناعية في فرع وزارة التجارة والصناعة في حائل تخدم الصناعيين.
وعن مدى توافر البنية التحتية في المدينة الصناعية القائمة في حائل، أجمع الصناعيون أن البنية التحتية فيها متردية جدا إذ إن هناك غيابا كاملا للطرقات الموصلة للمصانع القليلة القائمة، كما أنها تقع في مناطق رملية، كذلك الماء غير متوافر، والكهرباء إيصالها مكلف كثيرا، والنظافة شبه غائبة.
الدمام الأولى والثانية
وعلى عكس المتوقع كشفت جولة «عكاظ» أن المدينة الصناعية في الدمام الأسوأ قياساً بنظيراتها في المناطق الأخرى، سواء من حيث النظافة أو سوء التنظيم والإهمال، فالمدينتان اللتان يقارب عدد المصانع فيهما 500 مصنع تفتقران كثيرا للنظافة وتحيط بهما المستنقعات، وتكاد تكون بؤرة للتلوث.
أما ما يتعلق بالمدينة الصناعية الأولى في الدمام، فشوارعها فيها الكثير من طفح المجاري، نتج عنها تكسر الطرقات وأرصفة متهدمة وعمالة تقوم بعمليات الحفر والصيانة دون أية مراعاة لاشتراطات السلامة، ناهيك عن الخطر الكبير الذي تشكله هذه المدينة على السكان المجاورين للمنطقة، فلو اشتعل حريق فيها أو حصل تسرب كيميائي من أحد المصانع ستكون هناك كارثة بكل المقاييس، لا تجدي حينها التبريرات.
ولعل ما يردده البعض من أن هناك توجها لنقل المدينة يمكن أن يكون حلا، لكن يبدو أن أصحاب المصانع لن يرضوا بهذا الحل بسهولة، وسيظلون يقفون حجر عثرة في طريق النقل، وهذا يبدو جليا في تصريح رئيس اللجنة الصناعية سلمان الجشي الذي قال لي إن المدينة لا تشكل أي خطر على السكان، وإن الجهة الوحيدة التي تقرر نقلها من عدمه هي هيئة المدن الصناعية ومراكز التقنية.
كذلك فإن المدينة الصناعية الثانية في الدمام لا تقل سوءا عن الأولى، فالمستنقعات تحيط بها من كل صوب وتنتشر الرائحة الكريهة بالقرب من هذه المستنقعات، ما يشكل خطرا بيئيا كبيرا يهدد قرابة 80 ألف عامل. أما الطرقات فحدث ولا حرج، حفر مكسرة والبعض في مرحلة إعادة التأهيل، وفي جانب النظافة، فإنها متدنية إلى أدنى مستوى لدرجة أن الكلاب تجوب شوارع المدينة في منظر يلفت انتباه أي أحد يمر من خلالها. لا أحد ينكر انتشار عدد من حراس الأمن الصناعي في المدينة لكنهم لم يجدوا نفعا في الحد من السرقات المنتشرة في المدينة، إذ انهم يقولون إنهم يسلمون بين فينة وأخرى عددا من اللصوص للجهات المختصة التي تتولى التحقيق معهم.
المساحات الخضراء تكاد تكون غائبة عن المدينة الصناعية الثانية في الدمام، كذلك فإن حركة السير داخل المدينة غير منظمة ولا توجد إشارات مرور تنظم السير في التقاطعات ما ينتج عنه بعض الاختناقات، خصوصا أن معظم السيارات المتواجدة في المدينة من الشاحنات.
تبرز «عكاظ» بهذا الملخص البسيط أن بعض ما شاهده الفريق الميداني أثناء جولته على المدن الصناعية، وإننا نبين لقارئنا أن هذه الجولات بدأت من جدة وما زالت مستمرة، وإن كنا سنتوقف قليلا لالتقاط الأنفاس وإعطاء المسؤولين فرصة لمراجعة أوضاع وأوجاع هذه المدن ووضع الحلول لها، مع الوعد أننا سنعود لها مرة أخرى لنشاهد ما حصل فيها وبشكل موسع.
ووعد المسؤولون بإيجاد حلول عاجلة وأخرى آجلة لبعض المشكلات، في حين لم يذكروا أي معالجات للمشكلات الأخرى، ولا شك أن أوجاع المدن الصناعية تحتاج إلى علاج سريع وناجع لدفع التنمية الصناعية في كافة مناطق المملكة.
المسؤولون في المدن الصناعية أكدوا أنهم بصدد دراسة المقترحات التي وردت في حلقات جولات «عكاظ» على المدن الصناعية، سواء كانت على لسان مشاركين فيها بالرأي أو كانت مقترحات «عكاظ». واتفقوا على أن المدن الصناعية بحاجة إلى تطوير وتحسين الخدمات الأساسية فيها، لتلبي تطلعات المواطنين والمستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب. وأشاروا إلى أن المعوقات التي تعوق تقدم الصناعة السعودية سيتم تلافيها خلال فترة زمنية، ووعدوا ببذل قصارى جهدهم لتحقيق ذلك.
وفيما يلي ما كانت قد رصدته «عكاظ» خلال جولاتها في المدن الصناعية التي زارتها في مختلف مناطق المملكة من مشكلات وأوجاع، والحلول المقترحة، ووعود المسؤولين عن تلك المدن.
تركزت شكاوى الصناعيين في مكة في عدم توافر مساحات تمكنهم من إنشاء صناعات كبيرة في المدينة الحالية الواقعة في منطقة العمرة، وهو الأمر الذي انعكس على الضعف الشديد للصناعة في مكة، خصوصا أن هناك ميزة نسبية هي التسويق الجيد من خلال الأعداد الكبيرة للحجاج والمعتمرين الذين لا ينقطعون طوال العام، فما إن ينتهي موسم الحج إلا وتبدأ الاستعدادات لموسم العمرة، وينتهي موسم العمرة ببدء موسم الحج، وبمقايسة بسيطة فإن التسويق طوال العام يكون في أوجه.
وبحسب مقترح الصناعيين، فإن أمانة العاصمة المقدسة سلمت أرضا في بحرة بمساحة 45 مليون متر مربع، وبالتالي فإن التسريع في إنشاء مدينة صناعية في بحرة تكون مشتركة بين مكة وجدة يمكن أن يكون حلا مثاليا، خصوصا إذا تم استغلال هذه المدينة من خلال تخصيص جزء من مساحة المدينة المقترحة للحرف اليدوية والصناعات المكاوية القديمة وإحيائها وتطويرها وتدريب الأجيال عليها، ويمكن أن تنتج تلك الصناعات هدايا قيمة للحجاج والمعتمرين وتطبق شعار «صنع في مكة» الذي يجد دعما كبيرا من أمير المنطقة.
كذلك يمكن إنشاء صناعات تلبي متطلبات الحجاج والمعتمرين والتركيز عليها، مثل الإحرامات والنعال والمظلات والسبح والحقائب وما شابه ذلك من متطلبات شخصية للحجاج، وتصديرها للدول الإسلامية من خلال مؤسسات الطوافة، بدلا من تصنيعها في الصين. كذلك يمكن استغلال هذه المدينة في التركيز على صناعات متقدمة من هواتف وساعات وإلكترونيات تصطبغ بالصبغة الإسلامية، وإنشاء صناعات متقدمة وعقد اتفاقات مع عدد من الدول الإسلامية لتصديرها لها، كونها صنعت في مكان مقدس للمسلمين.
وبطرح هذه المطالبة على مدير هيئة المدن الصناعية ومراكز التقنية، أكد أن الهيئة مستعدة للبدء في تطوير الأرض وتسليمها للصناعيين فور تسلمها من أمانة جدة.
صناعية خميس مشيط
شكا معظم الصناعيين في خميس مشيط من الإهمال الكبير في المدينة، وغياب الأسوار التي تحمي المدينة وانعدام النظافة فيها، والمعاناة من الطرق الموصلة إليها، وكثرة الشاحنات، وخطورة قرب شركة الغاز من المدينة، إضافة إلى وجود كميات كبيرة من الأخشاب والنفايات وخطورة اشتعالها في لحظة، خصوصا أن هناك عددا من مصانع الدهانات والمواد البتروكيمائية في المدينة، وعدم وجود مركز للدفاع المدني في المدينة يبث الطمأنينة في نفوس الصناعيين.
وبالاتصال على مدير الدفاع المدني في منطقة عسير اللواء عبد الواحد عويض الثبيتي، أوضح أن هناك تنسيقا مع هيئة المدن الصناعية لإنشاء مركز دفاع مدني في المدينة، وأن هناك مكاتبات بهذا الخصوص، لكن الدفاع المدني إلى الآن لم يتسلم هذه الأرض، وحاليا تتم تغطية المدينة الصناعية من قبل وحدة الدفاع المدني في غرب مدينة خميس مشيط.
صناعية جازان
وفي المدينة الصناعية في جازان، تركزت معظم الشكاوى في أن المدينة الصناعية في جازان تقع في قلب واد هو مجرى للسيل وتجمع المياه، مذكرين بكارثة سيول حدثت في الأزمنة الماضية، مطالبين هيئة المدن الصناعية ومراكز التقنية أن تراعي هذا الجانب، خصوصا أنها ما زالت في طور وضع البنية التحتية، وذلك من خلال مراعاة حجم عبارات السيول بحجم كبير وليست العبارات المستخدمة حاليا التي هي صغيرة جدا ولا يمكن أن تعمل بكفاءة عالية.
وبالاستفسار من الدكتور توفيق الربيعة مدير هيئة المدن الصناعية ومراكز التقنية، أفاد أن الجهة التي تحدد موقع المدينة وتمنح الأرض هي أمانات المناطق وليست هيئة المدن، وأن دور الهيئة ينحصر في تسلم الأرض بعد تحديدها من قبل الأمانة والعمل على تطويرها وإنشاء البنية التحتية فيها، ومن ثم تخصيصها للمصانع الراغبة في العمل هناك.
صناعية المدينة المنورة
وفي المدينة الصناعية في المدينة المنورة، تركزت معظم شكاوى الصناعيين في المدينة المنورة في عدد من المحاور، بعضها يتعلق بالمدينة الصناعية كعدم توافر الخدمات، عدم وجود المياه، غياب الصرف الصناعي والصحي، الطرق المتهالكة، عدم ربط المدينة بالطرق السريعة، وقنوات تصريف السيول غير المبطنة بالخرسانة ما يجعل المياه تتجمع فيها وتشكل خطورة.
أما ما يختص بالصناعة ككل، فأجمعوا على المطالبة بفصل التجارة عن الصناعة، وإنشاء وزارة خاصة تعنى بالصناعة من حيث تقديم الدعم الفني والتسويقي والتخطيط والاستراتيجيات، وكذلك المطالبة بإنشاء غرفة صناعية تهتم بالصناعة من حيث تقديم الدراسات والتنسيق بين الصناعيين، مشبهين دمج وزارة التجارة بالصناعة كمن يضع العربة أمام الحصان ويطالبه بالسير، إلا أن وزير التجارة والصناعة عبد الله زينل كان قد استبق هذه المطالبات برده الشهير على الداعين إلى فصل وزارتي التجارة والصناعة بالقول: إنهم لا يفقهون شيئا لا في التجارة ولا الصناعة، مضيفا أن دمج الوزارتين أفاد كثيرا في التفاعل مع القضايا والمستجدات التي تهم المواطن، ووضع الحلول لها بالسرعة المطلوبة.
صناعية تبوك
وفي منطقة تبوك، اتفق الصناعيون على أن المنطقة تحظى بثروات كبيرة غير مستغلة، أولها الثروة المعدنية الهائلة الموجود التي تبحث عن مستثمرين جادين يملكون رؤوس الأموال الكبيرة، ولعل من أبرزها خام الحديد المتوافر في المنطقة بكميات كبيرة ويمكن استخراجه واستخلاصه من خلال المناجم المفتوحة.
ويجمع الصناعيون على أن منطقة تبوك يمكن أن تكون بوابة التصدير إلى أوروبا من خلال منافذها البرية والبحرية، ويمكن أن تنشأ فيها صناعة تخدم هذه التوجهات، لكنهم ألقوا باللائمة على قلة الدعم من صندوق التنمية الصناعية، الذي تحول من دوره كداعم للتنمية إلى أشبه ما يكون ببنك تجاري، إذ إنه يطلب الكثير من الضمانات والاشتراطات التعجيزية التي لا يستطيع المستثمر المتوسط أو الصغير توفيرها.
وطالب مستثمرو تبوك بحزمة من التسهيلات تساعد في توجه عدد من الصناعيين الكبار إلى المنطقة، لإحداث نقلة تنموية تشجع مستثمري المنطقة الذين يخافون كثيرا من دخول مشاريع برؤوس أموال كبيرة.
وفي ما يتعلق بالبنية التحتية للمدينة، يؤكد الصناعيون أنها ما زالت تحتاج الكثير، فضعف الخدمات المقدمة يعتبر عائقا كبيرا لإنشاء مصانع هناك، ورغم أن الإيجار رمزي بريال واحد للمتر، إلا أن الخدمات منعدمة فالموجود فقط هو الكهرباء، والطرق الأسفلتية مكسرة وفيها الكثير من الحفر والمطبات، والكهرباء تكلفة إيصالها للمصانع مرتفعة، والماء معدوم، وكذلك الهاتف الذي لا يصل إلا عن طريق الإسقاط.
الحدود الشمالية «عرعر»
ورغم اتفاق الصناعيين القليلين في الحدود الشمالية على أنه لا توجد مشكلات في البنية التحتية، لأن المدينة الصناعية هناك ما زالت في طور الإنشاء ولم يكتمل بعد إنشاؤها، إلا أنهم اتفقوا على أن هموم الصناعة في عرعر كثيرة أولها؛ عدم استغلال المزايا النسبية في المنطقة للحد من البطالة التي وصلت أرقاما مخيفة، مشيرين إلى أن ذلك لن يتأتى إلا بتحفيز المستثمرين من خارج المنطقة للقدوم إليها وتقديم حزمة من التسهيلات والمحفزات، مقترحين أن تشتمل تلك الحزمة على تقديم الأراضي مجانا للصناعيين الجادين الراغبين في إنشاء مصانع توظف الشباب السعودي، وكذلك إعطاؤهم أولوية في قروض صندوق التنمية الصناعية، والسماح باستقدام العمالة بشرط مغادرتها فور إحلال خريجي المعاهد الفنية والكليات التقنية محلهم.
وأشار عدد من أعضاء المنطقة إلى إمكانية الاستفادة من الثروة الحيوانية الكبيرة في المنطقة والاستفادة منها في غزل الصوف، خصوصا أن المنطقة تعد من أكثر المناطق استهلاكا للملابس الشتوية، ويمكن أن تكون موفرا لهذه السلعة المهمة وتصديرها، أو إقامة صناعة ملابس شتوية تعتمد على الصوف المستخرج من المنطقة.
صناعية حائل
وفي حائل، اتفق معظم من التقيناهم هناك على أن الصناعة في حائل يجب أن تتركز على الصناعات الغذائية التي تعتمد في موادها الخام على المنتج الزراعي بالدرجة الأولى، إذ إن المنطقة توجد فيها مساحات زراعية شاسعة لم تستغل الاستغلال الأمثل بعد إيقاف زراعة الشعير وخفض زراعة القمح بنسبة 12.5 في المائة، إلى أن يصل الخفض إلى 100 في المائة بعد خمس سنوات، ويمكن تحويل هذه المساحات إلى أنواع أخرى من الزراعة، وإنشاء مصانع لتصنيع الفائض عن الاستهلاك الموسمي للحفاظ على مستوى معين من الأسعار، بدلا من إهدار كميات كبيرة من المنتجات أو تترك في الحقول بغرض التسميد، ويمكن كذلك التوسع في زراعة البطاطس التي يمكن أن تقام عليها أنواع عديدة من الصناعات التي يمكن أن تنشأ على تغيير الثقافة الغذائية لدى المجتمع بالتحول عن استهلاك الأرز إلى البطاطس.
وشدد الصناعيون على وجوب أن يلعب صندوق التنمية الصناعية دورا أكبر من دوره الحالي في منطقة حائل، مطالبين بفتح وحدة صناعية في فرع وزارة التجارة والصناعة في حائل تخدم الصناعيين.
وعن مدى توافر البنية التحتية في المدينة الصناعية القائمة في حائل، أجمع الصناعيون أن البنية التحتية فيها متردية جدا إذ إن هناك غيابا كاملا للطرقات الموصلة للمصانع القليلة القائمة، كما أنها تقع في مناطق رملية، كذلك الماء غير متوافر، والكهرباء إيصالها مكلف كثيرا، والنظافة شبه غائبة.
الدمام الأولى والثانية
وعلى عكس المتوقع كشفت جولة «عكاظ» أن المدينة الصناعية في الدمام الأسوأ قياساً بنظيراتها في المناطق الأخرى، سواء من حيث النظافة أو سوء التنظيم والإهمال، فالمدينتان اللتان يقارب عدد المصانع فيهما 500 مصنع تفتقران كثيرا للنظافة وتحيط بهما المستنقعات، وتكاد تكون بؤرة للتلوث.
أما ما يتعلق بالمدينة الصناعية الأولى في الدمام، فشوارعها فيها الكثير من طفح المجاري، نتج عنها تكسر الطرقات وأرصفة متهدمة وعمالة تقوم بعمليات الحفر والصيانة دون أية مراعاة لاشتراطات السلامة، ناهيك عن الخطر الكبير الذي تشكله هذه المدينة على السكان المجاورين للمنطقة، فلو اشتعل حريق فيها أو حصل تسرب كيميائي من أحد المصانع ستكون هناك كارثة بكل المقاييس، لا تجدي حينها التبريرات.
ولعل ما يردده البعض من أن هناك توجها لنقل المدينة يمكن أن يكون حلا، لكن يبدو أن أصحاب المصانع لن يرضوا بهذا الحل بسهولة، وسيظلون يقفون حجر عثرة في طريق النقل، وهذا يبدو جليا في تصريح رئيس اللجنة الصناعية سلمان الجشي الذي قال لي إن المدينة لا تشكل أي خطر على السكان، وإن الجهة الوحيدة التي تقرر نقلها من عدمه هي هيئة المدن الصناعية ومراكز التقنية.
كذلك فإن المدينة الصناعية الثانية في الدمام لا تقل سوءا عن الأولى، فالمستنقعات تحيط بها من كل صوب وتنتشر الرائحة الكريهة بالقرب من هذه المستنقعات، ما يشكل خطرا بيئيا كبيرا يهدد قرابة 80 ألف عامل. أما الطرقات فحدث ولا حرج، حفر مكسرة والبعض في مرحلة إعادة التأهيل، وفي جانب النظافة، فإنها متدنية إلى أدنى مستوى لدرجة أن الكلاب تجوب شوارع المدينة في منظر يلفت انتباه أي أحد يمر من خلالها. لا أحد ينكر انتشار عدد من حراس الأمن الصناعي في المدينة لكنهم لم يجدوا نفعا في الحد من السرقات المنتشرة في المدينة، إذ انهم يقولون إنهم يسلمون بين فينة وأخرى عددا من اللصوص للجهات المختصة التي تتولى التحقيق معهم.
المساحات الخضراء تكاد تكون غائبة عن المدينة الصناعية الثانية في الدمام، كذلك فإن حركة السير داخل المدينة غير منظمة ولا توجد إشارات مرور تنظم السير في التقاطعات ما ينتج عنه بعض الاختناقات، خصوصا أن معظم السيارات المتواجدة في المدينة من الشاحنات.
تبرز «عكاظ» بهذا الملخص البسيط أن بعض ما شاهده الفريق الميداني أثناء جولته على المدن الصناعية، وإننا نبين لقارئنا أن هذه الجولات بدأت من جدة وما زالت مستمرة، وإن كنا سنتوقف قليلا لالتقاط الأنفاس وإعطاء المسؤولين فرصة لمراجعة أوضاع وأوجاع هذه المدن ووضع الحلول لها، مع الوعد أننا سنعود لها مرة أخرى لنشاهد ما حصل فيها وبشكل موسع.