لا تكاد غيوم الحزن تفارق أيامهم، غيوم تغسل أرصفتهم بهواجس الاقساط والقروض الاستهلاكية من البنوك وشركات السيارات والبناء ومشتريات الأجهزة الالكترونية والكهربائية، ففي الوقت الراهن لم يعد التقسيط يشمل مشتريات معينة انما تعداها الى مجالات قروض الزواج الى آخر احتياجات الحياة. واذا نظرنا الى مسألة الشراء بالتقسيط نجد ان هناك اعدادا كبيرة تورطت في هذا «البحر» الذي ليست له سواحل ولا قرار، وبمرور السنوات وجدوا انفسهم محاصرين بأقساط تتراكم عليهم سنة بعد الاخرى مما يجعلها بحكم «المزمنة» ولا يستطيع المقترض الوفاء بها ما يعرضه الى المساءلة القانونية.
وفي عصر القرية الكونية الصغيرة نجد ان البنوك والمؤسسات تقدم تسهيلات يسيل لها لعاب الشخص الباحث عن اسكات ضجيج حاجته ولكن في مثل هكذا مسائل فإن اللوم لا يقع على المؤسسات والبنوك التي تمنح القروض الاستهلاكية انما يقع اللوم على المستهلك الذي تغريه الاقساط ببريقها وينجرف وراءها دون ان يضع «حزام الأمان» أو العواقب التي قد تنتج عنها، فمهما كانت حاجة الانسان ملّحة فإن جذوة العقل لا بد ان تكون حاضرة في مثل هذه الحالات حتى لا يستيقظ الانسان من نشوة القسط ويجد نفسه في مصيدة «ديون» تجعله يدور في متاهة مفرغة تسلب راحته وتحيل منامه الى كوابيس تتنفس هواءً برائحة الحزن.
وبنظرة فاحصة الى الاسراف في الشراء بالتقسيط نجد انها تربك ميزانيات الأسر حيث ان هذا النظام رغم انه يؤدي الى انعاش نبض السوق الا انه في المقابل يكبل الاعناق بالديون، وكانت الغرفة التجارية الصناعية بالرياض سبق ان أعدت دراسة عن الشراء بالتقسيط جاء فيها ان هذا النوع من البيع يلبي احتياجات أكثر من 40% من الأسر السعودية التي تحصل على متطلباتها الاستهلاكية بواسطته، ومضت الدراسة مؤكدة ان جهات التقسيط العاملة تتمثل بشكل رئيسي في مؤسسات تمويل التعامل بالتقسيط ومؤسسات السيارات تليها البنوك ثم مؤسسات تأجير السيارات والعقارات.
واكدت الدراسة ان الشراء بالتقسيط لم يعد قاصرا على الفئات ذات الدخل المحدود فحسب بل اصبح شيئا عاديا حتى في أوساط اصحاب الدخول المرتفعة.
حكايات باكية
هناك قصص كثيرة وحكايات مؤثرة لأشخاص تورطوا في الاقساط وفي نهاية المطاف وجدوا انفسهم مكبلين بأصفاد «ناعمة» ولكنها تقلق مضاجعهم.
كما يدلي برأيه في هذه القضية خبراء اقتصاد ومسؤولون في شركات للتقسيط واساتذة اجتماع وقضاة شرعيون ومحامون خاصة ان سعر الفائدة يصل في بعض الاحيان الى 50%.
ولان عمليات التقسيط تهم المستهلك في المقام الأول واذا لم يستخدم عقله وتفكيره فإنه قد يقع ضحية لها فماذا يقول المواطنون عن ذلك.
صفقة خاسرة
لم يعد محمد مازن (45 سنة) الموظف في شركة للقطاع الخاص يذوق طعما للحياة بسبب الفوائد المركبة الناتجة عن اقساط من شركة للسيارات وأحد البنوك التجارية وعن ذلك يقول: بعد زواجي وقدوم أول مولود شعرت بضائقة مالية تحاصرني من الوريد الى الوريد فهداني تفكيري الى شراء سيارة عن طريق البيع بالتقسيط وكانت صفقة يسيل لها اللعاب ولكن في النهاية وجدت نفسي أسيرا للفوائد المتراكمة وليتني توقفت عند هذا الحد فحسب بل انني اقترضت من أحد البنوك واصبح راتبي موزعا بين قسط السيارة وسداد ما أخذته من البنك لدرجة انني في بعض الاحيان اتحرج ان أخرج مع أسرتي لأحد المنتزهات نظرا لأن «الفلس» اصبح ظاهرة مزمنة في حياتي.
كوابيس مقلقة
ولا تختلف حكاية المعلمة نورا عن القصة السابقة وعن وقوعها أسيرة للاقساط تقول: كان راتبي، يكفي احتياجاتي وامنح منه جزءا لأمي الضريرة الأرملة ولكن زوجي هداه الله كان يلح عليّ بأن نشتري شقة بالاقساط وفعلا اقترضت من البنك واشترينا الشقة ولكن كانت تلك الصفقة التي تورطت فيها بمثابة «الكرباج» الذي يجلد أيامي ويحيل منامي الى كوابيس حيث انني مضطرة لدفع نصف راتبي لسداد الاقساط المرهقة.
وقالت الأرملة حصة ان احتياجها دفعها لشراء سيارة بالتقسيط ولكنها في نهاية المطاف اكتشفت ان فكرة الشراء لم تكن موفقة حيث انها وقعت ضحية للديون التي قد تؤدي بها الى السجن.
ضحية الاقساط
محمد صالح الأحمد اشار الى انه وقع ضحية الاقتراض ولكنه لم يكن يقترض بنفسه، فقد جاءه صديق يطلب منه سلفة وبعد ان منحه السلفة أخذ صاحبه بالمماطلة وامضى عدة سنوات وهو يماطل نتيجة ثقته بصاحبه مشيرا الى ان صاحبه هذا كان مقترضا من أحد البنوك وتراكمت عليه الاقساط فلجأ اليه لسدادها واصبح هو الضحية لاعادة حقه وهو في هذا المقام يحذر من وضع الثقة حتى في أقرب الناس إليه فقد اختلف الزمن ولم يعد هناك من نثق به.
ويمثل سعد الغامدي نموذجا أو فريسة -كما يقول- للإعلانات البراقة التي تطلقها البنوك المحلية في وسائل الاعلام المختلفة للتمويل أو القروض الشخصية، فقد وجد نفسه مكبلا بالقيود دون القدرة على الحراك، حيث استجاب بشكل طوعي للوعود المعسولة التي تطلقها البنوك المحلية من خلال اقتراض نحو 300 الف ريال، بهدف الاستثمار في سوق الأسهم، بيد ان الانهيار الكبير الذي شهدته السوق المالية، اتت على كل الاستثمارات فقد أكلت الأخضر واليابس، مضيفا ان البنك يلتهم الجزء الأكبر من راتبه الشهري، اذ لا يتبقى سوى الجزء اليسير من الراتب الذي يتبخر في خلال اسبوع واحد.
بينما قال عمر الدوسري ان الاغراءات الكبيرة التي تقدمها البنوك المحلية والزيارات المتكررة لمندوبي تلك البنوك على الشركات والمؤسسات شكلت الشرارة الأولى للانزلاق وراء تقديم طلب بطاقة ائتمانية فقد وجد حلاوة السيولة التي تقدمها هذه النوعية من الخدمة البنكية في بداية الأمر مما دفعه لاستخدامها بشكل مفرط للغاية، بحيث وصلت الديون المترتبة لارقام تفوق طاقته أو الدخل الشهري، حيث وصلت المستحقات البنكية لأكثر من 50 ألف ريال، وهذه الأرقام في طريقها للارتفاع بسبب زيادة الفائدة جراء عدم القدرة على السداد في الفترة المحددة التي لا تتجاوز 45 يوما.
اما خالد الرشود فقال: انه يعتبر نفسه أوفر حظا في الوقت الراهن حيث سعى من خلال الاقتراض من أحد البنوك المحلية للاتجاه لشراء منزل للأسرة، وبالتالي فإن رأس المال لا يزال موجودا، وذلك رغم من المبلغ الذي يتحمله في الوقت الراهن، حيث يقوم البنك بقطع نحو 3000 ريال من راتبه بشكل شهري، من أجل استيفاء المبلغ المطلوب والبالغ 500 الف ريال.
فائدة باهظة
محمد عبدالمحسن الحريبي من ضحايا التقسيط قال انه تورط في عملية شراء من هذا النوع مع شركة شهيرة تمتلك عشرات الفروع في مختلف مناطق المملكة، حيث وقع عقد شراء مكيفات من هذه الشركة بمدة تمتد الى ثماني سنوات وبضعة أشهر ولكنه اكتشف ان نسبة الفائدة التي تم اقرارها في العقد هي 5% ولكن ضمن بنود العقد ان نسبة الفائدة تزداد في السنة الثانية لتصل الى 8% وتتصاعد حتى نسبة 20% في السنة الاخيرة، واضاف: ان أكثر من 75% من مرتبه يذهب في سداد الاقساط للشركة عن الاثاث المنزلي بالكامل.
يا فرحة ماتمت
الشاب بندر ابراهيم ما ان فرغ من فرحة العمر بالزواج حتى تأتيه على مضض هموم ومأساة ديون البنك والتسديد الشهري للبنك فهو الآخر مطالب لدى البنك بقسط شهري يأخذ ربع المرتب اضافة الى مصاريف المنزل ومصاريف اخرى حيث لا يمضي نصف الشهر الا والوضع على أسوأ حال دون ان يجد رأفة أو رحمة لدى البنوك في جملة الفوائد البنكية في القروض.
و طالب بوجود حد للأرباح البنكية وجعلها على بنود محددة كالمتزوجين وفق بند خاص للقروض وللسيارات لها بند خاص بحيث تصبح الارباح البنكية من خلالها لا تكون كبيرة وتصبح البنوك مع المواطن في خدمة التنمية ورفاهية المعيشة لا ان تكون النار الذي يشعل البيوت ويزيد الهموم.
المقاولات لا ترحم
حسن العامري ما منذ أكثر من عشر سنوات متوقفا من عملية البناء لمنزله لحين سداد الديون.
يتحدث عن وضعه قائلا: هربت من ديون البنك فوجدت أشد لذاعة وأكثر هما منه وهو جشع المقاول فقد ألزمت ببنود عقد أخذت الأخضر واليابس من أموالي وقوت عيالي فلا نحن فرحنا بمنزل الأسرة الجديد ولا نحن انتهينا من جشع المقاولات.
المستقبل الصعب
الشاب عيسى هادي تحدث عن مرارة هذه الاقساط قال ان أولى خطوات بناء المستقبل بدأت بالديون والاقتراض البنكي طويل الأجل فمشاريعي المستقبلية كبيرة ومرتبي الضئيل لا استطيع من خلاله تأمين حياتي اللازمة بما فيها وسيلة النقل التي بنظام الايجار والمنزل الذي هو في طور البناء وزوجة المستقبل التي هي في الانتظار.
هذه جملة معاناتي مع القروض البنكية التي ستمتد لحوالى عشر سنوات دون ان يقوم البنك بتخفيض قيمة السداد وسط أرباح هائلة من قيمة القرض ولا أملك الا هذا الطريق حاليا دون ان يسعفني ويسعف الاخرين بحل منصف ومفيد للبنوك ولذوي الدخل المحدود.
وفي موقف من مواقف الاقتراض تشير ام محمد الى ان زوجها اقترض من البنك مائتي الف ريال لتأمين بعض المتطلبات المنزلية الضرورية لكن موجة الاسهم اغتالت فرحته وعندما هبطت هبوطا حادا أكلت الاخضر واليابس .
تأخر السداد
واذا كان المواطنون يرون ان الفوائد المركبة الناتجة عن التقسيط تقصم ظهورهم فماذا يقول المسؤولون عن التقسيط؟!
عبدالمعطي السلولي مدير شركة كبرى للسيارات في منطقة عسير قال انه لايرى ان هناك زيادة او مبالغ كبيرة في عملية البيع بالتقسيط حيث ان هناك سيارات تباع بالتقسيط بدون عمولة.
وفي ذات السياق قال ايمن حسن احمد مدير شركة كبرى للسيارات في الجنوب ان البيع بالتقسيط تسهيل للمستهلك من اجل الحصول على السلعة التي يرغب فيها.
اما محمد المسعود رجل اعمال فيقترح اقامة اسبوع اقتصادي لشرح تبعات الاندفاع وراء الاقتراض من البنوك دون تخطيط فقد تهافت الكثيرون وراء القروض البنكية وتكاثرت ضحاياه خاصة ان الأسهم ساهمت بشكل مباشر وراء التدافع للاقتراض حرصا على المكاسب السريعة والارباح الطائلة لكن هبوط الأسهم عجل بتكاثر ضحايا القروض وصارت القضية واضحة للعيان لذلك لا بد ان تدرس القضية عاجلا من مؤسسة النقد العربي السعودي وان تتدخل مع البنوك حتى لا يزداد حجم المأساة .
ومن جانبه قال رجل الاعمال هشام معروف ان القطاع الخاص معروف عنه انه قطاع ربحي لا يقبل الخسارة مهما كان نوعها ومن الخطأ ان ينظر اليه على انه قطاع جشع أو يغرر بالاخرين طالما انه يتعامل بوضوح مع المستهلك، واضاف: أنه يرفض وجود بعض الدعايات الوهمية التي تجذب الانسان للشراء ويجد نفسه في السجن لعدم قدرته على السداد.
شتات الأسر
ونظرا لأن الشراء بالتقسيط أو عبر القروض قد يشعل العديد من المشاكل الاجتماعية التي قد ينتج عنها خراب البيوت وتشتت الأسرر وربما يجد الشخص المنتشي بالقرض نفسه خلف القضبان فقد قال الدكتور بكر نور الجدوي من قسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك خالد: ان هناك جملة من الأسباب تجعل الانسان يلجأ للشراء بالتقسيط وهي كتالي:
* الاغراءات التي تقدمها كثير من شركات التقسيط بتيسير عملية الدفع عن طريق الاقساط الشهرية.
* استمرارية استيراد كل ما هو جديد في عالم الصناعة والمنتجات في وجود اعلانات تجارية بمزايا السلع المستوردة مما يغري الكثيرين بشرائها،
* النزعة الى المباهاة والظهور في المجتمع والبحث عن الكماليات الذي اصبح له آثار اجتماعية ونفسية ومادية، مرجعا أسباب ذلك الى التفكير الدائم في تسديد الاقساط لفترات طويلة مما سيكون له تأثير في علاقات أفراد الأسرة بعضهم ببعض وعدم القدرة على تلبية احتياجات الأسرة الضرورية كما ينبغي، بالاضافة الى ان البعض يلجأ الى الاستدانة من عدة شركات في وقت واحد مما يحمل نفسه فوق طاقتها فيلجأ الى تسديد دين بدين.. وبغض النظر عن العقوبة الجنائية المترتبة على ذلك، فإن هذه التبعات قد تؤدي الى تردي العلاقة بين الرجل وزوجته أو الأب والأم مما تنتج عنه مشاكل اجتماعية ونفسية لا حصر لها على الأولاد والأسرة مما يهدد كيان المجتمع ويصيب بالضعف..
ووفقا للدكتور شريف محمد الشريف استاذ علم الاجتماع بجامعة الملك خالد فإن ظاهرة البيع بالتقسيط تفسر النزعة الاستهلاكية لدى المواطن الذي ينبغي له ان لا يشتري الا ما يحتاجه حتى لا يقع تحت طائلة الديون، وتابع هناك بعض الناس يفعلون ذلك من أجل المباهاة والوجاهة والمظهر الاجتماعي اللامع.
وحول الاثار النفسية المترتبة على البيع بالتقسيط قال: الدكتور محمد الحامد الاستشاري النفسي ان تورط الكثيرين في القروض والاقساط يؤدي الى زيادة الضغوط وتفشي الامراض النفسية مثل القلق والاكتئاب والانتحار والاضطرابات السلوكية والذهانية وزيادة حدة العدوانية والرغبة في الانتقام مما يساهم في ضعف الاستقرار الاجتماعي.
التدقيق في الحسابات
واذا كان الشراء بالتقسيط أو عبر القروض الاستهلاكية اصبح بمثابة الظاهرة فماذا يقول خبراء الاقتصاد عن ذلك؟!
احمد السالم (اكاديمي متخصص في الاقتصاد) قال ان بعض المواطنين لا يعرفون حجم العواقب .
لذا على ان الانسان ان يفكر قبل الدخول في عمليات القروض البنكية التي قد يخسر فيها اشياء كثيرة ونبه الى نقطة مهمة تهم المقترضين وهي ان المقترض عليه ان يدقق في حساباته قبل دخوله في الاقتراض وان يضع نصب عينيه اعداد خطة لميزانية تغطي القروض ومصاريف ميزانيته واذا وجد نفسه غير قادر على السداد في يوم من الأيام فإن الأمر يجب ان يتوقف ولا يداخله الطمع في سيولة نقدية مؤقتة.
وفي ذات السياق قال الدكتور سعد علي الشهري استاذ الاقتصاد بجامعة الملك خالد: ان نظام البيع بالتقسيط عملة ذات وجهين قد تكون صحية اذا استخدمت بايجابية ويحدث العكس اذا اسيء استخدامها ومن سلبياتها انخفاض الدخل المستقبلي للفرد وتراكم المشاكل عند التكالب على الشراء بواسطة التقسيط ونشوء مشكلات مع جهات التقسيط عند عدم الالتزام بالسداد.
وقال الدكتور حبيب الله تركستاني استاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز :ان التوسع في الاقراض رغم انه في الظاهر أمر مقبول ويساهم في توفير المال لصاحب الحاجة الا انه في المجمل أمر غير مستحسن من عدة نواحٍ، حيث انه يجعل المقترض تحت رحمة الدائن لسنوات عديدة ويعمل على التضييق على المدين في حياته اليومية كما ان المقترض يتحمل فرق الاسعار حيث يضطر ان يشتري السلعة بسعر أكبر من سعرها الحقيقي وربما يصل ما يدفعه الى حوالى 25% زيادة عن القيمة الأصلية وهذا يحمل المقترض مبلغا كبيرا من المال.
كما ان التوسع في الاقراض قد يقود الى التعامل بالربا الذي يترتب عليه احتساب فوائد على الأموال المقترضة.
ويرى الاقتصادي فضل البوعينين ان هناك عدة أنواع من القروض وهي القروض العقارية والقروض الاستثمارية والقروض الموجهة للاستثمار في الأسواق والقروض الاستهلاكية وبالنسبة للقروض الاستهلاكية فهي ذات اثار سيئة على الاقتصاد والمجتمع.
واضاف ان التقارير تشير الى ان هناك نموا خطيرا في حجم القروض الاستهلاكية وهو ما يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا خشية المستقبل مشيرا الى ان مثل هذه القروض تبقى على كاهل اصحابها لسنوات طويلة مما يجعل أغلب افراد المجتمع يدورون في فلك الاقساط ووصل بعضهم الى مرحلة الاغراق.
واضاف: ان هذه القروض سوف تشكل عقبة حقيقية ومستقبلية امام الأسر والافراد.
وتابع ان ما تقوم به البنوك من تغرير بالمواطنين من خلال اعلانات القروض الاستهلاكية وبطاقات الائتمان هو أحد الأسباب التي أدت بالمجتمع الى التكالب على الشراء وحولت الأفراد من مرحلة القناعة الى مرحلة النهم وعدم عرض وطلب المزيد.
ويقترح ايقاف القروض الاستهلاكية لثلاث سنوات قادمة والاستعاضة عنها بالقرض الحسن من الهيئات والجمعيات الرسمية والجمعيات الخاصة وقال عميد كلية المعلمين في المدينة المنورة الدكتور صالح مهار: ان التقسيط أو البيع والشراء بالأجل هو من مباحات الضرورة.
وعلى هذا الأساس فإن هناك عدة أمور تجعل عملية التقسيط مربكة للمستهلكين وهي:
* غياب الثقافة الاقتصادية والاسلامية التي توجه حياة الفرد والجماعة اليومية وغياب التشريعات الاقتصادية التي تحمي الفرد من نفسه ومن الاخرين في حدود: «أنتم أعلم بأمور دنياكم».
* غياب المشاريع التثقيفية المطلوبة من الجهات المسؤولة للتصدي لمثل هذه المشكلات على مستوى المجتمع ومستوى الأفراد وما نحن عن الانهيارات المتعددة لسوق الأسهم القاتلة ببعيد.
* عدم قيام تربيتنا المدرسية والمنزلية بدورها المطلوب في تأسيس القيم الاقتصادية المطلوبة لقيادة حياة الفرد الاقتصادية نحو النجاح.
* خلو الساحة من علماء النفس الاجتماعيين الذين يبينون لاصحاب القرار خطورة تعرض الأفراد مثل هذه الهزات وهذه الظروف وانعكاس هذا على المجتمع وعلى تقدم الأمة.
* خلو الساحة من علماء الاجتماع الشرعيين وعلماء الشرع الاجتماعيين الذين يتدخلون بآرائهم العلمية الشرعية وتقدم المعلومات العلمية الشرعية التي تصحح المسار، وتطرح مشاريع تكافل اجتماعي تتناسب مع روح العصر كما تعيد تفعيل صناديق القبائل، والصناديق العائلية لتقف حاجزا امام المشاريع البنكية التي اصبحت البنوك تتنافس عليها بسبب غياب دور فاعل لمثل هذه الصناديق.
استقلال المستهلك
وفي سياق القروض الاستهلاكية والتكالب على الشراء بالتقسيط ما هو الرأي القانوني في هذا الموضوع؟!
المحامي ماجد صبر اتهم شركات التقسيط بالنصب على المتكالبين للشراء بهذه الطريقة مشيرا الى ان هذه الشركات تستغل حاجة المستهلك للمال وتقوم بعرض البضاعة عليه بمدة سداد طويلة ومن ثم اعادة شرائها منه بسعر يصل الى نصف سعر التقسيط فتكون الشركة مستفيدة من الجانبين فيما يقع المستهلك لاسيما اصحاب الدخل المحدود ضحية عدم المامه ببنود العقد اضافة الى نسبة الفائدة المرتفعة جدا التي تصاحب عمليات التقسيط المتوسطة والصغيرة.
المحامي والمستشار القانوني عبدالعزيز النقلي قال: اصبح من الضروري في حالة الشراء اللجوء الى نظام التقسيط من قبل أفراد المجتمع من أجل المحافظة على السيولة المالية والحصول على السلعة بطرق سهلة، ولكن ما يحدث عند شراء السلعة بنظام التقسيط من مخالفات قانونية من قبل البائع والمشتري بالرغم من صدور نظام البيع بالتقسيط ، حيث جاء النظام في سبع عشرة مادة يوضح كيفية البيع بالتقسيط وشروطه والضمانات والعقوبات وعرفت المادة الأولى من النظام ان البيع بالتقسيط هو نوع من أنواع البيوع الآجلة التي يتفق بموجبها البائع والمشتري على سداد الثمن مجزءا على دفعات، كما جاء في المادة الثانية من نفس النظام التي نصت على ابرام عقد محررا من نسختين أصليتين لكل طرفٍ نسخةٍ، ويتضمن هذا العقد وصف المبيع ومقدار الثمن والقدر المؤجل ومبالغ الدفعات وشروط الوفاء وغير ذلك، كما بين النظام كيفية السداد وعالج حالات عدم السداد والمبلغ الذي يستوفيه البائع في حالة البيع بالتقسيط بنسبة لا تتجاوز 20% والضمان الذي يقدمه المشتري للبائع من رهن أؤ كفالة غرم وأداء والتزام البائع بتسليم المبيع وقت ابرام العقد مع التزام المشتري بدفع قيمة المبيع حسب المتفق عليه، ولكن ما يحدث في الواقع من مخالفات لنظام البيع بالتقسيط يتمثل في ابرام عقد البيع وأخذ الضمانات التي تكفل سداد المبلغ للبائع ثم يبرم بعد ذلك عقدا مستترا تحت عقد البيع يسمى عقد ايجارة منتهيا التمليك ويأخذ عليه ايضا ضمانات اخرى مثل شيكات مصرفية بكامل المبلغ، وهذا العمل يهدف اليه البائع الى أخذ ضمانات أكثر وأحوط، فإذا لم يسدد المشتري قيمة المبيع أو الدفعة المتفق عليها في وقتها يكون للبائع عدة خيارات منها يطالب المشتري بدفع قيمة المبيع في حالة تأخيره قسطين متتاليين ويستند الى مطالبته الى عقد البيع والى الضمانات التي أخذها على المشتري بعد ذلك يقوم البائع بسحب المبيع من يد المشتري ويستند في مطالبته بأن المبيع كان في يد المشتري على سبيل الايجار وهذا يعتبر غشا وخداعا ولا يجوز سحب المبيع اذا كان بالايجار لأن المشتري يعتبر حائزا له بموجب عقد الايجار، وبناء على القاعدة النظامية ان الحيازة في المنقول «سند الملكية» فإن ما يقوم به البائع من سحب المبيع يعتبر مخالفا ولا يجوز، ويحق للمشتري رفع دعوى قضائية يحمي بها حيازته اما اذا كان المشتري لم يسدد قيمة المبيع أو تأخر عن سداد الدفعات فإنه يمكن للبائع مطالبته عن طريق الجهات القضائية بإلزامه بالسداد وبموجب الضمانات التي أخذها عليه.
وصفوة القول انه لابد من مراقبة المؤسسات والشركات التي تقوم بالبيع بنظام التقسيط في مقابل ذلك على المشتري ان يقرأ بنود العقد وان يفهمها جيدا، وفي حالة عدم معرفته لتفسير بعض بنود العقد أو لوجود بعض الغموض عليها فإنه يجب عليه عرضها على المختصين والمستشارين القانونيين.
وفي المحكمة العامة بعنيزة اشار القاضي الشيخ محمد السليمان الى ان الناس لجأوا للاقتراض من البنوك بدعوى الحصول على مبالغ مالية لتسيير أمورهم الحياتية لكن الكثيرين لا يحسبون للزمن حسابا .. وحمّل الشيخ محمد البنوك مسؤولية فتح الباب على مصراعيه واصبحت قضيتهم متابعة المقترضين والمطالبة بحقوقهم.
وفي عصر القرية الكونية الصغيرة نجد ان البنوك والمؤسسات تقدم تسهيلات يسيل لها لعاب الشخص الباحث عن اسكات ضجيج حاجته ولكن في مثل هكذا مسائل فإن اللوم لا يقع على المؤسسات والبنوك التي تمنح القروض الاستهلاكية انما يقع اللوم على المستهلك الذي تغريه الاقساط ببريقها وينجرف وراءها دون ان يضع «حزام الأمان» أو العواقب التي قد تنتج عنها، فمهما كانت حاجة الانسان ملّحة فإن جذوة العقل لا بد ان تكون حاضرة في مثل هذه الحالات حتى لا يستيقظ الانسان من نشوة القسط ويجد نفسه في مصيدة «ديون» تجعله يدور في متاهة مفرغة تسلب راحته وتحيل منامه الى كوابيس تتنفس هواءً برائحة الحزن.
وبنظرة فاحصة الى الاسراف في الشراء بالتقسيط نجد انها تربك ميزانيات الأسر حيث ان هذا النظام رغم انه يؤدي الى انعاش نبض السوق الا انه في المقابل يكبل الاعناق بالديون، وكانت الغرفة التجارية الصناعية بالرياض سبق ان أعدت دراسة عن الشراء بالتقسيط جاء فيها ان هذا النوع من البيع يلبي احتياجات أكثر من 40% من الأسر السعودية التي تحصل على متطلباتها الاستهلاكية بواسطته، ومضت الدراسة مؤكدة ان جهات التقسيط العاملة تتمثل بشكل رئيسي في مؤسسات تمويل التعامل بالتقسيط ومؤسسات السيارات تليها البنوك ثم مؤسسات تأجير السيارات والعقارات.
واكدت الدراسة ان الشراء بالتقسيط لم يعد قاصرا على الفئات ذات الدخل المحدود فحسب بل اصبح شيئا عاديا حتى في أوساط اصحاب الدخول المرتفعة.
حكايات باكية
هناك قصص كثيرة وحكايات مؤثرة لأشخاص تورطوا في الاقساط وفي نهاية المطاف وجدوا انفسهم مكبلين بأصفاد «ناعمة» ولكنها تقلق مضاجعهم.
كما يدلي برأيه في هذه القضية خبراء اقتصاد ومسؤولون في شركات للتقسيط واساتذة اجتماع وقضاة شرعيون ومحامون خاصة ان سعر الفائدة يصل في بعض الاحيان الى 50%.
ولان عمليات التقسيط تهم المستهلك في المقام الأول واذا لم يستخدم عقله وتفكيره فإنه قد يقع ضحية لها فماذا يقول المواطنون عن ذلك.
صفقة خاسرة
لم يعد محمد مازن (45 سنة) الموظف في شركة للقطاع الخاص يذوق طعما للحياة بسبب الفوائد المركبة الناتجة عن اقساط من شركة للسيارات وأحد البنوك التجارية وعن ذلك يقول: بعد زواجي وقدوم أول مولود شعرت بضائقة مالية تحاصرني من الوريد الى الوريد فهداني تفكيري الى شراء سيارة عن طريق البيع بالتقسيط وكانت صفقة يسيل لها اللعاب ولكن في النهاية وجدت نفسي أسيرا للفوائد المتراكمة وليتني توقفت عند هذا الحد فحسب بل انني اقترضت من أحد البنوك واصبح راتبي موزعا بين قسط السيارة وسداد ما أخذته من البنك لدرجة انني في بعض الاحيان اتحرج ان أخرج مع أسرتي لأحد المنتزهات نظرا لأن «الفلس» اصبح ظاهرة مزمنة في حياتي.
كوابيس مقلقة
ولا تختلف حكاية المعلمة نورا عن القصة السابقة وعن وقوعها أسيرة للاقساط تقول: كان راتبي، يكفي احتياجاتي وامنح منه جزءا لأمي الضريرة الأرملة ولكن زوجي هداه الله كان يلح عليّ بأن نشتري شقة بالاقساط وفعلا اقترضت من البنك واشترينا الشقة ولكن كانت تلك الصفقة التي تورطت فيها بمثابة «الكرباج» الذي يجلد أيامي ويحيل منامي الى كوابيس حيث انني مضطرة لدفع نصف راتبي لسداد الاقساط المرهقة.
وقالت الأرملة حصة ان احتياجها دفعها لشراء سيارة بالتقسيط ولكنها في نهاية المطاف اكتشفت ان فكرة الشراء لم تكن موفقة حيث انها وقعت ضحية للديون التي قد تؤدي بها الى السجن.
ضحية الاقساط
محمد صالح الأحمد اشار الى انه وقع ضحية الاقتراض ولكنه لم يكن يقترض بنفسه، فقد جاءه صديق يطلب منه سلفة وبعد ان منحه السلفة أخذ صاحبه بالمماطلة وامضى عدة سنوات وهو يماطل نتيجة ثقته بصاحبه مشيرا الى ان صاحبه هذا كان مقترضا من أحد البنوك وتراكمت عليه الاقساط فلجأ اليه لسدادها واصبح هو الضحية لاعادة حقه وهو في هذا المقام يحذر من وضع الثقة حتى في أقرب الناس إليه فقد اختلف الزمن ولم يعد هناك من نثق به.
ويمثل سعد الغامدي نموذجا أو فريسة -كما يقول- للإعلانات البراقة التي تطلقها البنوك المحلية في وسائل الاعلام المختلفة للتمويل أو القروض الشخصية، فقد وجد نفسه مكبلا بالقيود دون القدرة على الحراك، حيث استجاب بشكل طوعي للوعود المعسولة التي تطلقها البنوك المحلية من خلال اقتراض نحو 300 الف ريال، بهدف الاستثمار في سوق الأسهم، بيد ان الانهيار الكبير الذي شهدته السوق المالية، اتت على كل الاستثمارات فقد أكلت الأخضر واليابس، مضيفا ان البنك يلتهم الجزء الأكبر من راتبه الشهري، اذ لا يتبقى سوى الجزء اليسير من الراتب الذي يتبخر في خلال اسبوع واحد.
بينما قال عمر الدوسري ان الاغراءات الكبيرة التي تقدمها البنوك المحلية والزيارات المتكررة لمندوبي تلك البنوك على الشركات والمؤسسات شكلت الشرارة الأولى للانزلاق وراء تقديم طلب بطاقة ائتمانية فقد وجد حلاوة السيولة التي تقدمها هذه النوعية من الخدمة البنكية في بداية الأمر مما دفعه لاستخدامها بشكل مفرط للغاية، بحيث وصلت الديون المترتبة لارقام تفوق طاقته أو الدخل الشهري، حيث وصلت المستحقات البنكية لأكثر من 50 ألف ريال، وهذه الأرقام في طريقها للارتفاع بسبب زيادة الفائدة جراء عدم القدرة على السداد في الفترة المحددة التي لا تتجاوز 45 يوما.
اما خالد الرشود فقال: انه يعتبر نفسه أوفر حظا في الوقت الراهن حيث سعى من خلال الاقتراض من أحد البنوك المحلية للاتجاه لشراء منزل للأسرة، وبالتالي فإن رأس المال لا يزال موجودا، وذلك رغم من المبلغ الذي يتحمله في الوقت الراهن، حيث يقوم البنك بقطع نحو 3000 ريال من راتبه بشكل شهري، من أجل استيفاء المبلغ المطلوب والبالغ 500 الف ريال.
فائدة باهظة
محمد عبدالمحسن الحريبي من ضحايا التقسيط قال انه تورط في عملية شراء من هذا النوع مع شركة شهيرة تمتلك عشرات الفروع في مختلف مناطق المملكة، حيث وقع عقد شراء مكيفات من هذه الشركة بمدة تمتد الى ثماني سنوات وبضعة أشهر ولكنه اكتشف ان نسبة الفائدة التي تم اقرارها في العقد هي 5% ولكن ضمن بنود العقد ان نسبة الفائدة تزداد في السنة الثانية لتصل الى 8% وتتصاعد حتى نسبة 20% في السنة الاخيرة، واضاف: ان أكثر من 75% من مرتبه يذهب في سداد الاقساط للشركة عن الاثاث المنزلي بالكامل.
يا فرحة ماتمت
الشاب بندر ابراهيم ما ان فرغ من فرحة العمر بالزواج حتى تأتيه على مضض هموم ومأساة ديون البنك والتسديد الشهري للبنك فهو الآخر مطالب لدى البنك بقسط شهري يأخذ ربع المرتب اضافة الى مصاريف المنزل ومصاريف اخرى حيث لا يمضي نصف الشهر الا والوضع على أسوأ حال دون ان يجد رأفة أو رحمة لدى البنوك في جملة الفوائد البنكية في القروض.
و طالب بوجود حد للأرباح البنكية وجعلها على بنود محددة كالمتزوجين وفق بند خاص للقروض وللسيارات لها بند خاص بحيث تصبح الارباح البنكية من خلالها لا تكون كبيرة وتصبح البنوك مع المواطن في خدمة التنمية ورفاهية المعيشة لا ان تكون النار الذي يشعل البيوت ويزيد الهموم.
المقاولات لا ترحم
حسن العامري ما منذ أكثر من عشر سنوات متوقفا من عملية البناء لمنزله لحين سداد الديون.
يتحدث عن وضعه قائلا: هربت من ديون البنك فوجدت أشد لذاعة وأكثر هما منه وهو جشع المقاول فقد ألزمت ببنود عقد أخذت الأخضر واليابس من أموالي وقوت عيالي فلا نحن فرحنا بمنزل الأسرة الجديد ولا نحن انتهينا من جشع المقاولات.
المستقبل الصعب
الشاب عيسى هادي تحدث عن مرارة هذه الاقساط قال ان أولى خطوات بناء المستقبل بدأت بالديون والاقتراض البنكي طويل الأجل فمشاريعي المستقبلية كبيرة ومرتبي الضئيل لا استطيع من خلاله تأمين حياتي اللازمة بما فيها وسيلة النقل التي بنظام الايجار والمنزل الذي هو في طور البناء وزوجة المستقبل التي هي في الانتظار.
هذه جملة معاناتي مع القروض البنكية التي ستمتد لحوالى عشر سنوات دون ان يقوم البنك بتخفيض قيمة السداد وسط أرباح هائلة من قيمة القرض ولا أملك الا هذا الطريق حاليا دون ان يسعفني ويسعف الاخرين بحل منصف ومفيد للبنوك ولذوي الدخل المحدود.
وفي موقف من مواقف الاقتراض تشير ام محمد الى ان زوجها اقترض من البنك مائتي الف ريال لتأمين بعض المتطلبات المنزلية الضرورية لكن موجة الاسهم اغتالت فرحته وعندما هبطت هبوطا حادا أكلت الاخضر واليابس .
تأخر السداد
واذا كان المواطنون يرون ان الفوائد المركبة الناتجة عن التقسيط تقصم ظهورهم فماذا يقول المسؤولون عن التقسيط؟!
عبدالمعطي السلولي مدير شركة كبرى للسيارات في منطقة عسير قال انه لايرى ان هناك زيادة او مبالغ كبيرة في عملية البيع بالتقسيط حيث ان هناك سيارات تباع بالتقسيط بدون عمولة.
وفي ذات السياق قال ايمن حسن احمد مدير شركة كبرى للسيارات في الجنوب ان البيع بالتقسيط تسهيل للمستهلك من اجل الحصول على السلعة التي يرغب فيها.
اما محمد المسعود رجل اعمال فيقترح اقامة اسبوع اقتصادي لشرح تبعات الاندفاع وراء الاقتراض من البنوك دون تخطيط فقد تهافت الكثيرون وراء القروض البنكية وتكاثرت ضحاياه خاصة ان الأسهم ساهمت بشكل مباشر وراء التدافع للاقتراض حرصا على المكاسب السريعة والارباح الطائلة لكن هبوط الأسهم عجل بتكاثر ضحايا القروض وصارت القضية واضحة للعيان لذلك لا بد ان تدرس القضية عاجلا من مؤسسة النقد العربي السعودي وان تتدخل مع البنوك حتى لا يزداد حجم المأساة .
ومن جانبه قال رجل الاعمال هشام معروف ان القطاع الخاص معروف عنه انه قطاع ربحي لا يقبل الخسارة مهما كان نوعها ومن الخطأ ان ينظر اليه على انه قطاع جشع أو يغرر بالاخرين طالما انه يتعامل بوضوح مع المستهلك، واضاف: أنه يرفض وجود بعض الدعايات الوهمية التي تجذب الانسان للشراء ويجد نفسه في السجن لعدم قدرته على السداد.
شتات الأسر
ونظرا لأن الشراء بالتقسيط أو عبر القروض قد يشعل العديد من المشاكل الاجتماعية التي قد ينتج عنها خراب البيوت وتشتت الأسرر وربما يجد الشخص المنتشي بالقرض نفسه خلف القضبان فقد قال الدكتور بكر نور الجدوي من قسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك خالد: ان هناك جملة من الأسباب تجعل الانسان يلجأ للشراء بالتقسيط وهي كتالي:
* الاغراءات التي تقدمها كثير من شركات التقسيط بتيسير عملية الدفع عن طريق الاقساط الشهرية.
* استمرارية استيراد كل ما هو جديد في عالم الصناعة والمنتجات في وجود اعلانات تجارية بمزايا السلع المستوردة مما يغري الكثيرين بشرائها،
* النزعة الى المباهاة والظهور في المجتمع والبحث عن الكماليات الذي اصبح له آثار اجتماعية ونفسية ومادية، مرجعا أسباب ذلك الى التفكير الدائم في تسديد الاقساط لفترات طويلة مما سيكون له تأثير في علاقات أفراد الأسرة بعضهم ببعض وعدم القدرة على تلبية احتياجات الأسرة الضرورية كما ينبغي، بالاضافة الى ان البعض يلجأ الى الاستدانة من عدة شركات في وقت واحد مما يحمل نفسه فوق طاقتها فيلجأ الى تسديد دين بدين.. وبغض النظر عن العقوبة الجنائية المترتبة على ذلك، فإن هذه التبعات قد تؤدي الى تردي العلاقة بين الرجل وزوجته أو الأب والأم مما تنتج عنه مشاكل اجتماعية ونفسية لا حصر لها على الأولاد والأسرة مما يهدد كيان المجتمع ويصيب بالضعف..
ووفقا للدكتور شريف محمد الشريف استاذ علم الاجتماع بجامعة الملك خالد فإن ظاهرة البيع بالتقسيط تفسر النزعة الاستهلاكية لدى المواطن الذي ينبغي له ان لا يشتري الا ما يحتاجه حتى لا يقع تحت طائلة الديون، وتابع هناك بعض الناس يفعلون ذلك من أجل المباهاة والوجاهة والمظهر الاجتماعي اللامع.
وحول الاثار النفسية المترتبة على البيع بالتقسيط قال: الدكتور محمد الحامد الاستشاري النفسي ان تورط الكثيرين في القروض والاقساط يؤدي الى زيادة الضغوط وتفشي الامراض النفسية مثل القلق والاكتئاب والانتحار والاضطرابات السلوكية والذهانية وزيادة حدة العدوانية والرغبة في الانتقام مما يساهم في ضعف الاستقرار الاجتماعي.
التدقيق في الحسابات
واذا كان الشراء بالتقسيط أو عبر القروض الاستهلاكية اصبح بمثابة الظاهرة فماذا يقول خبراء الاقتصاد عن ذلك؟!
احمد السالم (اكاديمي متخصص في الاقتصاد) قال ان بعض المواطنين لا يعرفون حجم العواقب .
لذا على ان الانسان ان يفكر قبل الدخول في عمليات القروض البنكية التي قد يخسر فيها اشياء كثيرة ونبه الى نقطة مهمة تهم المقترضين وهي ان المقترض عليه ان يدقق في حساباته قبل دخوله في الاقتراض وان يضع نصب عينيه اعداد خطة لميزانية تغطي القروض ومصاريف ميزانيته واذا وجد نفسه غير قادر على السداد في يوم من الأيام فإن الأمر يجب ان يتوقف ولا يداخله الطمع في سيولة نقدية مؤقتة.
وفي ذات السياق قال الدكتور سعد علي الشهري استاذ الاقتصاد بجامعة الملك خالد: ان نظام البيع بالتقسيط عملة ذات وجهين قد تكون صحية اذا استخدمت بايجابية ويحدث العكس اذا اسيء استخدامها ومن سلبياتها انخفاض الدخل المستقبلي للفرد وتراكم المشاكل عند التكالب على الشراء بواسطة التقسيط ونشوء مشكلات مع جهات التقسيط عند عدم الالتزام بالسداد.
وقال الدكتور حبيب الله تركستاني استاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز :ان التوسع في الاقراض رغم انه في الظاهر أمر مقبول ويساهم في توفير المال لصاحب الحاجة الا انه في المجمل أمر غير مستحسن من عدة نواحٍ، حيث انه يجعل المقترض تحت رحمة الدائن لسنوات عديدة ويعمل على التضييق على المدين في حياته اليومية كما ان المقترض يتحمل فرق الاسعار حيث يضطر ان يشتري السلعة بسعر أكبر من سعرها الحقيقي وربما يصل ما يدفعه الى حوالى 25% زيادة عن القيمة الأصلية وهذا يحمل المقترض مبلغا كبيرا من المال.
كما ان التوسع في الاقراض قد يقود الى التعامل بالربا الذي يترتب عليه احتساب فوائد على الأموال المقترضة.
ويرى الاقتصادي فضل البوعينين ان هناك عدة أنواع من القروض وهي القروض العقارية والقروض الاستثمارية والقروض الموجهة للاستثمار في الأسواق والقروض الاستهلاكية وبالنسبة للقروض الاستهلاكية فهي ذات اثار سيئة على الاقتصاد والمجتمع.
واضاف ان التقارير تشير الى ان هناك نموا خطيرا في حجم القروض الاستهلاكية وهو ما يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا خشية المستقبل مشيرا الى ان مثل هذه القروض تبقى على كاهل اصحابها لسنوات طويلة مما يجعل أغلب افراد المجتمع يدورون في فلك الاقساط ووصل بعضهم الى مرحلة الاغراق.
واضاف: ان هذه القروض سوف تشكل عقبة حقيقية ومستقبلية امام الأسر والافراد.
وتابع ان ما تقوم به البنوك من تغرير بالمواطنين من خلال اعلانات القروض الاستهلاكية وبطاقات الائتمان هو أحد الأسباب التي أدت بالمجتمع الى التكالب على الشراء وحولت الأفراد من مرحلة القناعة الى مرحلة النهم وعدم عرض وطلب المزيد.
ويقترح ايقاف القروض الاستهلاكية لثلاث سنوات قادمة والاستعاضة عنها بالقرض الحسن من الهيئات والجمعيات الرسمية والجمعيات الخاصة وقال عميد كلية المعلمين في المدينة المنورة الدكتور صالح مهار: ان التقسيط أو البيع والشراء بالأجل هو من مباحات الضرورة.
وعلى هذا الأساس فإن هناك عدة أمور تجعل عملية التقسيط مربكة للمستهلكين وهي:
* غياب الثقافة الاقتصادية والاسلامية التي توجه حياة الفرد والجماعة اليومية وغياب التشريعات الاقتصادية التي تحمي الفرد من نفسه ومن الاخرين في حدود: «أنتم أعلم بأمور دنياكم».
* غياب المشاريع التثقيفية المطلوبة من الجهات المسؤولة للتصدي لمثل هذه المشكلات على مستوى المجتمع ومستوى الأفراد وما نحن عن الانهيارات المتعددة لسوق الأسهم القاتلة ببعيد.
* عدم قيام تربيتنا المدرسية والمنزلية بدورها المطلوب في تأسيس القيم الاقتصادية المطلوبة لقيادة حياة الفرد الاقتصادية نحو النجاح.
* خلو الساحة من علماء النفس الاجتماعيين الذين يبينون لاصحاب القرار خطورة تعرض الأفراد مثل هذه الهزات وهذه الظروف وانعكاس هذا على المجتمع وعلى تقدم الأمة.
* خلو الساحة من علماء الاجتماع الشرعيين وعلماء الشرع الاجتماعيين الذين يتدخلون بآرائهم العلمية الشرعية وتقدم المعلومات العلمية الشرعية التي تصحح المسار، وتطرح مشاريع تكافل اجتماعي تتناسب مع روح العصر كما تعيد تفعيل صناديق القبائل، والصناديق العائلية لتقف حاجزا امام المشاريع البنكية التي اصبحت البنوك تتنافس عليها بسبب غياب دور فاعل لمثل هذه الصناديق.
استقلال المستهلك
وفي سياق القروض الاستهلاكية والتكالب على الشراء بالتقسيط ما هو الرأي القانوني في هذا الموضوع؟!
المحامي ماجد صبر اتهم شركات التقسيط بالنصب على المتكالبين للشراء بهذه الطريقة مشيرا الى ان هذه الشركات تستغل حاجة المستهلك للمال وتقوم بعرض البضاعة عليه بمدة سداد طويلة ومن ثم اعادة شرائها منه بسعر يصل الى نصف سعر التقسيط فتكون الشركة مستفيدة من الجانبين فيما يقع المستهلك لاسيما اصحاب الدخل المحدود ضحية عدم المامه ببنود العقد اضافة الى نسبة الفائدة المرتفعة جدا التي تصاحب عمليات التقسيط المتوسطة والصغيرة.
المحامي والمستشار القانوني عبدالعزيز النقلي قال: اصبح من الضروري في حالة الشراء اللجوء الى نظام التقسيط من قبل أفراد المجتمع من أجل المحافظة على السيولة المالية والحصول على السلعة بطرق سهلة، ولكن ما يحدث عند شراء السلعة بنظام التقسيط من مخالفات قانونية من قبل البائع والمشتري بالرغم من صدور نظام البيع بالتقسيط ، حيث جاء النظام في سبع عشرة مادة يوضح كيفية البيع بالتقسيط وشروطه والضمانات والعقوبات وعرفت المادة الأولى من النظام ان البيع بالتقسيط هو نوع من أنواع البيوع الآجلة التي يتفق بموجبها البائع والمشتري على سداد الثمن مجزءا على دفعات، كما جاء في المادة الثانية من نفس النظام التي نصت على ابرام عقد محررا من نسختين أصليتين لكل طرفٍ نسخةٍ، ويتضمن هذا العقد وصف المبيع ومقدار الثمن والقدر المؤجل ومبالغ الدفعات وشروط الوفاء وغير ذلك، كما بين النظام كيفية السداد وعالج حالات عدم السداد والمبلغ الذي يستوفيه البائع في حالة البيع بالتقسيط بنسبة لا تتجاوز 20% والضمان الذي يقدمه المشتري للبائع من رهن أؤ كفالة غرم وأداء والتزام البائع بتسليم المبيع وقت ابرام العقد مع التزام المشتري بدفع قيمة المبيع حسب المتفق عليه، ولكن ما يحدث في الواقع من مخالفات لنظام البيع بالتقسيط يتمثل في ابرام عقد البيع وأخذ الضمانات التي تكفل سداد المبلغ للبائع ثم يبرم بعد ذلك عقدا مستترا تحت عقد البيع يسمى عقد ايجارة منتهيا التمليك ويأخذ عليه ايضا ضمانات اخرى مثل شيكات مصرفية بكامل المبلغ، وهذا العمل يهدف اليه البائع الى أخذ ضمانات أكثر وأحوط، فإذا لم يسدد المشتري قيمة المبيع أو الدفعة المتفق عليها في وقتها يكون للبائع عدة خيارات منها يطالب المشتري بدفع قيمة المبيع في حالة تأخيره قسطين متتاليين ويستند الى مطالبته الى عقد البيع والى الضمانات التي أخذها على المشتري بعد ذلك يقوم البائع بسحب المبيع من يد المشتري ويستند في مطالبته بأن المبيع كان في يد المشتري على سبيل الايجار وهذا يعتبر غشا وخداعا ولا يجوز سحب المبيع اذا كان بالايجار لأن المشتري يعتبر حائزا له بموجب عقد الايجار، وبناء على القاعدة النظامية ان الحيازة في المنقول «سند الملكية» فإن ما يقوم به البائع من سحب المبيع يعتبر مخالفا ولا يجوز، ويحق للمشتري رفع دعوى قضائية يحمي بها حيازته اما اذا كان المشتري لم يسدد قيمة المبيع أو تأخر عن سداد الدفعات فإنه يمكن للبائع مطالبته عن طريق الجهات القضائية بإلزامه بالسداد وبموجب الضمانات التي أخذها عليه.
وصفوة القول انه لابد من مراقبة المؤسسات والشركات التي تقوم بالبيع بنظام التقسيط في مقابل ذلك على المشتري ان يقرأ بنود العقد وان يفهمها جيدا، وفي حالة عدم معرفته لتفسير بعض بنود العقد أو لوجود بعض الغموض عليها فإنه يجب عليه عرضها على المختصين والمستشارين القانونيين.
وفي المحكمة العامة بعنيزة اشار القاضي الشيخ محمد السليمان الى ان الناس لجأوا للاقتراض من البنوك بدعوى الحصول على مبالغ مالية لتسيير أمورهم الحياتية لكن الكثيرين لا يحسبون للزمن حسابا .. وحمّل الشيخ محمد البنوك مسؤولية فتح الباب على مصراعيه واصبحت قضيتهم متابعة المقترضين والمطالبة بحقوقهم.