-A +A
إبراهيم عبدالله مفتاح
كنت قد كتبت أكثر من مرة أشياء من أدبياتنا المحلية الشعبية التي ما زال بعضها عالقا بذاكرتي منذ زمن الطفولة .. وعلى ما أذكر أن آخر ما كتبت من هذه الأدبيات ـــ في عمودي هذا ـــ موضوعا بعنوان «العمة الزين حصمة في العين» ـــ والعمة هنا يقصد بها الحماة ـــ وكتبت موضوعا ثانيا بعنوان «الله يرحمه .. دقوا مزقمه»، وثالثا بعنوان «عبد ربه .. الشياطين ما تكبه» وكان لتلك الموضوعات نصيب من تعليقات القراء والمطالبة بالمزيد من الكتابة عن هذه الأدبيات التي يقول عنها القراء الكرام: إنها تتصف بالغرابة والطرافة وفي نفس الوقت ترسم الابتسامة على الثغور في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى الابتسامة.
اليوم أعود لأطرق مقولة شعبية جديدة تدور في أوساطنا كلما حدث ظرف يستدعي الاستشهاد بها أو استدعاءها حسب الحدث المناسب .. والمقولة كاملة هي «عشوني وعشوا دجاجي وخلوا حسوك العير حتى ياجي» .. والحسوك لمن لا يعرفه هو كمية الشعير التي تقدم للحصان أو الحمار ليلا .. وقد جاء في الأمثال الشعبية قولهم: ما ينفع الحسوك وقت الغارة. هو بمعنى أن الشخص الذي لديه حصان أو بغل أو حمار يبخل عليه ولا يشبعه في الأيام العادية ـــ حتى ينهكه الجوع ـــ لا ينفع معه تقديم الحسوك عند الحاجة إليه بل ربما أن ذلك يلحق به الضرر ويؤدي به إلى التخمة بسبب عدم تعود جهازه الهضمي على الأكل .. أما «العير» فهو الحمار وهو اسم عربي فصيح.
أعود للمقولة: عشوني وعشوا دجاجي وخلوا حسوك العير حتى ياجي لأقول: إنها تضرب للشخص الثقيل الدم أو عديم الذوق أو البخيل الذي يستغل طيبة الآخرين وكرمهم فيفرض وجوده عليهم بزعم الصداقة والاصطفاء والتظاهر بأنه واحد منهم لهم ما له وعليهم ما عليه وهو في حقيقة أمره لا هذا ولا ذاك وإنما هو شخص يلقي بكل ثقله ـــ من مأكل ومشرب وسكن وقضاء مصالح أخرى ـــ عليهم دون أن يبذل في ذلك جهدا يذكر بل يتمادى به الأمر ـــ مع الاستمرارية في تحمل تبعاته ـــ إلى أن يصبح معتقدا أن ذلك الإحسان إليه واحتمال ثقالة دمه وقلة ذوقه أصبح واجبا على الآخرين الذين أتاحوا له الفرصة بأن يمد أطناب خيمة لؤمه على أرضية طيبتهم وتسامحهم ونبل كرمهم وطباعهم وأضحى لا يكتفي بما يقدمونه له من خدمات ـــ عن طيب خاطر منهم ـــ بل أصبح يعتبر أن وجوده مفروض عليهم وأن خدمته حق واجب يقومون به تجاهه ويصل به الأمر إلى أنه لا يكتفي بتلبية حاجاته الضرورية الشخصية بل يغريه لؤم طبعه إلى تجاوز ذلك إلى ما هو أبعد حسبما تدل عليه المقولة السالفة الذكر «عشوني وعشوا دجاجي وخلوا حسوك العير حتى ياجي».


للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 101 مسافة ثم الرسالة