يتموج اهتمام العالم بمنطقتنا العربية لما تحتويه من أحداث ساخنة متتابعة مرتبطة بمصالحه وسياساته ووجوده فيها. وحيث إن واشنطن تلعب الدور الرئيسي الفاعل في معادلات المنطقة, سواءً في فلسطين أو العراق أو لبنان، جاء الاهتمام كبيراً من كل المتابعين والمعنيين بتقرير مجموعة بيكر- هاملتون حول العراق الذي صدر تحت عنوان « الطريق إلى الأمام»، بمعنى الرؤية المقترحة للدور الأمريكي في العراق والمنطقة للمرحلة القادمة. بينما عجز أهل المنطقة، بسبب وهنهم وشتاتهم وانشغالهم بأنفسهم وصراعاتهم، عن تقديم دراسة واقعية للخروج من أزماتهم المترابطة يراعون فيها مصالحهم أولاً، ثم مصالح شركائهم -إقليمياً ودولياً- في المنطقة.
تسربت بعض مؤشرات التقرير منذ فترة. وصدر مؤخراً في ظروف سياسية واقتصادية سيئة تمر بها الإدارة الجمهورية في البيت الأبيض. فقد فاز الديمقراطيون في الانتخابات النصفية الأخيرة، وخسر الجمهوريون صقرين من إدارتهم، وزير الدفاع رامسفيلد ومندوبهم في الأمم المتحدة جون بولتون. وعبر المؤرخ البريطاني غايل فيرغيسون عن الحالة التي تعيشها أمريكا بقوله « إن الأمريكيين يشكون عجزاً مثلثاً: الأول مالي لأنهم رهينة الصينيين واليابانيين. والثاني إنساني لأنهم ينوون الحرب، على مثال حالهم في فيتنام، من غير تعبئة السكان. والثالث يتعلق بثبات الانتباه, فأزمة لا تلبث تطرد سابقتها». وذهب الكاتب ريتشارد هاس أبعد من ذلك عندما ناقش في مقال تحسين شروط الوجود الأمريكي بعنوان « نهاية الهيمنة الأمريكية».
إن حقيقة ما جاء في تقرير بيكر- هاملتون هو بمثابة وصف لواقع المشكلة العراقية من وجهة نظر أمريكية، يُفترض حياديتها، الحيادية هنا بين الحزبين، الجمهوري والديمقراطي. وقدم 79 توصية للمعالجة ومخارج للأمريكيين من أزمتهم في العراق بأقل خسائر ممكنة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وبكلمة أخرى هو عبارة عن دراسة تراعي المصالح الأمريكية العليا في المنطقة، فلم تقدم شيئاً جديداً بقدر ما قدمت وصفاً وتوصيات قد عرضتها أطراف كثيرة خلال السنة الأخيرة من الداخل العراقي والمحيط الإقليمي والدولي، كل من زاويته ووفق رؤيته، وجاء التقرير ليؤكد ما توافق منها مع المصالح الأمريكية بصورة دراسة مترابطة للتوصيفات المختلفة والمقترحات المتعددة.
وقدم التقرير ربطاً شاملاً بين مجريات الأحداث في العراق والأزمات الأخرى في المنطقة كفلسطين ولبنان وأفغانستان مع التركيز على قضية الصراع العربي الإسرائيلي كما جاء في التوصيات (12، 13، 14، 15، 16، 17، 18)، والحملة الدبلوماسية المطلوبة لدعم كل التوصيات والتي تقوم على أساس إنشاء «المجموعة الدولية لدعم العراق», ولم يغفل عن أهمية الأمن الإسرائيلي الذي نصت عليه التوصية رقم 12 في سياق اتفاق سلام شامل آمن بين سوريا وإسرائيل. وغلب على أغلب التوصيات الأخرى اقتراحات لترتيب الوضع الميداني تفصيلياً في المجال الأمني والعسكري والسياسي والاقتصادي.
رغم كون هذه التوصيات غير ملزمة للإدارة الأمريكية، وهي تعبر عن رغبات مركبة على التنافس بين الجمهوريين والديمقراطيين في الحكومة الأمريكية، ومنبعثة من أزمتهم في العراق، إلا أنها، من وجهة تخطيطية وإدارية وسياسية، تعبر عن محولات البحث العقلاني في المخارج عندما تتشكل الأزمات، بينما نحن في الوطن العربي، لكوننا في عمق الأزمات، في أمسّ الحاجة لتأسيس رؤية مشتركة تبتعد عن التنظير وتتلمس الواقع بشكل تفصيلي في ما لنا أو علينا ميدانياً من أدوار نتحمل مسؤوليتها وفق مصالحنا أولاً وأخيراً في فلسطين والعراق ولبنان. نأمل أن يتحقق ذلك. والله من وراء القصد.
ص.ب 2421 الدمام 31451
kshabib@hotmail.com
تسربت بعض مؤشرات التقرير منذ فترة. وصدر مؤخراً في ظروف سياسية واقتصادية سيئة تمر بها الإدارة الجمهورية في البيت الأبيض. فقد فاز الديمقراطيون في الانتخابات النصفية الأخيرة، وخسر الجمهوريون صقرين من إدارتهم، وزير الدفاع رامسفيلد ومندوبهم في الأمم المتحدة جون بولتون. وعبر المؤرخ البريطاني غايل فيرغيسون عن الحالة التي تعيشها أمريكا بقوله « إن الأمريكيين يشكون عجزاً مثلثاً: الأول مالي لأنهم رهينة الصينيين واليابانيين. والثاني إنساني لأنهم ينوون الحرب، على مثال حالهم في فيتنام، من غير تعبئة السكان. والثالث يتعلق بثبات الانتباه, فأزمة لا تلبث تطرد سابقتها». وذهب الكاتب ريتشارد هاس أبعد من ذلك عندما ناقش في مقال تحسين شروط الوجود الأمريكي بعنوان « نهاية الهيمنة الأمريكية».
إن حقيقة ما جاء في تقرير بيكر- هاملتون هو بمثابة وصف لواقع المشكلة العراقية من وجهة نظر أمريكية، يُفترض حياديتها، الحيادية هنا بين الحزبين، الجمهوري والديمقراطي. وقدم 79 توصية للمعالجة ومخارج للأمريكيين من أزمتهم في العراق بأقل خسائر ممكنة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وبكلمة أخرى هو عبارة عن دراسة تراعي المصالح الأمريكية العليا في المنطقة، فلم تقدم شيئاً جديداً بقدر ما قدمت وصفاً وتوصيات قد عرضتها أطراف كثيرة خلال السنة الأخيرة من الداخل العراقي والمحيط الإقليمي والدولي، كل من زاويته ووفق رؤيته، وجاء التقرير ليؤكد ما توافق منها مع المصالح الأمريكية بصورة دراسة مترابطة للتوصيفات المختلفة والمقترحات المتعددة.
وقدم التقرير ربطاً شاملاً بين مجريات الأحداث في العراق والأزمات الأخرى في المنطقة كفلسطين ولبنان وأفغانستان مع التركيز على قضية الصراع العربي الإسرائيلي كما جاء في التوصيات (12، 13، 14، 15، 16، 17، 18)، والحملة الدبلوماسية المطلوبة لدعم كل التوصيات والتي تقوم على أساس إنشاء «المجموعة الدولية لدعم العراق», ولم يغفل عن أهمية الأمن الإسرائيلي الذي نصت عليه التوصية رقم 12 في سياق اتفاق سلام شامل آمن بين سوريا وإسرائيل. وغلب على أغلب التوصيات الأخرى اقتراحات لترتيب الوضع الميداني تفصيلياً في المجال الأمني والعسكري والسياسي والاقتصادي.
رغم كون هذه التوصيات غير ملزمة للإدارة الأمريكية، وهي تعبر عن رغبات مركبة على التنافس بين الجمهوريين والديمقراطيين في الحكومة الأمريكية، ومنبعثة من أزمتهم في العراق، إلا أنها، من وجهة تخطيطية وإدارية وسياسية، تعبر عن محولات البحث العقلاني في المخارج عندما تتشكل الأزمات، بينما نحن في الوطن العربي، لكوننا في عمق الأزمات، في أمسّ الحاجة لتأسيس رؤية مشتركة تبتعد عن التنظير وتتلمس الواقع بشكل تفصيلي في ما لنا أو علينا ميدانياً من أدوار نتحمل مسؤوليتها وفق مصالحنا أولاً وأخيراً في فلسطين والعراق ولبنان. نأمل أن يتحقق ذلك. والله من وراء القصد.
ص.ب 2421 الدمام 31451
kshabib@hotmail.com