يعتبر ملف التعديات على الأراضي والبحث عن إصدار حجج استحكام من أبرز الملفات المتداولة عقاريا والتي تنظرها المحاكم العامة والتي تشغل ما يقارب 25 في المائة من حجم القضايا العقارية المتداولة في المحاكم.
للوقوف على حجم ظاهرة حجج الاستحكام يمكن اعتبار جدة نموذجا، حيث تقفز على رأس قائمة أكثر المدن تعرضا لظاهرة التعدي على الأراضي والصكوك المزدوجة وحجج الاستحكام المتداخلة على أراض فضاء مملوكة للدولة. وعادة ما يقول هؤلاء بأن هذا (التعدي) من قبيل الإحياء الشرعي للأرض الميتة، لكنهم يتعمدون إخفاء علمهم بأن هناك تنظيماً رسمياً ساري المفعول ينص على أن يكون عام 1385، وما قبله حداً للإحياء الشرعي بأركانه المعروفة، وأما ما تم إحياؤه بعد ذلك فإنه يعد لاغياً كونه من أملاك الدولة.
يقوم بعض المتعدين بتزويد تلك المناطق بخدمات الكهرباء والماء، ثم ينشطون في إنشاء وتشغيل محلات تجارية مجاورة لهذه المناطق، إلى جانب تخصيص مواقع لصناعة الطوب، وساحات لبيع الأسمنت، ومحلات لبيع مواد البناء بأنواعها، ومكاتب عقارية غير مرخصة، ولعل ابرز الصعوبات التي تواجه المختصين خلال ازالة التعديات وجود العديد من المعوقات ابرزها قلة اعداد المراقبين في اللجنة حيث تتوزع مهامهم على مدينة كبيرة بحجم جدة. ومن القضايا التي تعترض عمل لجنة ازالة التعديات استخدام بعض اصحاب التعديات النساء والأطفال للوقوف امام ابواب المنازل والاحواش المراد ازالتها، بحجة انها مملوكة لهم بالإحياء الشرعي، وفي احيان عديدة يقوم المعتدي على الارض بالاعتداء على أعضاء اللجنة.
إجراءات مطولة
وانتقد مواطنون الإجراءات «المطولة» التي تتبعها المحاكم في استخراج حجج الاستحكام على الأراضي والممتلكات ويصفونها بالروتين المعطل لمعاملاتهم، حيث يضطر الشخص إلى مراجعة 13 دائرة حكومية ليحصل على إجابات ثم تأتي الجلسات ثم الشهادة يليها تسجيل البيع، وقد يستغرق استخراج حجة الاستحكام سنوات وربما ربع قرن خاصة إذا كانت الأرض محل نزاع، وتقوم المحاكم الشرعية باعتماد رأي هيئات النظر في الحكم بإصدار حجج الاستحكام، ويؤكد قضاة بأن النظام الحالي غير جيد وتمت المطالبة بتغييره عدة مرات مطالبا ان تتولى الدولة تخطيط الأراضي ثم توزيعها، ويقترح محامون الاعتماد على نظام «جوجل الفضائي» ورفع الإحداثيات لحل الأزمة التي يسببها الإرث الشرعي.
حجج مؤقتة
وفي ظل البطء في استخراج حجج الاستحكام طالب مواطنون بعمل حجج استحكام مؤقتة بحيث يحضر الشخص الراغب في استخراج حجة شاهدين اثنين ومزكيين اثنين لهما ليستخرج الحجة ليستطيع أن يستصدر رخصة العمل وما إلى ذلك ثم بعد 3 سنوات يبدأ في إجراءات الحجة الرسمية.
ومن ملف التعديات وتداخل صكوك حجج الاستحكام مابات يعرف بمخطط بحرة القديم حيث تواصل الجهات المختصة استكمال الاجراءات التنظيمية وتطبيق الصك على الطبيعة لمعالجة مشكلة المخطط وتصحيح الاخطاء وفق جوانب تنظيمية وتطبيق الصك على الطبيعة.
اما مخطط المنتزه الغربي والذي ما زال موقوفا فقد طالب مواطنون بإيقاف اجراءات لاستخراج حجة استحكام عليها بعد أن وصل المخطط لاروقة القضاء، ولم ترشح معلومات عن قرب انهاء ايقاف المخطط المكون من 950 قطعة تقريبا لعدم حل مشكلة التداخل والتعديات في هذه المنطقة.
وفي سياق آخر لا يزال مواطنون يواصلون دعواهم في المحكمة العامة في جدة بشأن جزء مخطط الشمال الذي كان حجة استحكام بيعت لمواطنين، ثم تبين لاحقا عدم سلامة الاجراءات ويرفض هؤلاء استلام اموالهم التي دفعوها قبل «24» سنة لشراء قطع اراض في هذا المخطط، وتبين انه لا يوجد صك للارض فقرر المالك اعادة الأموال لاصحابها، الا انهم رفضوا بدعوى أن القيمة المادية التي دفعت قبل «24» سنة لا تساوي نفس القيمة الحالية، ويواصل «200» مواطن دعواهم امام المحكمة العامة ويطالبون باستعادة اموالهم ليس كما دفعت من قبل، ولكن بتقييم الارض التي اشتروها ثم تبين بطلان صكها وبالتالي يطالبون بالحصول على القيمة المادية الحالية.
وكان وزير العدل الدكتور محمد العيسى قد أكد على كافة المحاكم بصدور تعليمات المقام السامي التي تتضمن التأكيد على عدم قبول دعوى وضع اليد على الأراضي البيضاء من أي كائن من كان. وقال الوزير، في تعميمه، انه على المحكمة اذا طلب منها استخراج حجة استحكام لارض فضاء الامتناع عن ذلك ورفع الأمر للمقام السامي عن طريق مرجعها وعدم قبول المبايعات على الاراضي البيضاء بالوثائق العادية وما ينشأ عنها من مبايعات.
وأشار الوزير إلى أن المقام السامي شدد على الأوامر والتعليمات السابقة التي صدرت بهذا الخصوص، مع استمرار حظر النظر في استخراج صكوك داخل حدود الحرمين بما في ذلك سفوح الجبال، واعتماد التعليمات السابقة القاضية بعدم النظر في أي دعاوى تقام ضد أمانتي العاصمة المقدسة والمدينة المنورة، فيما أزالته لجنة مراقبة الأراضي وازالة التعديات وعدم سماع أي دعوى من هذا النوع بالمحاكم في المدينتين المقدستين مالم تستند على صك شرعي.
وتهدف هذه التعليمات الى ايقاف العشوائيات والحفاظ على الاراضي البيضاء بهدف الاستفادة منها من خلال برنامج خاص لهذا الغرص خصوصا ان التعديات اصبحت ظاهرة في العديد من المناطق من خلال قيام بعض السماسرة ببيع اراض بوثائق ذات ادعاء بالملكية. وعن طريق استخراج حجج استحكام التي يمكن الاستفادة من تلك المساحات في تخصيص مواقع للإدارات الحكومية وإنهاء طلبات المتقدمين للمنح من ذوي الدخل المحدود، وبين وزير العدل ان حجج الاستحكام خاضعة لنظام واضح وبعض المناطق منعت فيها حجج الاستحكام تحقيقا للمصلحة العامة وأكد انه لم يظلم احد إطلاقا وفي حال مخالفة مبدأ العدالة بطلب حجج استحكام غير نظامية فلن يلتفت اليه، وعن تداخل الصكوك أشار إلى ان التقنية التي تعمل عليها الوزارة حدت من التداخل في الصكوك ونسعى الى إيجاد حل للصكوك السابقة من خلال حوسبة كافة كتابات العدل، مضيفا ان المخططات الجيدة ستخضع جميعها لنظام التسجيل العيني للعقار ولن يتم توثيق المخططات الجديدة، إلا عن طريق هذا النظام.
مراقبة الأراضي
الى ذلك، أكد رئيس هيئة الرقابة والتحقيق الدكتور صالح آل علي على اهمية مراقبة ايقاف تطبيق المنح والبيع وحجج الاستحكام والصكوك التعويضية على الاراضي الواقعة في مجاري السيول وبطون الاودية بشكل عام ومحافظة جدة بشكل خاص.
وشدد على اهمية تكرار التأكيد على منع التعديات بشكل قاطع ومواجهتها خاصة في شرق جدة، وتكليف إمارة منطقة مكة المكرمة بتعيين اللجان اللازمة ودعمها وتجهيزها بالإمكانات الكفيلة بإزالة الاعتداءات ومنع وقوعها.
عقوبات مالية
وفي شأن ذي صلة، حددت المادة 73 من نظام التسجيل العيني للعقار العقوبات المالية بأن لا تقل عن 5 آلاف ريال ولا تزيد عن 100 ألف ريال، لكل من توصل بسوء نية إلى قيد عقار بغير اسم مالكه أو ترتيب حق عيني عليه دون وجه حق أو أقام دعوى كيدية أو قام بتغيير علامات التحديد أو أتلفها وكذلك بالنسبة للبلاغات الكاذبة عن الحقوق العينية وتتكون اللائحة التنفيذية لنظام التسجيل العيني للعقار من 12 باباً للأحكام العامة والاختصاصات والقيد الأول والقيود التالية وصكوك الملكية والشهادات والجزاءات وغيرها من الأبواب الأخرى، ونصت اللائحة التنفيذية لنظام التسجيل العيني للعقار على تخصيص صحيفة لكل وحدة عقارية تحمل العلامة الأمنية المميزة لأجزائها الأربعة.
مخططات ذهبان
وأظهر تقرير أعدته لجنة شكلت من المقام السامي من الداخلية والشؤون البلدية والمالية والزراعة بشأن تظلم بعض الأهالي من قيام أمانة جدة بمسح وتخطيط مزارعهم في مناطق في شمال جدة (ذهبان) تمهيدا لتوزيعها بان المصورات الجوية للموقع عام 1408 هـ تظهر ان الغالبية العظمى من مساحته أراض فضاء، وطلب المجلس الأعلى للقضاء من المحكمة العامة في جدة الإفادة عن أصول حجج الاستحكام في المنطقة.
وقالت مصادر مطلعة ان اللجنة الوزارية انتهت بإعداد تقرير مفصل يوضح عدد ومساحة عدد من المواقع وما فيها من إحياءات وتاريخ إحيائها.
وجاء في التقرير ان «المواقع الصادرة عليها حجج استحكام والتي عليها طلبات حجج الاستحكام هي مناطق مفتوحة وقريبة من البحر وليست من المناطق الزراعية التي يمكن الاعتداد بالامطار سببا لتملكها، كما أن عددا من تلك الحجج هي بمساحات كبيرة، ولم يظهر انه قد تم الرفع عنها للاستئذان للنظر فيها وفقا للتعليمات».
وقالت المصادر إن المقام السامي طلب إفادة من المجلس الأعلى للقضاء ومرئيات المجلس حيال تقرير اللجنة الوزارية.
واضافت ان عددا من الاهالي قدموا تظلماتهم من قيام امانة جدة بمسح وتخطيط مزارعهم تمهيدا لتوزيعها، وعلى ضوء ذلك تقرر تشكيل لجنة وزارية لإعداد تقرير مفصل عن تلك المواقع والاستعانة بالقضاء لتحديد حجج الاستحكام الصادرة على تلك المواقع.
لجنة الشورى
أخيرا، فإن مجلس الشورى شكل لجنة لدراسة مشروع لائحة مراقبة الأراضي الحكومية، حيث اخضعت اللجنة مشروع لائحة مراقبة الأراضي الحكومية وإزالة التعديات لمزيد من البحث والدراسة مستندة على ما طرحه الأعضاء من آراء أثناء مناقشة مشروع اللائحة تحت قبة المجلس، وما قدمه بعض الأعضاء من مقترحات إليها. ووضعت اللجنة في اعتبارها الإرادة الحازمة من القيادة المتمثلة في الأوامر السامية، وقرارات مجلس الوزراء التي تؤكد على ضرورة منع التعدي على الأراضي الحكومية، وعدم السماع للدعاوى المتعلقة بوضع اليد على الأراضي البيضاء والقبول بها.