بكت بحرقة وحين هدأت بدأت بالدعاء عليهما ثم على نفسها، وما إن تمكنت من تجميع كلماتها لتصبح مفهومة قالت: ليتني لم أولد، وليتني لم أتزوج، وليتني لم أنجب، نظر إلي زوجها وحرك رأسه يمنة ويسرة حزينا مصدوما بما يسمع، قلت: ولم كل هذا الندم، وأنت على ما يبدو زوجة وأما؟ قالت: أتعبوني وليتهم كافأوني كما ينبغي أن تكافأ أي أم بذلت جهدها في تربية اثنين من الأبناء. بعد جهد ليس بالقليل فهمت أنها تعاني من ابنتها ذات الخمسة عشر ربيعا التي تطردها من غرفتها وتصرخ بها كلما حاولت الاقتراب منها، وتتهمها بأنها أم غير صالحة وأنها لا تريد منها أن تتدخل في حياتها، كما أنها تعاني من ابن يتبول لا إراديا وقد زاد عمره عن العشرة أعوام، قلت: اهدئي وحدثيني عن طريقة تعاملك مع كل من البنت والولد، فقالت مبررة غضبها وحنقها عليهما، هم الذين أجبروني على أن أعاملهم بحدة، قلت: حدة أم قسوة؟ قالت: ما تفرق، وهما على العموم يستحقان ما يأتيهما مني، لأنهما أنكرا أمومتي وتعبي وحملي بهما وولادتي وتربيتي لهما، فقد تعبت من غسل المراتب والملابس لهذا الذي يتبول كل ليلة تقريبا، إضافة إلى أن رائحة البول صارت مميزة لدارنا، لقد صرت أتمنى أن يموت وأرتاح من هذا الهم، وأخته ليست أحسن حالا منه فهي التي باتت جاحدة لكل ما قدمته لها، ولطالما ذكرتها بما قدمته، ولكنها مع ذلك لا تذكر لي فضلا، عرفت لحظتها السر وراء استمرار تبول الابن واستمرار حنق البنت، فقلت: ولكن هل تعتقدين أن ما نقدمه لأبنائنا يجب أن نذكرهم به ليل نهار؟ قالت: نعم ينبغي أن لا ينسوا فضلنا عليهم، قلت: صحيح ينبغي أن لا ينسوا فضلنا عليهم، ولكن حين نذكرهم به ليل نهار ألا تعتقدي أننا عندئذ نمن عليهم بما هو واجب علينا تجاههم؟ قالت: أليس من واجبهم هم أيضا أن لا يجحدوا فضلنا عليهم؟ قلت: صحيح عليهم أن لا يجحدوا فضلنا عليهم، ولكن التمنن عليهم بما ينبغي أن نقوم به تجاههم يزيدهم رفضا لنا ولما نقدمه لهم، وعليك أن تتذكري أن هذا المسكين الذي يتبول لا إراديا كما قلت لا يملك بإرادته أن يتحكم ببوله وهو نائم، فالنائم واحد من أصناف ثلاثة رفع عنهم القلم ولا يحاسبون على ما يصدر عنهم، توقفي عن لومه واصنعي له جدولا، كلما استيقظ جافا ضعي له نجمة، واحضنيه، وإن هو أخفق لا تعاقبيه، وانتبهي لجملة من الشروط التي ينبغي أن تتوفر في حياته اليومية حتى تساعديه على عدم التبول، ووضعت لها قائمة بالأطعمة الممنوعة، إضافة إلى جدول ينظم له حياته اليومية حتى نهيئ له البيئة الملائمة لنجاحه في التحكم بتبوله أثناء النوم، وغادرت وهي مصممة على مساعدته ولكنها كانت خائفة من أن لا ينجح العلاج، وبعد أقل من أسبوعين عادت وهي تبكي ثانية، قلت: ما بك؟ قالت: هذه المرة أبكي من الفرح فقد تخلص ابني من التبول، قلت: لو أننا آمنا بدورنا في صنع سلوك أبنائنا لتخلصنا من كثير من الهموم وساعدناهم على التخلص من كثير من المشكلات، ولكن أرجوك كلما التقيت بأم تشتكي مثل شكواك تذكري أن هذا النوع من التبول يسمى: «تبول لا إرادي» فكيف نحاسب شخص على أمر لا أرادي يقوم به، قالت: صحيح، تصور أنني لم أنتبه لعلاقة الاسم بسلوك ابني، قلت: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه، فكلما كنا أقل رفقا بهؤلاء الأبناء كلما زدنا سلوكهم بشاعة وساهمنا في تفاقم مشكلاتهم، غادرت وهي لا تزال تصر على معرفة كيف تتعامل مع فظاظة ابنتها ذات الخمسة عشر ربيعا.