-A +A
محمد المصباحي ــ جدة، سالم الأحمدي ــ المدينة المنورة

حذر عدد من المختصين من الالتفات لشائعات انتشرت عبر رسائل الجوال بأن موعد دخول شهر رمضان يصادف اليوم (الأحد) دون الاستناد إلى حقائق ملموسة من المختصين أو الجهات الشرعية، مشيرين إلى أن هذه الشائعات من المضلات، وبينوا عدم وجود خلاف بين الفقهاء والفلكيين في تحديد دخول الشهر، مؤكدين أن الجهة المعنية بذلك أهل الاختصاص والعلماء، بالرجوع إلى الجهات الرسمية.

إلي ذلك، حذر عضو هيئة كبار العلماء الدكتور علي الحكمي من انتشار الشائعات خصوصا تلك التي تترتب عليها عبادات، كدخول رمضان أو خروجه، وقال لـ«عكاظ» تفشت وللأسف هذه الشائعات في كل الأمور حتى باتت من المضلات، وننصح بعدم الالتفات إليها، وألا يتقول الإنسان إلا بما هو متأكد منه.

وبين أن انتشار هذه الآفة من الأمور غير المستحبة، لا سيما إن كانت على حساب الدين أو صادرة من مسلم، مضيفا أن الأصل في تحديد دخول الشهر يعود لأهل الاختصاص والعلماء، بالرجوع إلى الجهات الرسمية، فإن ثبت لدى المحكمة العليا في المملكة هذا الأمر، أصدر على إثره بيان من الديوان الملكي بناء على ما جاءهم، معتمدين في ذلك على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين) وفي رواية: (فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين).

وزاد «ننصح كافة المسلمين باستقبال رمضان بالخير والطاعة، مع الحرص على اغتنام الأجر فيه، وعدم جرح الصيام باللغو ونحوه، خاصة وأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان).

ووافقه في الرأي الأستاذ المشارك في كلية الشريعة والأنظمة الدكتور جميل اللويحق بقوله «إعلان دخول شهر رمضان يكون من قبل الديوان الملكي بناء على ما يردهم من المحكمة العيا»، مشيرا إلى أن انتشار الشائعات في هذه القضية أمر طبيعي، معللا ذلك بأن كافة القضايا التي ينتظرها الناس ويهتمون بها تصحبها الشائعات، لافتا إلى أن أحاديث الناس الجانبية ورسائل الجوال تساعد على انتشار الشائعات.

وفي نفس السياق أكد لـ«عكاظ» الإخصائي الاجتماعي الدكتور محمود فلاتة، أن وجود الشائعات ظاهرة طبيعية في المجتمعات، لا تدعو للقلق، وقال «إن شائعات تحديد موعد دخول رمضان تتنامى، لأن هناك طرفين مختلفين في هذه المسألة هما الفقهاء والفلكيون، ولكننا لا نعلم من يصدر هذه الشائعات، ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح لماذا تكثر عن ثبوت هلال شهر رمضان تحديدا، إذ يجب أن يرى بالعين المجردة من بين بقية أهلة العام.

من جانبه أكد لـ«عكاظ» الفلكي الكويتي خالد الجمعان أنه لا يوجد أي خلاف بين الفلكيين والفقهاء في دولة الكويت، وأن مسألة تحديد رؤية هلال شهر رمضان تتخذ حسابيا من قبل الفلكيين، ومن ثم يحول الموضوع برمته إلى الرؤية، وهذه هي القاعدة الشرعية المتبعة في دولة الكويت في مسألة تحديد دخول رمضان.


جدل بين الفقهاء والفلكيين


الفقهاء: لا نأخذ بالحسابات وحدها .. الفلكيون: لكنها موثوقة


نعيم تميم الحكيم ــ جدة


في كل عام يتجدد الجدل حول الطريقة المثلى التي يعتمد عليها في دخول هلال شهر رمضان، فقسم يرون أنه يجب الاعتماد على الحسابات الفلكية التي تكون حاسمة في التأكيد على الرؤية البصرية، والقسم الآخر يرفض هذه الحسابات ويكتفي بالرؤية البصرية.

ويعلق على هذه المسألة نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ووزير العدل الموريتاني السابق وعضو المجمع الفقهي الإسلامي الدكتور عبدالله بن بيه بقوله، «لا بد من الاجتماع بين الفقهاء وعلماء الفلك خصوصا أنه أمر لا مانع منه، ولكن الإشكال في الناتج النهائي لهذا الاجتماع»، وأضاف «إذا كان المراد من هذا الاجتماع تقدير أوقات لترائي الهلال خصوصا في الليالي المشكوك فيها فيكون من المفيد مناقشة علماء الفلك في هذه القضية».

واستدرك ابن بيه قائلا «يبقى الإشكال الحقيقي في مسألة والتي تأتي بعد خروج الهلال من الاقتران وهو ما سيقرره الفلكيون بإمكان رؤية الهلال بالعين المجردة أم أن العين المجردة لا يمكن أن تراه، والمفترض للفلكيين هنا أن يحددوا وقت خروج الهلال من الاقتران لأن هناك إشكالا في هذه المسألة، بحيث إن الهلال يؤخذ عدة ساعات حتى يخرج، وبالتالي تكون رؤية الهلال مستحيلة، وهناك لبس كبير في هذا الموضوع»، وبين ابن بيه أن كل روزنامات العالم تبنى على خروج الهلال من الاقتران بالشمس ليخرج الشهر ويدخل شهر جديد وهذا لا يكفي حتى يرى الهلال بالعين المجردة وإنما لا بد من أن يمضي الهلال ساعات حتى يخرج كليا عن الشمس حتى يكون مرئيا بشكل واضح ويتيقن فعلا من رؤية الهلال حتى لا نقع في اللبس.

ولفت ابن بيه إلى أن الهلال قد يرى في مناطق جغرافية مختلفة من العالم مثل الأرجنتين مثلا، ولكن لا يمكن رؤيته في مناطق أخرى، وتساءل هل يمكن تعميم هذه الرؤية على كل الأمصار الإسلامية خصوصا في مسائل الصوم والإفطار.

ورأى نائب رئيس اتحاد علماء المسلمين الأخذ بحديث ابن عباس رضي الله عنه (لهم رؤيتهم ولنا رؤيتنا)، رغم وجود جدل فقهي حول مسألة تعميم الرؤية من عدمها.

وأشار ابن بيه إلى أنه لا حل للخروج من هذه المشكلة سوى بإيجاد مراصد ترصد الهلال وتقرر فعلا رؤيته الفعلية، لكن ابن بيه يرى بأنه لا بأس في الاستئناس بالحسابات الفلكية لكن دون الاعتماد الكلي عليها.

وهنا يؤكد مشرف المركز الوطني للفلك في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الباحث صالح صعب على أن الحسابات الفلكية من الأمور التي أثبتت موثوقيتها العالية ودقتها، وأضاف «ما دام أن الحسابات الفلكية دقيقة وصادقة فإنه يعتمد عليها تمحيص وحسم ادعاءات الرؤية خصوصا أنه لا مانع شرعي من ذلك كما أكد علىه العلماء».

وأشار صعب إلى أن هناك بعض الفقهاء يرفضون الاعتماد على الفلك ولا يؤمنون إلا بالطرق القديمة التقليدية رغم أن الاعتماد على الحسابات الفلكية أكثر دقة، مؤكدا على أن الحسابات الفلكية حاسمة لرؤية الهلال ومؤكدة عليها، مشيرا إلى أن التأكد عبر الحسابات الفلكية يشبه كثيرا اعتماد القضاة على آراء العلماء في القضايا الجنائية وما شابهها، مناديا بضرورة الاعتماد على الحسابات الفلكية في تحديد رؤية الهلال، واستدرك صعب «لكن الاعتماد على الحسابات لا يتعارض مع الرؤية البصرية التي جاءت في الشريعة الإسلامية».

لكن عضو هيئة كبار العلماء عضو المجلس الأعلى للقضاء الدكتور علي بن عباس الحكمي يرفض الاكتفاء بالاعتماد على الحسابات الفلكية فقط في دخول الشهر، قائلا «إذا لم ير الهلال ولم يشهد بوجوده لا يثبت فالأصل هو الرؤية».

وبين الحكمي أن موضوع الأهلة موضوع شرعي وعبادي فهو يتعلق بدخول شهر رمضان، مشددا على أن دخول شهر رمضان متعلق بالرؤية البصرية لقوله عليه الصلاة والسلام «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته»، مشيرا إلى أن الجدل حولها ليس جديدا بل هو منذ قرون خلت.