-A +A
جيمي كارتر
خلال السنوات الخمس الماضية، تخلّت الولايات المتحدة عن العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الخاصة بالسيطرة والإشراف على الأسلحة النووية، والتي تمّ التوصل إليها منذ عهد إدارة الرئيس «دوايت أيزنهاور»، وهذا التغيير في السياسة، وجّه إشارات غير مؤكدة وغير واضحة إلى دول أخرى، بما فيها كوريا الشمالية وإيران، ويمكن أن يشجّع دولاً متقدمة تكنولوجياً، على التوجّه نحو الخيار النووي. والصفقة النووية المقترحة مع الهند ليست سوى خطوة إضافية على طريق «فتح أبواب جحيم» الانتشار النووي. إن الالتزام الحسّي الوحيد بين الدول النووية، وسائر الدول الأخرى هو فقط معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، الموقعة عام 1970، والتي قبلت بها الدول النووية الخمس، والدول الـ182 الأخرى، وهدفها الرئيسي هو «منع انتشار الأسلحة النووية وتكنولوجيا الأسلحة.. والوصول إلى نزع الأسلحة النووية في النهاية».
وفي المؤتمر الذي انعقد في عام 2005، لإعادة النظر في شؤون الأمم المتحدة، على مدى خمس سنوات، وحدها إسرائيل وكوريا الشمالية، والهند، وباكستان، امتنعت عن المشاركة، ومن بينها ثلاث دول تمتلك أسلحة نووية بشكل مؤكد.

إن حكومتنا تنكرت لمعاهدة نزع «الصواريخ البالستية» وأنفقت أكثر من 80 مليار دولار على مشروع مشكوك بفعاليته لاعتراض وتدمير الصواريخ العابرة للقارات، وتبلغ كلفته السنوية أكثر من 9 ملايين دولار، كذلك تجاهلنا التزاماتنا بمعاهدة سابقة تقضي بالحد من عمليات اختبار الأسلحة النووية، وتطوير أسلحة نووية جديدة، وقمنا، على العكس، بإنتاج قنابل خارقة للدشم السميكة، وبعض القنابل السرية «الصغيرة» وبالعمل على نشر أسلحة تدميرية في الفضاء، كما تم الانقلاب علناً على سياسة قديمة العهد، لناحية تهديدنا بالمبادرة إلى استخدام أسلحة نووية ضد دول غير نووية. وجميع هذه القرارات أسفرت عن ردات فعل سلبية من الدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، بما فيها الصين وروسيا، وحتى حلفاؤنا النوويون.
وفي العام الماضي، أعرب وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، روبرت ماكنمارا، عن مخاوفه وقلقه، من هذه التغييرات، وقال: «أستطيع وصف السياسة النووية الأمريكية الراهنة، بأنها غير أخلاقية، وغير قانونية، وغير ضرورية عسكرياً، وعلى الأخص، بأنها في غاية الخطورة». ولابد من التذكير هنا بأنه لم تُبذل أية جهود تذكر من أجل التخلص من جزء من حوالى 30 ألف سلاح نووي في العالم، والتي تمتلك الولايات المتحدة 12 ألفا منها، وروسيا 16 ألفاً، والصين 400، وفرنسا 350 وإسرائيل 200، وبريطانيا 185، والهند وباكستان 40 لكل منهما، كما أن لكوريا الشمالية ما يكفي من الوقود المخصّب لإنتاج 6 منها على الأقل. وأنا، مع علمي، منذ أكثر من ثلاثة عقود، بالطموحات النووية لدى القيادات الهندية، أحجمت مع سائر الرؤساء الأمريكيين، عن بيع التكنولوجيا النووية المدنية لهم أو بيع أية وقود غير مؤمنة لأية دولة ترفض التوقيع على معاهدة (NPT).
لقد قُرعت الطبول عند الإعلان عن أن الهند تخطط لشراء ثمانية مفاعلات نووية حتى العام 2012، وأن الشركات الأمريكية يمكن أن تفوز بعقود توريد اثنين من هذه المفاعلات، غير أن هذه فائدة ضعيفة، لا تُذكر بالمقارنة مع الآلاف الباهظة، وقد تكون الهند حالة خاصة، لكن الحذر المنطقي والمعقول مطلوب جداً. فالدول النووية الخمس الأصلية، امتنعت جميعها عن إنتاج المواد المشعة للأسلحة، ويجب على الهند أن تحذو حذوها، لكن الاقتراح المعروض على الهند من شأنه أن يسمح لها بإنتاج المواد المشعة اللازمة لإنتاج 50 قنبلة في السنة.
وليس هناك أدنى شك في أن التنكر للالتزام بما نصت عليه معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، يشجع على نشر السلاح النووي. فلماذا تحافظ اليابان والبرازيل وأندونيسيا وجنوب افريقيا والأرجنتين، وغيرها من الدول الكثيرة المتقدمة تكنولوجياً على خياراتها بالالتزام بمعاهدة الحظر، في الوقت الذي ترفضها الهند؟ وفي الوقت عينه، فإن أسلحة إسرائيل النووية، والبعيدة عن أية رقابة، تستفز جيرانها.
إن الخطر الكوني لانتشار الأسلحة النووي هو خطر حقيقي، كما أن القدرة التدميرية للدول غير المسؤولة، وربما لبعض المنظمات الإرهابية، سوف تزداد بسبب ضعف القيادة بين الدول النووية الكبرى، غير الراغبة في كبح جماحها، والولايات المتحدة، شاءت ذلك أم أبت، تقف على الخط الأمامي، في اتخاذ القرارات الاستراتيجية المهمة، فالعالم المدجج بالأسلحة النووية يمكن أن يشكل إرثاً رهيباً، أو نتائج كارثية لخيارات خاطئة.
الرئيس الأمريكي الأسبق
ترجمة: جوزيف حرب