-A +A
حمود أبو طالب
ثبت الآن بشكل قاطع أنه لا يوجد أسوأ ولا أغبى من النظام السوري بعد الأسلوب الذي تعامل به مع مشروع المبادرة العربية التي انبثقت عن اجتماع الجامعة العربية مساء السبت الماضي، رغم أنها لم تتضمن بشكل مباشر وصريح دعوة بشار الأسد إلى التنحي.. معظم المراقبين إن لم يكن كلهم كانوا لا يتوقعون تجاوبا مع المبادرة، لكنهم ربما لم يتوقعوا أن يأتي رفضها بتلك السرعة والصيغة الاستعلائية الخالية من التهذيب وأبسط قواعد اللغة الدبلوماسية.
إن كل ما في المبادرة سبق أن رفضه النظام السوري بوضوح، الوقف الفوري لأعمال العنف وقتل المواطنين سبق لجهات أخرى المطالبة به لكن المجازر استمرت. الإصلاحات التي طالبت بها المبادرة سبق أن وعد بها الأسد لكنه لم ينفذ منها شيئا. لكن الخوف أن تتسبب الفقرة التي جاءت في المبادرة عن تعديل المادة الثامنة في الدستور بحيث لا يكون حزب البعث هو «الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية» كما تنص تلك المادة، الخوف أن تتسبب في مزيد من التصفية للشعب السوري بأساليب جديدة غير تقليدية، وتكون الجامعة العربية السبب في ذلك.. إن الاقتراب من هذه الفقرة بالذات فيه مساس بالعقيدة الأساسية للحزب التي يستمد منها مبررات وجوده، وتستند عليها كل ممارساته، فكيف ظنت الجامعة أن صقور الحزب سيقبلون الحديث في هذا الجانب المقدس الذي يحرم الاقتراب منه أو اللغو فيه.. هذا الاستفزاز الصارخ للحزب هو الذي جعل الرد يأتي بسرعة خاطفة متضمنا تأنيبا للجامعة ومن حضروا اجتماعها على تطاولهم، وتأكيدا لهم على أن المبادرة كأن لم تكن.
قلنا إنه لا يوجد أسوأ ولا أغبى من النظام السوري لأنه في الوقت الذي أصبح فيه الشعب السوري لا يقبل بغير إسقاطه فإن المبادرة كانت ستشكل له فرصة ثمينة وأخيرة للتهدئة وتحريك عملية سياسية، لأنها ربما كانت قادرة على تهدئة جموح الثورة وإقناعها بالانخراط في الحل السياسي، رغم صعوبة تصور قبولها بذلك بعد التنكيل الذي قابلها به النظام.
ومن ذلك يبدو أن الأقلام قد جفت والصحف قد رفعت ليواجه النظام نهايته وحيدا على يد شعب لم يعد يحسب خسائره لأنه قرر انتزاع حريته مهما طال الوقت ومهما كان حجم التضحية، وربما نتصور أن الشعب السوري قد شكر الله كثيرا على رفض النظام للمبادرة حتى لا تتاح له أي فرصة للاستمرار..

habutalib@hotmail.com