-A +A
عادل المالكي
تجلس على قارعة باب المحكمة تجفف عرقها بآخر جزء من «شيلتها» وتنهض تنفض الغبار عن عباءتها، وقد أنهكها التعب، وجفف الركض خلف المعاملة سنوات اقترضت من عمرها الكثير ريقها، تحاول أن تلتقط بقية أنفاس العمر عقب أن سئمت الحياة في مجتمعها الضيق فكرا، فيما تتذكر صديقتها «حصة» من القرية المجاورة وتهنئها على تحول الفكر لدى أبناء عمومتها.
«مزنة» القادمة من مجتمع ريفي إلى المدينة، تطرق باب المحكمة التي لم تعرف لها طريقا خلال حياة والدها الذي ودع الحياة وترك لها إخوة لا يأبهون بها أو بما تلاقيه في أروقة المحكمة التي أصبحت تداوم فيها بشكل رسمي بحثا عن حقوقها التي سلبها منها أشقاؤها من لحمها ودمها، إثر عادات ترسبت عبر الزمن وترسخت فأضحت قانونا لا يخترق ولا يمكن أن يتطور، فركب الحضارة تخطاه بينما يندس عن التطور مستحيا منه.
تعود قصة «مزنة» إلى سنة خلت، حيث توفي والدها تاركا إياها وسط وحوش عدة حاولوا إقناعها مرات عدة بأن مطالبها بالحصول على حقها من الإرث عيب يحاسب عليه المجتمع، وعلى مدى سنوات كانت تحصل على فتات يسكت مطالبها، لم تستطع مجابهة الحياة ومتطلباتها، فصرخت «أين ورثي مما ترك أبي؟»، ليكون الرد جاهزا ولتتحول التطمينات إلى رد قاس، إنه لا شيء لك فالمرأة لا ترث والعرف الاجتماعي لا يمنحها في ذلك المحيط الضيق حقها المختلس.
أدارت المسكينة جمجمتها تسأل أهل الرشد والإشارة، فكانت الإجابة استفهاما حق عليها أن توجهه لأمها، عمتها، وخالتها وقريبات العصبة والفرع هل أخذن ما تبحث عنه، فأجبن أنهن لا يعرفن عن ذلك شيئا فورث المرأة الزوج والأبناء وهم المعمرون الحقيقيون.
«مزنة» مثال للمرأة في المحيط الضيق الذي لا يزال يطلب منها أن يكون دورها التفريخ والطبيخ فقط دون أن تحصل على الحق الشرعي من الميراث أو الحق الاجتماعي بأن مطلبها في ذلك ليس عارا أو مخلا بالشرف.
إن نطاقا لا يمكن تعميمه يعيش العزلة تتسم عقول بناته بالصلابة يحتاج إلى تفتيت وتغيير للمفاهيم، ولا سبيل لذلك إلا بالنظر في قضية توريث المرأة بعين الحق ورفع مستوى الوعي لبعض المجتمعات المنغلقة على نفسها، وأن تؤدي الجهات التوعوية بكافة وسائلها واجباتها التثقيفية لرفع الظلم عن نسوة همش العرف حقهن الشرعي.
dropsofsilence@hotmail.com

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 368 مسافة ثم الرسالة.