-A +A
صالح بن سبعان
فحتى ما قبل سنة 1364هـ، كان مجمل دخل المملكة أقل من أربعة ملايين دولار أمريكي سنويا، حيث ارتفع سنة 1364هـ فبلغ 85 مليون دولار، وفي ذلك الحين كان ما يقرب من 90 %من السكان يعيشون على الرعي والزراعـة. وارتفع إنتاج النفط متدرجا إلى أن وصلت إيرادات المملكة إلى 516.261 مليون ريال سعودي في سنتي 1400-1401هـ. ونشأت بفعل التوسع الحاجة إلى القوى العاملة غير السـعودية، لعدة أسباب على رأسها، بالطبع، تنفيذ برامج كبيرة في مختلف مجالات التنمية، ولم تكن الخبرة الوطنية كافية لإنجازها، فأخذت العمالة غير السعودية تزداد كل سنة عبر خطط التنمية المتتالية. ولاشك في أن عدم التنسيق بين الجهات المعنية بالتخطيط للقوى العاملة والجهات المشرفة على إعداد هذه القوى كان من ضمن أسباب اللجوء إلى استقدام العمالة الأجنبية، كما يمكن إضافة عامل آخر وهو عدم دخول العنصر النسائي سوق العمل. إضافة إلى عاملين آخرين أحدهما: عدم إقبال الأفراد السعوديين على بعض الأعمال الفنية المهنية مثل السباكة، والنجارة، وأعمال البناء، والصيانة للاعتقاد السائد بأنها غير لائقة اجتماعيا، وينظر لها نظرة سلبية. أما الآخر فهو المبالغة في الاعتماد على الغير في تصريف وإنجاز الأعمال، حيث سادت قيم وثقافة التبطل. والواقع أن هذه العمالة بقدر ما أدت من دور إيجابي في القطاعين العام والخاص، حيث ساهمت في بناء المملكة كدولة نامية تنفذ خططا تنموية طموحة تحتاج إلى قوى عاملة في كافة الميادين والتخصصات، إلا أن آثارها السلبية تصل إلى مرتبة أنها أصبحت من مهددات الأمن الثقافي في المملكة. فسوق العمل السعودية التي تعج بالعمالة الوافدة من كل جنس ولون، جعلت المدينة السعودية أشبه ما تكون ببابل التي تعج طرقاتها بألف لسان ولسان. وبالفعل فإن المؤسسة مثل الشارع تموج بكل ألوان الطيف الثقافية في العالم بتنوعها الكبير ، والمتناقض، وهذه الثقافات تنهمك في صراع سري، وخفي غير معلن، إذ تعمل كل ثقافة على تلوين المحيط الذي تعيش فيه بلونها، وتحاول فرض مفرداتها القيمية بطريقة سلمية ناعمـة. وانعكس هذا بشكل واضح على الفئات العمرية الصغرى في المجتمع السعودي، خصوصا الأطفال والشباب لعدم اكتمال نموهم الفكري والنفسي والوجداني، لهذا فهم الأكثر تأثرا، وإقبالا على التكيف مع هذه الثقافات المتنوعـة. إن الحاجة المستمرة إلى قوى العمل الأجنبية، تبعا للحاجة المستمرة للتنمية أفرزت ظاهرة خطرة، وهي الازدواجية السكانية وارتفاع نسبة الأجانب التي تشكل تهديدا ثقافيا على ثوابت المجتمع الثقافية والاقتصادية والسياسـية. وتزداد الخطورة حين نلحظ أن هذه التجمعات الثقافية ذات التقاليد، والأعراف، والعادات المختلفة بدأت تدخل مرافق ومواقع حياتية مؤثرة في الأسر، حيث تغلغل تأثيرها فوصل إلى المطبخ، وتربية وحضانة وتنشئة الأطفال. وأصبح هذا التأثير مستقرا في وجدان أطفالنا ويمكن ملاحظته في لغتهم التي احتشدت بالمفردات المختلفة، كما يمكن ملاحظته في ذوقهم الموسيقي، وفي الأنماط السلوكية، التي لا يمكن الاستدلال بها على هويتهم. ويتضح تأثير العمالة الوافدة السلبي في سوق العمل السعودي في عدة مظاهر حسب حجمها، وكمها، ونوعها. لنجد أن نسبة النمو بين أطفال الوافدين إلى سن الرابعة خلال السنوات 1992 حتى 1999 تزداد بنسبة 36.21 في المئة، ونفس هذه النسبة هي نسبة النمو في الفئات العمرية بين خمس إلى 14 سنة، تليها الفئات العمرية بين 50 إلى 69، سنة إذ تبلغ نسبة النمو فيها 002.12 في المئة، ثم 70 سنة فأكثر إذ تبلغ نسبة النمو بين أفراد هذه الفئة 10%وتقل هذه النسـبة في الفئات العمرية الشـابة ما بين 15 - 29 سنة حيث تبلـغ 49ر4 %و مابين 30 إلى 40 سـنة وهـي الأقـل نمـوا بنسـبة 99.2 %مع أن عدد أفرادها يشكلون أكبر نسبة من حيث عددهم. وحسب تقرير مصلحة الإحصاء أيضا حول الخصائص السكانية في المملكة، فإن النسبة العظمى من هذه العمالة يقل مستواها التعليمي عن المرحلة المتوسطة، ما يعني انخفاض نسبة الوعي بينهم، وانخفاض المستوى الحضاري، ما يفاقم من المهددات الأمنية من جانبهم، وانخراطهم في المهن الهامشية حيث يكونون عالة على الخدمات الضرورية ومزاحمة المواطنين فيها، وتقليل فرصهم في الاستفادة منها كما ونوعا. كما أن لوجود العمالة الوافدة إلى جانب السعودية في بيئة عمل واحدة آثاره السلبية، إذ تنتج عنه آثار سلوكية سلبية تبدو أحيانا في عدم الارتياح، وتكاثر هذه العمالة في بعض الأجهزة بشكل كبير ينتج عنه ما يسمى بالبطالة المقنعة التي تؤدي إلى ظاهرة التسيب الوظيفي بين العمال والموظفين السعوديين في هذه الأجهزة والمؤسسات. كما أن ثقة بعض أصحاب العمل السعوديين بالعامل غير السعودي على عكس ما يبديه تجاه العامل السعودي يؤدي إلى انخفاض الروح المعنوية للعامل السعودي، الأمر الذى يؤثر سلبا في أدائه الوظيفي ومردوده الإنتاجي.
* أكاديمي وكاتب سعودي.
WWW.BINSABAAN.COM

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة