-A +A
محمد داوود (جدة)
أظهرت نتائج دراسة سعودية حديثة طبقت على عينة من الأطباء السعوديين (81 طبيبا) الـمنخرطين في برامج زمالة الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، في كلية الطب في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، معاناة (87 %) من أفراد العينة من الحرمان الحاد من النوم، حيث ناموا أقل من (5 ساعات) خلال ساعات مناوباتهم (24 ساعة)، في حين نام (25 %) منهم أقل من ساعتين فقط خلال يوم مناوبتهم، كما أفاد (85 %) من الأطباء معاناتهم من التململ أثناء النوم وكثرة الاستيقاظ، في إشارة إلى رداءة طبيعة نومهم بشكل مزعج، مما سبب اضطرابا في المزاج وتوترا ملحوظا لدى (33 %) منهم.
الحرمان من النوم

كما أشارت النتائج الخطيرة لهذه الدراسة إلى ارتباط الإعياء الشديد والحرمان من النوم خلال فترة المناوبة، بتعرض (10 %) من الأطباء إلى حوادث سيارات خلال صباح اليوم التالي أثناء قيادتهم بعد انتهاء المناوبة الليلية. وقد دل مقياس «ستانفورد» أن (60 %) من الأطباء الذين تورطوا في حوادث سيارات، كانوا في حالة نعاس شديد، لكن الأخطر، أن معظمهم لم يشعروا بحقيقة أنهم في حالة نعاس مفرط، ولم يتوقفوا لأخذ غفوة قصيرة، ولم يعترفوا بإصابتهم بالنعاس حين تم سؤالهم بشكل مباشر، كما بدا واضحا من نتائج مقياس (بومز)، أن المزاج والوظائف المعرفية والفكرية لدى الأطباء تحت الفحص، مرتبطة بعلاقة طردية بمدى حرمانهم من ساعات النوم خلال يوم المناوبة، إذ تتأثر تلك الوظائف العقلية سلبا باختزال ساعات النوم.
الأخطاء المهنية
وأوضح المشرف على الدراسة، أستاذ مساعد الأمراض الصدرية واضطرابات النوم في الجامعة، ومدير البرنامج التدريبي لأطباء الأمراض الباطنية الدكتور سراج عمر ولي، أن الدراسة المحلية، تظهر الأثر السلبي للنقص الحاد في النوم خلال ساعات العمل الليلية للأطباء، توافقا مع عدد من الدراسات الأجنبية، فضلا عن الأثر الذي يتركه الحرمان المزمن من النوم الجيد عليهم، وانشغالهم بضغط التحصيل العلمي والارتباطات الاجتماعية خلال أيام الأسبوع، مما يضاعف المشكلة، وقد يتسبب في سوء أدائهم العملي وارتفاع نسبة أخطائهم المهنية، وبخاصة في الأقسام التي تتطلب تركيزا شديدا ومتابعة دقيقة مثل العناية الفائقة والتخدير.
عينة الدراسة
ولفت الدكتور سراج ولي إلى أنه تم جمع المعلومات بواسطة المقابلات الشخصية، وتعبئة استبيان مفصل عن نمط نوم الأطباء خلال الليلة التي سبقت يوم نوباتهم الطويلة، وأثناء ساعات المناوبة التي تستمر (24) ساعة، ومباشرة بعد الانتهاء من مسؤولياتهم المهنية في نهاية المناوبة، وتضمن الاستبيان معلومات عن النشاطات العملية والمهنية (محاضرات علمية ومتابعة مرضى) والاجتماعية (الصلاة وتناول الطعام والنوم) خلال المناوبة، إضافة إلى مقياس (بومز) العلمي لرصد مدى معاناتهم من تشوش التفكير، وقلة التركيز، واضطراب المزاج، و الخمول، والتوتر والغضب والاكتئاب، إضافة إلى مقياس «ستانفورد» لقياس درجة نعاسهم أو انتباههم أثناء ساعات النهار.
وخلص إلى القول «هذه الدراسة السعودية، تم قبولها ونشرها كورقة عمل في المؤتمر السنوي للكليـة الأمريكية لأطباء الصدر (أكتوبر 2011) في مدينة هونولولو بالولايات المتحدة الأمريكية».
الطبيبات المتدربات
وقد أجرت الدراسة الطبيبات المتدربات في قسم الأمراض الباطنية: لجين أبو شنب، كريمة قوطة، رؤى باسمح، وجلنار باشنب، خلال الفترة (مايو 2009 ــ مايو 2010). وبناء على هذه الدراسة، اقترح الدكتور ولي مراجعة دقيقة لفعالية لوائح الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، المنظمة لعمل ومناوبات الأطباء تحت التدريب، والوقوف على ملاءمتها لأفضل أحوالهم المهنية والتعلمية والصحية، وسلامة المرضى.
المناوبات الليلية
وفي تعليق له على هذه الدراسة، قال الدكتور أيمن بدر كريم استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم، والمشرف على مركز تشخيص وعلاج اضطرابات النوم في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية في جدة «أظهر عدد من البحوث في هذا المجال تباينا في أثر المناوبات الليلية الطويلة على الأخطاء الطبية، لكن عددا منها أشار بوضوح إلى تأثر نسبة (20 %) من أطباء الجراحة العامة وأطباء التخدير ــ على سبيل المثال ــ بارتفاع نسبة الأخطاء التقنية لدى المحرومين من النوم منهم مقارنة بزملائهم الذين أخذوا قسطا وفيرا من النوم خلال الليل، كما تسبب فرط الإرهاق والنعاس في (41 %) من الأخطاء الطبية في دراسة أمريكية، أدت إلى وفاة المرضى في ثلث هذه الأخطاء الخطيرة».
النوم القهري
وأضاف الدكتور أيمن: 50 % من الأطباء في دراسة أمريكية، اعترفوا بوقوعهم في النوم القهري أثناء قيادة سياراتهم وهم في طريقهم إلى بيوتهم بعد نهاية مناوباتهم، مما حدا بأحد الباحثين الأمريكيين (عام 2005) بالتحذير من أن امتداد ساعات المناوبات الطبية، يمثل عامل خطر للإصابة في حوادث سيارات.
وأشار إلى أن العمل لساعات طويلة خاصة أثناء ساعات الليل، يعرض الأطباء المنخرطين في برامج تدريبية لعدة سنوات، إلى الحرمان الحاد والمزمن من النوم، خلال ساعات عملهم التي قد تمتد إلى (30 ساعة) بصورة دورية، وتضطرهم للعمل تحت ضغط الساعة الحيوية، التي تحث البدن والعقل على الخلود للراحة والنوم أثناء ساعات الليل والصباح الأولى، ويؤدي ذلك إلى تعرضهم لاضطرابات النوم المتعلقة بعمل الورديات كاختلال التركيز واضطراب المزاج، وزيادة النعاس أثناء النهار، وصعوبة الحكم السليم، وضعف الأداء عند تعلق الأمر بإجراءات طبية وقرارات دقيقة تؤثر في صحة المرضى، ولا يتعلق الأمر بعدم الاكتفاء من عدد ساعات النوم المطلوبة فحسب، بل يتعداه إلى رداءة طبيعة النوم خلال الساعات القليلة التي يلجأ إليها الطبيب تحت التدريب، لتعرضه للاستيقاظ المتكرر، وتأرقه نتيجة مسؤولياته المهنية خلال ساعات المناوبة.