-A +A
فرحان الفرحان
أزاح أحد اللاعبين السعوديين الذي ينوي الاحتراف في أحد الأندية الأوروبية الستار عن واقعنا الاحترافي عندما ذكر في لقاء تلفزيوني أنه كان لمدة عامين يتدرب صباحا لوحده مع المدرب، وأن هذا المدرب أعجب بانضباطيته وساعد على نقله لأوروبا.
هذا اللاعب استثناء في واقع كروي شامل يهيم في أودية السهر بكل مكوناته، ولا علاقة له بالاحتراف إلا ما يدون على الورق في العقود وفي التسميات والمراسلات، وفي ثرثرتنا الكروية في مجالسنا وبرامجنا الإعلامية وكتاباتنا الصحفية، ولا أجد استثناء مشاهد يمكن أن يفلت من هذا الواقع المتعارض مع مقتضيات الاحترافي الحقيقي إلا ما ندر..

بالرغم من أننا أمضينا سنوات ونحن نزعم أننا نطبق الاحتراف إلا أن علاقتنا بكرة القدم هي ذات العلاقة التي كانت تربطنا بها في زمن الهواية، بل إن هناك من يؤكد أن علاقتنا بها في زمن الهواية كانت قائمة على أسس أكثر متانة مما هي اليوم..
مجتمعنا الكروي مجتمع مولع بالسهر، بل إنه أصبح ينافس مجتمع الغناء الذي ينشط عندما يهدأ الليل، وعندما أقول مجتمعنا الكروي فإني استخدم صيغة الجمع لأن (أغلب) مكونات هذا المجتمع من رؤساء أندية ولاعبين وإداريين ووكلاء لاعبين وإعلاميين ــ وقد لا أستثني الحكام ــ مولعين بالسهر بطريقة تثير علامات التعجب، والأدلة أكثر من أن تساق، ولكم في صفحة التويتر للتواصل الاجتماعي التي ينشط فيها النقاش الكروي حتى شروق الشمس ويشارك فيها أقطاب مجتمعنا الكروي بمختلف مسمياتهم أكبر دليل..
إن لم تقم حركة تصحيح جادة في واقعنا الكروي تعيد صياغة مضامين ومفاهيم الاحتراف لدينا، وتحتم على من اختار كرة القدم كلاعب أو إداري أو مدرب أو حكم أن يتفرغ لها، ويعطيها ما يقتضيه واقعها الاحترافي، فإننا سنظل في منطقة رمادية بين الهواية التي أخلصنا لها بمشاعرنا وانتماءاتنا، وبين الاحتراف الذي أضعنا الطريق إليه لأننا نعيش حياة تتعارض مع مقتضياته..
الحديث عن تقطع السبل بنا في طريق الاحتراف طويل ومتشعب والمكاشفة فيه محرجة بل إنها قد تكون فاضحة، ووضع القدم على طريق الاحتراف الحقيقي يحتاج لتضحيات قد تخلق صدامات عنيفة مع واقعنا الكروي، ولا أعتقد أن هناك إدارة ناد قادرة على تحمل تبعات الاهتداء لبداية الطريق المؤدي للاحتراف الحقيقي الذي ما نزال بعيدين عنه كبعدنا عن فهم مقتضياته واستحقاقاته..
لست من الحالمين، لذلك أتمنى من القارئ أن لا يعتبر ما قرأه في هذه الزاوية هي مطالبات جادة بتطبيق الاحتراف الحقيقي، لأنني أعرف استحالة ذلك، فتركيبة مجتمعنا الكروي بكل مكوناته لا يمكن لها أن تطبق احترافا يبدأ يومه الساعة السابعة صباحا وينتهي في العاشرة مساء، لذا دعونا نسعى لإحداث تحسين طفيف في احترافنا، بأن نجعل العمل المسائي لمدة أربع ساعات لعلنا ندرك شيئا من نتاج تطبيق عمل اليوم الكامل المتعذر.