-A +A
صالح الشادي
يد تحمي ويد تبني، ذلك هو الشعار الذي ترفعه الجيوش عادة في مواسم الحرب وفي فصول السلم في كل موطن ودولة من أوطان ودول العالم. وقد كان للكثير من الجيوش العالمية دورها الحيوي في عملية البناء والتعمير بالمفهوم المدني ــ إلى جانب المهام القتالية ــ فكم من طرق وجسور ومبان وغيرها كان للجيش دوره في إيجادها وتشييدها، وكم من كوارث وإحن عمل الجيش على تخفيف آثارها بجهود أبنائه وتضافر كتائبه. وكم من مؤسسة ثقافية أو مهنية كانت مؤسسة الجيش تقف وراء نجاحها واستمرارية عطائها. وما جيشنا السعودي الباسل إلا أحد تلك الجيوش المتميزة بولائها وأدائها، خاصة في مواطن البطولة والفداء، وهو الأمر الذي شهدناه وعهدناه وليس بالمستغرب. إلا أن الكثير منا يطمح إلى أن يرى جيشنا وهو يسهم في عملية البناء المدني والحضاري وبشكل مباشر وأكثر فاعلية، خاصة في أوان السلم.. فحاجة البلاد لتوجيه الطاقات الوطنية المتاحة نحو دفع عجلة التنمية ملحة، ومسألة الاكتفاء بخبرات وجهود بعض المغتربين أمر ليس بعملي على المدى البعيد.. ومشاريع التنمية التي يمكن أن تسهم بها موارد الجيش البشرية أكثر من أن تعد. قبل سنوات من الآن دقت الهيئات البيئية العالمية ناقوس الخطر الذي يتهدد بيئتنا المحلية، والمتمثل بزحف الرمال الذي من شأنه أن يعوق مسيرة التنمية لأية دولة.. وبمشكلة التصحر التي من شأنها أن تقضي على ملامح متعددة من أوجه الحياة في المدن والقرى على حد سواء.. وعلى إثر ذلك انضمت المملكة إلى اتفاقية مكافحة التصحر العالمية عام 1998م. حيث قامت باتخاذ بعض الإجراءات الوقائية لمنع زحف الرمال، وإزالة خطورتها، بإنشاء خطوط من الأشجار (الحرجية) ــ كتلك التي أقيمت شمال واحة الأحساء وعملت على إنقاذ أكثر من عشرين قرية كانت مهددة بالدمار المؤكد ــ ومازالت الجهود الحكومية متواصلة وحتى الآن لتأمين غطاء نباتي سيشمل 16 منطقة متضررة، في محاولة لكسر حدة التصحر، ولإيقاف زحف تلك الرمال التي لا تعرف بديناميكيتها سلما ولا حربا. فهل سيكون للجيش دور في تلك المهمة الدفاعية يا ترى؟. الهيئة المعنية بمكافحة التصحر ذكرت بأنها قد أنشأت بنكا لبذور النباتات والأشجار البرية النادرة والمهددة بالانقراض لإعادة زراعتها وإعادة تأهيل المناطق البرية المتدهورة، كما أنشأت لذلك عددا من المشاتل الرئيسية والفرعية التي ساهمت في إعادة تأهيل بعض غابات المانجروف، القرم، القندل، والعتم وغيرها. لكن الوقت يمضي بسرعة، وإمكانات تلك الهيئة لا تسمح بإنجاز الكثير فالمساحة التي يجب تشجيرها تشكل حوالى 8 بالمائة من حجم المملكة، والاعتماد على العمالة الوافدة، أو الموظفين المحليين فقط في مسألة التشجير والمكافحة ليس بالأمر العملي، فالمساحات الصحراوية المحيطة بالمدن واسعة وشاسعة، وتحتاج إلى كم كبير من السواعد والهمم ليتحقق وجود الحلم الأخضر تحت العلم الأخضر من حولنا. لذا فإن فكرة الاستعانة بأبناء الوطن من جنود قواتنا البرية البواسل وفق خطط فنية وزمنية مدروسة، وبالتعاون مع الجهات ذات الاختصاص، ستكون حلا سحريا وفعالا للقضاء على ظاهرة التصحر بإذن الله وفي وقت قياسي ووجيز. إذ يستطيع عدد مكون من 5000 جندي ــ على سبيل المثال ــ إقامة غابة شجرية حقيقية مكونة من مليون شجيرة وخلال 10 أيام فقط.. إذا ما أسندت إلى كل جندي مهمة زراعة 20 شتلة (حرجية) يوميا، وهو أمر يسير جدا، ويمكن تحقيقه وبسهولة، وبتكاليف لا تذكر. إن التفوق النوعي للسلاح لا يكفي ما لم يوازه تفوق نوعي في شخصية الجندي ومهاراته القتالية، إلى جانب بعض المزايا الأخرى التي تتمثل في القدرة على الإنجاز، وفي الكفاءة التي تمكن من تنفيذ المهمات الاجتماعية والإنسانية في أوقات السلم، بعزيمة المواطن، وبحماس الجندي، وبإتقان المؤمن؛ وما مشروع التشجير المقترح إلا دورة فعلية يمكن لها أن تكرس تلك المفاهيم، وأن تعمق الولاء للأرض، وتوسع من ثقافة الانتماء لفضائها.. بشكل أكبر وأكثر. كما أنها ستمكن الجندي من إدراك قيمة العمل بروح الفريق، ومن تلمس نتاجه المباشر على أرض الواقع.. وهو ما سيضفي على شخصيته القتالية بعدا وطنيا آخر.. لتترجم على يديه مفاهيم ذلك الشعار الأثير (يد تبني، ويد تحمي).
ترى متى يمكننا أن نتشارك مع قواتنا البرية الباسلة في رفع شعار (غابة لكل مدينة) ..؟!.

* رئيس دار المصدر الدولية للإعلام والنشر.