-A +A
عبد الرزاق أبو داود
المتابع للمواقف الروسية المتوالية عبر تصريحات وزير الخارجية الروسي لافروف، ومندوب روسيا في الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، أو حتى تصريحات رئيس الوزراء بوتين، أو الرئيس الروسي مدفيديف، سيلحظ تناغما وخطا معينا تسير فيه المواقف الروسية تجاه القضية الإيرانية ــ إذا جازت التسمية ــ والأزمة السورية والاحتجاجات الشعبية العارمة ضد تصرفات حكومة الرئيس بشار الأسد، التي اتخذت مواقف متشددة تجاه الشعب السوري، ومعاناته المستمرة منذ عشرة أشهر، مع استخدام القمع والوسائل الأمنية، التي أزهقت أرواح الكثيرين. ورغم جهود الجامعة العربية، وتلكؤ أو عدم وضوح توجهات أو تقارير بعثة المراقبين العرب، التي أوفدتها الجامعة العربية إلى سورية، وفق البرتوكول الموقع بين الطرفين، فإن الشعب السوري لازال يعاني الأمرين، كما تظهر وسائل الإعلام العربية والدولية، وتشير تقارير المنظمات الدولية الحقوقية أو غيرها من المنظمات ذات العلاقة. وسورية في واقع الحال لا تملك مقومات كافية تتيح لها أن تكون قوة يحسب لها حساب كبير في منطقة الشرق الأوسط، كتركيا ومصر وإيران والمملكة والعراق. فهي دولة ضعيفة نسبيا، جراء محدودية مواردها الأساسية، وسوء موقعها الجيوسياسي، وحساسية التركيبة الطائفية الداخلية، ولذلك فإنها غير قادرة على مواجهة ضغوط دولية حيال وضعها الداخلي بدون مساندة قوة خارجية كبرى.
مواقف روسيا الاتحادية المعارضة لأي عقوبات دولية تصدر من مجلس الأمن، أو الجامعة العربية تجاه سورية، هذه المواقف الروسية المتعنتة التي ما فتئ لافروف يطلقها كل يوم تقريبا.. محذرا بلا أي لبس من المساس بمصالح روسيا المباشرة والضمنية في منطقة الشرق الأوسط المضطربة أصلا في مواقع متعددة.. والتي اعتبرها لافروف خطا أحمر لا ينبغي تجاوزه سواء من مجلس الأمن أو غيره.. كل هذه المواقف الروسية المتشددة حول العقوبات الأوروبية ضد برامج إيران النووية، أو سعي إيران إلى توسيع دائرة النزاعات أو عدم الاستقرار في بعض الدول المجاورة.. ودعم إيران العسكري والمادي والمعنوي لنظام بشار الأسد القمعي، رغم نفي طهران المتكرر لذلك.هذه المواقف أسهمت في استمرار وتصاعد الأزمتين الإيرانية والسورية بصورة أو أخرى.

لا ينكر حصيف أن لروسيا كدولة كبرى مصالح مهمة في الشرق الأوسط شأنها شأن غيرها.. ولكن على روسيا «الديمقراطية» كما يزعم قادتها ونظامها ووسائل إعلامها، ورغم أهمية مصالحها، أن تمعن النظر فيما هو أبعد من ذلك، فمصالحها الحقيقية هي مع شعوب المنطقة وتطلعاتها، وهي أهم بكثير في ميزان العلاقات المستقبلية على المدى البعيد.. إلا إذا كان القادة الروس الحاليون يرون أن حقوق وتطلعات الشعبين السوري والإيراني لا تمثل ثقلا أو حرجا لروسيا، كما أنه من المؤكد أن التحركات التي شهدتها الساحة الروسية الداخلية خلال الأشهر القليلة الماضية، وتطلع بوتين للعودة إلى سدة الرئاسة، قد تكون مهددة بهذه المواقف الروسية، التي لا تستند كثيرا إلى معطيات الجغرافيا السياسية، وتطلعات بعض شعوب المنطقة في مستقبل وحياة أفضل بكثير مما تقدمه الأنظمة الجمهورية القمعية، التي أثبتت في عدة مواقع استراتيجية في المشرق والمغرب العربي عقم سياساتها الداخلية والخارجية، التي تقوم في مجملها على أسس ومنطق تجاوزه الزمن وتطلعات الأجيال الشابة، وبعد هذه الأنظمة عن تلبية أماني شعوبها، في ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية والتكنولوجية التي يشهدها عالم اليوم، الذي يموج بمتغيرات قادمة متعددة الجوانب والاتجاهات. هل يمكن لنا كمراقبين أن ننظر إلى المواقف الروسية تجاه الأزمتين الإيرانية والسورية وارتباطهما ببعضهما، على أنها مواقف تستند إلى لغة مصالح ثابتة تقوم عليها السياسية الخارجية الروسية المعرضة تاريخيا للتوجهات الغربية، أم أنها تقوم على أسس برجماتية بحتة، تحاول من خلالها الدبلوماسية الروسية أن تحقق أكبر قدر ممكن من المصالح، وتستخدم موقفها تجاه الملفين الإيراني والسوري كوسيلة ضغط لتحقيق مكاسب في مجالات وملفات أخرى ذات أهمية أكبر في إطار العلاقات الدولية المتشابكة القائمة على مصالح الدول. قد يكون هذا صحيح جزئيا، ولن يكون مستغربا إذا ما غيرت روسيا مواقفها من سورية وإيران ولو جزئيا، في سبيل الالتقاء مع القوى الغربية الفاعلة على تحقيق تسويات أو صفقات في أماكن أخرى. للننظر ونرى مثل هذه التحولات.. مع ملاحظة أن هذه المواقف الروسية تعتبر في حد ذاتها عاملا مهما في استمرار معاناة الشعب السوري خاصة، واستمرار التفاقم السلبي للسياسات الإيرانية في المنطقة.