-A +A
محمد طالب الأحمدي (موفد «عكاظ» إلى دكا)

ينهي فريق الخبراء السعوديين اليوم أعمالهم في بنجلاديش ويعودون إلى الرياض بعد خمسة أيام أمضوها في دكا لمتابعة مجريات البحث والتحقيق في مقتل الدبلوماسي خلف العلي، عقدوا خلالها اجتماعات مع رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد ووزيرة الداخلية المحامية سهارة خاتون ومسؤولين في الجهاز الأمني، إذ تتحدد اليوم النتائج النهائية التي توصل إليها الخبراء. وكان فريق الخبراء عقد أمس اجتماعا مطولا مع وكيل وزارة الداخلية سي قيوك مشتاق أحمد، والمفتش العام لقوات الشرطة خندوكار حسن محمد، ورئيس شرطة المخابرات جاويد باتواري، ومفوض شرطة دكا بينظير أحمد، بحثوا فيه الشبهات التي تدور حول تنفيذ الاغتيال، مقرونة بالأدلة المتوفرة، في وقت أعلنت فيه الشرطة عن حصولها على معلومات وصفتها بـ «القوية» يجري التحري عنها.

وتواصل «عكاظ» اليوم الكشف عن قصة اغتيال العلي، وفي التفاصيل أنه في يوم الثلاثاء الثالث عشر من شهر ربيع الآخر الماضي، رن هاتف سفير خادم الحرمين الشريفين لدى بنجلاديش ونيبال الدكتور عبدالله ناصر البصيري عند الساعة العاشرة صباحا، أجاب السفير على الاتصال، وإذ به الملحق الدبلوماسي عمر عبدالعزيز العتيبي يتحدث بربكة «يا سعادة السفير.. خلف العلي يطلبك السماح، وعظم الله أجورنا جميعا»، فرد السفير فجعا من الموقف «ايش تقول؟»، فيجيبه عمر «نعم يا سعادة السفير .. العلي قتل البارحة بطلق ناري عند بيته»، فاستشف السفير من المكالمة بعض المعلومات التي كانت متوفرة حينها عن الحادثة.

السفير في المستشفى

توجه السفير فورا إلى مستشفى يونايتد برفقته أعضاء من البعثة الدبلوماسية، فاستقبلته إدارة المستشفى على عجل، وفتحوا له الطريق نحو ثلاجة الموتى، فكانوا قد هيأوا جثة العلي على سرير معدني لعرضها على السفير، فوقف السفير أمام الجثة وهي مغطاة بالكامل، فرفع المختصون الغطاء عن وجهه، فطبع السفير قبلة على جبينه، وصار يردد «يا الله تغفر له وترحمه»، ثم انهالت استفساراته عن أسباب الوفاة، ومضامين التقرير الطبي.

إلى مسرح الجريمة

وعقب ذلك خرج السفير مسرعا من المستشفى، وتوجه إلى مسرح الجريمة، فكان حاشدا برجال الأمن والإعلام، فاستقبله قائد شرطة دكا، وبدأ يشرح له معالم الجريمة، والوضع الذي وجد عليه الدبلوماسي العلي، وكيف سار بلاغ إطلاق النار عليه.

فقال له قائد الشرطة «العلي قتل بالرصاص، إذ أصابته طلقة واحدة اخترقت صدره من ناحية آخر ضلع في الجانب الأيسر».

فتوجه السفير بعدها إلى منزله، وصار يتفقده من الداخل، ووقف عند سيارته ودراجته الهوائية، وقبل أن يغادر أعطى الإشارة إلى مدير مكتبه عبدالعزيز اليوسف باستدعاء جميع أعضاء البعثة إلى اجتماع طارئ في مقر السفارة.




إصرار وعزيمة

وكان الحزن والترقب يخيمان في تلك الفترة على أجواء السفارة، حتى عاد السفير عند الظهيرة والكل في انتظار الاجتماع الطارئ، وفور وصوله توافد عنده أعضاء البعثة مقدمين له العزاء في فقيدهم العلي.

فاستهل السفير البصيري الاجتماع بقوله تعالى «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون» الآية.. وأخذ يفيض في الحديث عن مآثر الفقيد وحسن علاقته مع جميع زملائه، حتى جاءت لحظة تحديد الموقف «أؤكد لكم على ضرورة توحيد موقفكم، إن ما أصابنا لا يزيدنا إلا حماسا وإصرارا وتصميما وإخلاصا في تقديم المزيد لخدمة الدين ثم المليك والوطن».

الظرف العصيب

وفي ثنايا الاجتماع أصدر السفير البصيري توجيهاته بتشكيل لجان للتعامل مع ملابسات القضية، منها لجنة أمنية لمتابعة القضية ومجرياتها مع الجهات الأمنية، والوقوف على مراحل البحث والتحقيق، والمرابطة عند ثلاجة الموتى.. ولجنة أخرى للتنسيق مع ذوي الفقيد والكتابة للجهات السعودية والبنجلاديشية بكل ما يستجد في القضية.. وثالثة للعلاقات العامة واستقبال المعزين في مقر السفارة وتنظيم دخولهم.. وأخيرا لجنة لتجهيز الجثمان للصلاة عليه ونقله إلى المملكة.

تحت وقع الصدمة

وفي حينها بدأت وسائل الإعلام تبث أنباء عن مقتل دبلوماسي في سفارة المملكة بدكا، دون أن تحدد هويته، فانهالت الاتصالات بكثافة على أرقام السفارة والهواتف المحمولة لأعضائها من ذويهم، للاطمئنان على حياتهم والاستفسار عن الواقعة، دون ورود أي اتصال يسأل عن خلف العلي.

وفجأة راج النبأ عبر الإعلام أن المغدور هو الدبلوماسي العلي، حينها اتصل أحد أفراد أسرته على السفارة، وتحدث مع موظف السنترال «هل صحيح أن العلي تم اغتياله؟»، استفسر موظف السفارة عن اسمه، فأفاده بأنه واحد من أسرة العلي، فأحاله إلى القسم القنصلي ليلقى تأكيدا لهذه النبأ من هناك.. فأنهى المكالمة في الحال دون أي تفاصيل.

وفي هذه الأثناء رفعت شرطة دكا إلى السفارة طلبا بحضور ممثل عنها للتوقيع على المحضر لتأخذ القضية مسارا رسميا.. فكلف السفير البصيري الملحق الدبلوماسي عمر عبدالعزيز العتيبي بالتوقيع على المحضر، ولزوم البقاء في المستشفى، ومتابعة كل ما يطرأ على القضية ومتابعاتها.

وحملت الصفة الرسمية للمحضر عبارة «أقر أنا عمر عبدالعزيز العتيبي الملحق الدبلوماسي بسفارة المملكة العربية السعودية في دكا بأن الجثة التي عاينتها هي للدبلوماسي السعودي خلف بن محمد سالم العلي، والبالغ من العمر 47 عاما».

قرار تشريح الجثة

وفي هذا السياق طلب الأمن البنجلاديشي تشريح جثة الدبلوماسي العلي، وفحصها من قبل رجال الشرطة الجنائية فاتصل الملحق الدبلوماسي العتيبي بالسفير، ليبلغه برغبة الأمن، فقرر السفير بعدم ممانعته تشريح الجثة.

نقلت الشرطة الجثمان من مستشفى يونايتد الأهلي إلى مستشفى دكا الحكومي، فأدخل إلى المشرحة عند الثانية ظهرا.

دلائل الجريمة

تفاصيل مثيرة اكتشفها الأطباء الجنائيون خلال ساعات من التشريح انتهت عند السادسة مساء، فبعد التقاط صور من جسد العلي والموضع الذي اخترقته الذخيرة في صدره، أحضر الطبيب الجنائي مشرطا وفتح صدر المغدور وأحشاءه، وتمكن بعد جهد من إخراج الذخيرة من المنطقة الملاصقة لكليته اليمنى، وكانت دلائل النزيف الداخلي ظاهرة بغزارة بمجرد تمرير المشرط على صدره.

وكشف تقرير الطبيب الجنائي أن الذخيرة في اختراقها جسد العلي أتلفت جزءا كبيرا من الرئة وبعض أعضاء الجهاز الهضمي، وبعد الانتهاء من كل شيء جرى تكفينه ووضعه في الثلاجة داخل مستشفى دكا.

إدانة واسعة

هاتفت رئيسة الحكومة البنجلاديشية الشيخة حسينة واجد السفير البصيري، وأكدت له أن الحكومة تدين هذا العمل الإجرامي، وأنها ستبذل كل ما في وسعها وتجند كل إمكانياتها للتحقيق في القضية والكشف عن الجناة، وقالت له «لن يهدأ لنا بال حتى نتوصل للجناة ونقدمهم للعدالة».

وفي المساء زارت وزير الخارجية الدكتور ديبو موني السفير في داره بالحي الدبلوماسي نفسه، وأعربت عن استنكارها للجريمة، موضحة موقفها الرسمي تجاهها.



حارسا قنصلية البرتغال وسكن العلي يرويان تفاصيل لحظة الغدر



في جولتي في الحي الدبلوماسي في منطقة قولشان2 في دكا الجديدة، توجهت إلى منزل الدبلوماسي العلي، والتقيت الحارس الذي أدلى بأقواله للشرطة وكان شاهدا على فصل مهم من فصولها التي لم تنته بعد، إذ قال الحارس شمس الكبير: «عادة خلف يمكث في المنزل منذ عودته من العمل عند الثالثة عصرا، ويخرج للرياضة في الحادية عشرة مساء، حيث يمارسها على ضفة النهر المجاور من المنزل، ولمدة ساعتين».

ويضيف الحارس، «في ذلك المساء كنت مسؤولا عن حراسة المبنى، فسمعت صوت إطلاق النار فلم أبد له أي اهتمام، ولكن لفت انتباهي أن مرت سيارة مسرعة بعد صدور هذا الصوت بثوان معدودة، وكان ذلك عند الواحدة ليلا».




وإلى هناك وجدت حارس القنصلية الفخرية لجمهورية البرتغال، والذي بادر بإبلاغ الشرطة عن سماعه صوت إطلاق نار بجوار مبنى القنصلية، فيصف الموقف «كنت داخل أسوار المبنى الذي تقيم فيه القنصلية، وفي حدود الواحدة ليلا سمعت صوت طلقة واحدة مخيفة، أدركت أنه طلق ناري، فاتصلت بالشرطة، وسألوا عن أوصاف الصوت والموقع، وبعد مرور ربع ساعة جاءت فرقة من الشرطة، وتحققوا من هويتي ثم استفسروا عن مصدر الصوت، فأفدتهم بأنه لا يبعد كثيرا عن مبنى القنصلية، وبعد ساعات سمعت أصواتا في الحي، خرجت لاستكشف الأمر فأبلغني الشرطي بأن رجلا قتل في هذا الشارع».