توصل فريق الخبراء الأمنيين المحققين في اغتيال الدبلوماسي السعودي خلف بن محمد سالم العلي في دكا، مع الجهات الأمنية البنجلاديشية، إلى عدة مؤشرات حول جريمة الاغتيال، تثير شبهة تنفيذها لأهداف سياسية، وذلك في ختام أعمال الفريق الذي أمضى خمسة أيام في دكا وسط مجريات البحث والتحري، حيث غادر ظهر أمس بنجلاديش عبر مطار حضرة شاه جلال الدولي بدكا. وتتلخص المؤشرات التي ترجح تسييس عملية الاغتيال، في أن الجريمة وقعت في الحي الدبلوماسي بعد ساعتين من إغلاق أبوابه الساعة الحادية عشرة مساء، ما يشير إلى أن الغادر من داخل الحي، كما أن استهداف الدبلوماسي بطلقة واحدة فقط تؤكد إحترافية الجاني، فضلا عن الدقة في اختيار الهدف من جسده في موضع حساس يحتم مقتله، بواسطة سلاح ذخيرته ذات عيار 22 ملم، بجانب توقيت الاغتيال في وقت يسوده الهدوء من منفذ على اطلاع بالجدول اليومي للعلي، بالإضافة إلى أن عمليات البحث والتحري أكدت أن العلي ليس على خلافات مع أي طرف، بل عرف عنه الهدوء وحسن التعامل.
وتساءل الجانب السعودي عن دواعي نقل العلي إلى مستشفى أهلي لا حكومي قبل أن تعرف هويته، بحسب ما ذكر الأمن البنجلاديشي، فأوضحت شرطة دكا أن نقله إلى مستشفى أهلي جاء بناء على نظام في البلاد يفرض على المستشفيات الأهلية التعامل مع المصابين في حوادث جنائية عند نقلهم إليها. وعقد سفير خادم الحرمين الشريفين لدى بنجلاديش ونيبال الدكتور عبدالله بن ناصر البصيري وفريق الخبراء اجتماعا لمدة ثلاث ساعات في مقر شرطة دكا، مع كل من مفوض الشرطة بينظير أحمد، مفوض شرطة المخابرات شيخ معروف حسن، نائب مفوض شرطة المخابرات بشمال دكا محبوب الرحمن، نائب مفوض الشرطة بمنطقة قولشان لطف الكبير، وجرى بحث ضرورة فرض خطوات يتخذها الأمن البنجلاديشي تحدث تقدما للقبض عن الجاني.
وأكد الجانب السعودي أن مضي الشرطة البنجلاديشية في مهماتها لإتمام إجراءات التحقيق ستسهم في تعزيز العلاقات السعودية مع بنجلاديش مستقبلا.
إلى ذلك أكد مفوض شرطة دكا أن الأمن في بنجلاديش مصمم على إجراء التحقيقات بصورة نزيهة للقبض على الغادرين.
إجراءات احترازية
وتواصل «عكاظ» سرد القصة الكاملة لاغتيال الدبلوماسي العلي، ففي اليوم التالي الرابع عشر من شهر ربيع الآخر، اتخذت السفارة السعودية في دكا إجراءات احترازية مع الأمن، تمثلت في التحفظ على سيارته داخل مقر السفارة بعد سحبها من الموقف الخاص بها في سكنه، والتنسيق مع الجهات الأمنية في تغطية مسرح الجريمة لكيلا يتعرض للتغيير جراء الظروف المناخية كالأمطار والعواصف ونحو ذلك.
يوم الوداع
في الخميس الخامس عشر من شهر ربيع الآخر الماضي، هو اليوم الثالث على حادثة الاغتيال، شرعت اللجنة المشكلة من السفير الدكتور البصيري في إجراءات تجهيز جثمان العلي، والإعداد لنقله بطائرة خاصة إلى مطار الملك خالد الدولي بالرياض، وبدأ توافد الممثلون الدبلوماسيون رسميا، سواء من الحكومة البنجلاديشية أو من سفراء العالم في دكا، وذلك للمشاركة في تشييعه وتقديم العزاء لسفير خادم الحرمين الشريفين والتعبير عن إدانة الحادثة. وعند الظهيرة تهيأت الطائرة الخاصة لنقله بإشراف من مدير الخطوط السعودية في بنجلاديش عبدالرحمن الخرندة ومدير محطة الخطوط في دكا أسامة حلواني، وجاءت السيارة التي تقل العلي إلى المطار، حيث شيعه المئات إلى المسجد للصلاة عليه. وبعد الصلاة عليه حضرت وزيرة الخارجية الدكتورة ديبو موني لتقديم العزاء وإلقاء النظرة الأخيرة على العلي والدعاء له بالرحمة، ثم جلست بجوار السفير وأعربت عن أسفها الشديد على هذا الحادث، واصفة إياه بـ «المأساوي الغريب على أرض بنجلاديش».
غدر الضيف
بنجلاديش استقبلت العلي حيا وودعته ميتا، هكذا هي الحالة إذن، إذ بدأ إدخال جثمان العلي في الطائرة، ورافقه في رحلة جوية استغرقت سبع ساعات السفير البصيري، ليتجلى موقف المملكة وحزنها الشديد على فقدان ابنها العلي وهو في خدمة وطنه، وفي ظل الاهتمام البالغ بالقضية كان في استقبال الجثمان في المطار بالرياض أركان وزارة الخارجية، وهم صاحب السمو السفير الأمير خالد بن سعود بن خالد آل سعود مساعد وزير الخارجية، صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز نائب وزير الخارجية، والدكتور نزار بن عبيد مدني وزير الدولة للشؤون الخارجية.
الوزير المفوض
في ذلك اليوم الخميس، كان قد أعد أعضاء البعثة الدبلوماسية والملحقية العسكرية في دكا لإقامة حفل رسمي لسفير خادم الحرمين الشريفين لدى بنجلاديش ونيبال الدكتور البصيري بمناسبة صدور أمر ملكي بترقيته إلى «وزير مفوض»، بناء على ما رفعه وزير الخارجية، ولكن شاءت الأقدار أن يتغير كل شيء.
وبعد عودة السفير إلى بنجلاديش، ومضيه في متابعة القضية، ومرور ثلاثة أسابيع على اغتيال العلي تجددت رغبة السعوديين بالاحتفاء بترقية السفير، لكن البصيري رفض ذلك، وقال لهم «آمل أن تتفهموا أننا لسنا في ظرف فرح»، فاكتفوا بتقديم ما يعبر عن مشاعرهم تجاهه داخل مقر السفارة، إلى أن صدحت لغة الشعر بحقه من الملحق الدبلوماسي عمر العتيبي «الدكتور عبدالله حمله وساما.. وسام فخر للسفير المثالي.. حكيم وسياسي وعالي مقاما.. يستاهل التقدير صاحب معالي».
النقل إلى الأردن
استذكر السفير في هذه الأثناء أن آخر قرار شهدته السفارة هو ما تسلمه الفقيد خلف العلي نفسه حيث تقرر نقله إلى السفارة السعودية في عمان بالمملكة الأردنية بعد ثمانية أشهر، ولكن مشيئة الله فوق كل شيء.
الحي الدبلوماسي.. ظلام وغوغائية
عندما دخلت الحي الدبلوماسي بمنطقة قولشان 2 في دكا الجديدة عبر إحدى بواباته تخيل لي أنني أغور في حي شعبي بأي منطقة بالعالم. فوسط الغوغائية والزحام وعشوائية الحركة وأجراس العربات البدائية «ريكشي» وأدخنة وسيلة النقل التكتك «سي إن جي» استبعدت أنني في حي يحضن المقار الدبلوماسية لسفارات العالم ومساكن أعضائها لولا أنني قد شاهدت الأعلام ترفرف على أسطح كل مبنى.
وعند الغروب يسود الظلام أجواء الحي، فلا إنارة ولا إشارات ضوئية، بل ما يزيد الطين بلة أن التيار الكهربائي يتقطع بواقع أربع مرات في اليوم الواحد، حتى على المقار الدبلوماسية نفسها، إلى أن عبر أحدهم عندما أحيا العالم يوم الأرض قائلا «لا فرق.. فبنجلاديش تحيي عام الأرض».
ولما دخلت السفارة السعودية في الحي لفت أنظاري مولد كهربائي في إحدى زوايا حرمها، فسألت عنه، فقالوا إنه يعمل تلقائيا عند انقطاع التيار عن الحي، لذا فإنه يجري في الوقت الراهن تشييد مبنى جديدا للسفارة على طريق المطار، وفي منطقة منظمة تبعد عن الحي الدبلوماسي مسافة 20 دقيقة.
الدبلوماسيون: الفقيد مثال للخلق الكريم
خط الدبلوماسيون وأعضاء البعثة السعودية ودول أخرى عبارات نقلوها عبر «عكاظ» إلى الشهيد خلف العلي وأسرته.
• «أبو ناصر انتقلت إلى جوار رب رحيم، وتظل ذكراك العطرة مغروسة في وجدان كل واحد منا، فلن ننساك.. رحمك الله ورفع منزلتك في جنته.. زميلك المكلوم محسن خليفة العنزي».
• «الكلمات لا تفي والتعبير لا يسع في حق أخي خلف العلي رحمه الله، فقد ترك من المواقف الجليلة كثيرا مما لا زالت تشعرنا أنه يعيش بيننا رغم رحيله، نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته وأن يجمعنا معه في جنات الخلد.. صديقك الوفي ياسر اليامي».
• «مرحوم عسى الجنان مثواك، فأنت لا تزال في الوجود بيننا، وتبقى حيا في نفوسنا، عسى الله أن يغفر لك، ويدخلك في جنات نعيم.. زميلك عايض خالد البقمي».
• «نسأل الله العلي القدير أن يتغمد روحك ويجعل الجنان مثواك، وإلى أسرتك التعازي يا شهيد الوطن.. صديقك من السفارة الكويتية يوسف مجبل بو ظهير».
• «رحمك الله يا أبا ناصر.. فكنت خير من يمثل بلادنا، وقدوة لنا، نسأل اله أن يجمعنا مع الصديقين والشهداء.. صديقك فلاح حباب الغربي».
• «أسال الله القدير أن يتغمدك بواسع رحمته ويسكنك فسيح جناته وأن يلهم أهلك الصبر والسلوان.. عبدالله مصلح العنزي».
• «نسأل الله أن يرحم فقيدنا رحمة واسعة، وأن يعوضنا خيرا إن شاء الله.. أخوك الأصغر ناصر فايز السبيعي».
• «إنك فقيدنا يا أيها الأخ العزيز، ونحن نطلب من الله أن يغفر لك ويرحمك ويجعل الفردوس الأعلى مثواك.. عائض القحطاني».
• «إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي الله إنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأله تعالى أن تكون في عليين مع الأنبياء والصديقين، فقد كنت نعم الأخ والصديق، ونسأل الله لك الرحمة والمغفرة ولذويك وأهلك الصبر والسلوان.. أخوك غازي مستور العصيمي».
• «رحمك الله يا أبا ناصر، وإلى جنات الخلد إن شاء الله، كنت مثالا في الخلق والدين، فنسأل الله أن يلهم أهلك الصبر والسلوان.. أخوك ماجد حميد الجهني».
• «إلى جنات النعيم يا أبا ناصر، غفر الله لك ورحمك رحمة واسعة، عرفتك زميلا وجارا في المنزل، وكنت مثالا في الأخلاق السامية.. أخوك الوفي طلال ضاوي العتيبي».
• «إن فقدانك يا شهيد الواجب عزيز علينا، وبث فينا جميعا دون استثناء روح الفداء للدين ثم المليك والوطن، فرحمك الله يا أبا ناصر.. أخوك سعيد بن علي القحطاني».
• «كم عشنا مع بعضنا، وكم مرة التقينا وتجالسنا، كل ذكرياتنا معك تظل خالدة في أفئدة تشبعت بكريم أخلاقك وطيب سريرتك وجود معدنك.. وفائي بك ألا أنساك بالدعاء لك ليلا ونهارا. صديقك المحب عبدالعزيز اليوسف».