مصر.. أكبر بلد عربي، ما يدور فيها من سياسات وتطورات اجتماعية واقتصادية تؤثر على كافة الدول العربية. وقديما أطلقوا على الفلوس في لبنان الجميل كلمة (مصاري) اشتقاقا من مصر أو مصريين، إذ إن مصر كانت في ذلك الوقت هي أغنى دولة عربية التي (ترش) على باقي أخواتها من الدول العربية الأخرى.
لذلك ما يحدث في مصر يهم العرب جميعا، في كل الأحوال وتحت كل الظروف. في هذه الأيام خاصة، حيث يدخل سباق رئاسة مصر ثلاثة عشر مرشحا، يتجه النظر والسمع إلى أرض الكنانة لمحاولة قراءة مستقبل الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. ولو أخذنا التاريخ كمعلم، لطالب الشعب المصري أن يتم انتخاب الرئيس ونائبه في نفس الوقت وعلى نفس البطاقة، كما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، تجنبا للمفاجآت والتحولات المباغتة في السياسة الداخلية والخارجية في حالة مغادرة الرئيس منصبه لأي سبب كان، ولكي لا يتكرر ما حدث مع الرئيس السابق.
مرشح رئاسي عمل لأكثر من عشرة أعوام كوزير لخارجية مصر حيث تغنى باسمه مطرب شعبى فذ، ثم قرابة اثني عشر عاما كأمين عام لجامعة الدول العربية حيث لم يشتهر بإنجاز يذكر سوى تدخين السيجار الكوبي والتنقل لأتفه الأسباب على متن طائرات خاصة حول العالم، ظهر مؤخرا على شاشات التلفزيون، بسنينه السبع وسبعين.
شاهدته في برنامج يقدمه ليلا شخص (غلباوي) جدا، مشهور بالتهريج الإعلامي، فغلبه هذا المرشح في الغلبة والتهريج.
خلال ساعة ونصف تقريبا، كرر المرشح كلمة (أنا) أكثر من مائة مرة وهو يتحدث بفوقية عجيبة، محاولا إقناع مواطنيه أنه رجل صالح لكل المواسم وكل المواقف، يستطيع التلون بكل الألوان، ولديه عصا سحرية لحل كل المشاكل السياسية والدبلوماسية والمالية والاقتصادية والتجارية والصحية والعلمية والعسكرية.. إلى آخر القائمة، فقط من خلال مكالمة هاتفية أحيانا، وأنه سيرضي جميع القوى الإقليمية والدولية وسيكون مقبولا محبوبا لدى الجميع، ابتداء من أمريكا حتى بلاد واق الواق.. (سوبرمان) هذا الزمن.
وضح تماما أن ذلك المرشح قد تعود على نمط وظيفى واحد، اتخذه وسار فيه لعقود طويلة، فتجمد أو تحجر في شخصية تقليدية متعجرفة سلطوية، تحب نفسها ومعجبة بذاتها إلى درجة الاستفزاز .
كل الذى فهمته منه أنه يؤمن حقيقة بأنه إما هو وإما الطوفان، إما أن يكون هو الرئيس أو قل على مصر السلام!! شاهدته بعد ذلك بأيام في مناظرة تلفزيونية أمام مرشح محترم آخر، وهو يتحدث كعادته بفوقية الطاووس وانفعالية الدكتاتور. الحقيقة أنه لم يكن يتحدث ويجيب على أسئلة، بل كان يلقي محاضرات مملة بأفكار قديمة مكررة ومعادة مثل أسطوانة مشروخة، مع رفض الاعتراف بأي خطأ ارتكبه أثناء سني عمله، وكأنه شخص منزه عن الخطأ. ليست لديه إجابات مقنعة على الأسئلة التي وجهت إليه ولا أفكار جديدة، لذلك كان يميل إلى الإلتفاف والطعن في شخصية المرشح المنافس أمامه والتشكيك في مواقفه ومصداقيته، مما وضعه في موقف عدواني استفزازي بعيدا عن اللياقة الدبلوماسية.
اتضح للجميع أنه لا برنامج واضحا لدى هذا المرشح في أي شيء، سوى الوصول إلى مقعد الرئاسة بأي ثمن.
أصابنى -سامحه الله- بالإحباط، ولكن استعدت تفاؤلي بعد أن شاهدت مرشحين آخرين واستمعت إلى أفكارهم وبرامجهم الجادة. أحسست أن مصر ستكون مع هؤلاء بخير إن شاء الله، إن سلمت من المتسلقين والمراوغين.
أما فكرة المناظرة العامة بين المرشحين فقد فتحت نافذة جديدة لتقليد ديموقراطي رائع في عالمنا العربي، نأمل أن يزداد نضجا وفاعلية من خلال التجربة والممارسة.